Sunday, September 23, 2007

كتاب التاريخ الكاذب للفراعنة في مصر للشيخ ابو اسلام احمد عبد الله

التاريخ الكاذب للفراعنة فى مصرللشيخ ابو اسلام احمد عبد الله
مواضيع الكتاب :
عفوا عزيزى القارئ ثلاثة رؤى لفهم الحقيقة الفرعون الاله تاريخ الوهم الحجرى تاريخ كاهن ، لا تاريخ امةالفراعنة . نحن منهم
وهم مناالتقسيم الاسرى لملوك مصر من الاسرة الاولى حتى الواحدة الثلاثين واسدل ستار المسرحية
عفوا عزيزى القارئ عندما سمعت لاول مرة ؛ مصطلح ( الدعارة الفكرية ) احسست بغصه شديدة فى صدرى ، لقسوة الكلمة ، ولقسوة المعنى ، ولم اكن اتصور ابدا ان يتهم الفكر الدعارة ، او تنسب الدعارة الى الفكر .لكننى لما تاملت دلالة انتساب الكلمتين لبعضهما ، ادركت بغتة ان لهما صلة بالواقع الذى نعيشه ، بل هى صلة قوية وحميمة ، وان ( الدعارة ) هى الكلمة الوحيدة التى تستطيع التعبير عن هذا الواقع ؛ الذى ينتسب زورا وبهتانا الى العقل ، والى الفكر ، والعقل والفكر منه براء .وكما للدعارة بمفهومها الجسدى بيوتا ، فانها بحسب المفهوم الجديد المنتسب للفكر ؛ تمتلك بيوتا ايضا ، قليل منها يمتلك الترخيص بممارسة العمل ، وكثير منها يعمل خارج اطار القانون ، لكن الغريب والعجيب فى الامر كله ؛ ان الممارسة الاخيرة قد تكون فى احيان كثيرة ، اكثر انضباطا من الممارسة فى بيوت الدعارة الرسمية ، وفى كل سوء وضلال .ومن بضاعة الدعارة الفكرية التى تروجها بعض كتائب سقط متاع الشيوعية ؛ الذين ارتدوا مؤخرا ثوب غانيات العلمانية العارى ، كانت بدعة : الدعوة الى فرعنة مصر ، وحتمية : الرجوع الى حضارة الازمنة القديمة ، لما تحمله من عراقة ونهضة وابداع .وبغض النظر عن تفاصيل هذه العراقة الوثنية ، والنهضة الشركية ، والابداع الضمنى فى تاريخ حضارتنا الفرعونية القديمة ؛ فان احدا من هؤلاء – وباطلاق ؛ لا استثنى احدا – لم يشغل ذهنه بالوقوف على حقيقة هذا التاريخ ، مكتفيا بما يشاع عنه من عطاء شبه اعجازى ، مثل التحنيط ، وبناء المسلات ، والاهرامات ، وهى حقا اعمال تنم عن رقى عقلى ، وفنون تؤكد ما كان عليه اجدادنا الاولون .لكن الذى يجهله – او يتجاهله قصدا – العلمانيون الشعوبيون ، ان هذا التاريخ لم يكن بدعا من تاريخ الشعوب الاخرى ، ومثله ما كان فى العراق ، وفى سوريا ، وفى اليمن ، وفى الصين ، وفى اليونان ، وفى بلاد الاطلنطى ، بل وفى عمان ، والبحرين .كل دولة من هذه الدول ، تعلم اجيالها عظمة حضارة اجدادها ، وانها صاحبة انجازات غير مسبوقة ، وان يكن ذلك كله ، لا يقلل من المكانة المتميزة للحضارة المصرية بين هذه الحضارات كلها .الا ان الذى لم يحاول هؤلاء العلمانيون والشعوبيون ان يسبروا غوره ، ويكشفوا عن حقيقته هو :* هل كان تاريخنا الفرعونى ؛ هو فرعونى صدقا ؟بمعنى : هل كل الذين تولوا حكم البلاد خلال هذه الثلاثة الاف سنة ، التى سبقت تقويم المسيح عليه السلام ؛ هم جميعا فراعنة ؟ ام انهم غرباء ينتمون الى الفراعنة ؟ ام هم مصريون من اهل مصر لحما ودما ؟* هل كان هؤلاء الحكام الذين تتابعوا على حكم مصر تحت اسم الفرعونية ؛ كانوا جميعا بناة الاهرام ، ومسلات ، ومحنطى موتى ، واصحاب فنون عسكرية وادبية وروحية ؟* وان كانوا جميعا من الفراعنة ، ومن اهل مصر ، وبناة حضارة ، واصحاب فنون ، هل يكونون اهلا للاتباع اذا ما خالف دينهم ، دين الاسلام ، وكانوا من عبدة الاوثان والاصنام ؟ام ان انجازاتهم يمكن ان تغفر لهم وثنيتهم ، وتجعلنا واياهم لعلى صراط واحد ، من عبودية للبقر ، والبهائم ، والكلاب ، والحشرات ؛ فنلقى الله على ذلك ونحن امنين مطمئنين ؟والسؤال بايجاز شديد :* ما الشروط التى يجب ان نقبل عليها الانتماء الى حضارة ما ، او الى عقيدة ما ، او الى امة ما من الامم ؟ان هذا السؤال الجامع ، على خلفية الاسئلة الثلاثة التى سبقته ، تحتاج من كل مسلم يعيش هذه الحضارة ؛ تاريخا ، او لغة ، او عقيدة ، ان يقف بدقة شديدة على اجابتها ، وان يتحرى قدر المستطاع معرفة فحواها ، وليس وفقا للهوى المتبع ، انما وفقا لاحكام الشرع الاسلامى الحنيف .ولاننى لست هنا فى محل معالجة فقهية ، فقد رايت ان اترك ذلك لكل قارئ ، ليبرا امام الله مما قد يترتب على موقفه الباطنى والعقلى والايمانى ، تجاه هذه الحضارات القديمة ، واهميتها فى حياة المسلم يما ، وخاضرا ، ومستقبلا .اما الذى يهمنى هنا ؛ وانا اعرض لتاريخ مصر ، عبر لقطات سريعة للمحطات البارزة فى هذه الالوف الثلاثة من السنين قبل مولد المسيح عليه السلام ، والالفى سنة بعد مولده عليه السلام ، ان اعيد للقارئ المسلم ( القارئ غير المسلم الراغب فى معرفة الحق دون تزييف او دجل او كذب ) ، قراءة هذه المحطات ، دون واسطة من احد ، ودون وصاية من مؤلف ، او مؤرخ ، او حتى رجل دين .صفحات انقلها من مصادرها التى هى فى الاصل خصم الاسلام والمسلمين انتقيتها بصعوبة شديدة من بين الاف الصفحات الاخرى الكاذبة والضالة المضلة لنفس هؤلاء ، هؤلاء اصحاب المصادر ، ليكونوا هم شهداء على انفسهم ، ولاكون انا برئ من اى شبهة انحياز ، او تعصب لعقيدتى التوحيدية ، معلنا التحدى للقارئ اولا ، ثم لاى شخص ممن ينتمون الى بيوت الدعارة الفكرية ، ان يشكك فى معلومة واحدة مما اوردت ، او اكون زدت عليها ، او انقصت منها ، او حملتها فوق ما تحتمل ، لاننى اعرف بداية ان امثال هؤلاء لا يتورعون عن السب والشتم والتشكيك ، على سبيل اثارة الغبار فى ساحة الحق ، للتشويش ، ولاخفاء الحقائق عن عيون الناس ، او لاقناع انفسهم بصدق ما هم عليه من ضلال وكذب وخداع ، ما يكون عليه سلوك الداعرات .واحمد الله ان مادتى العلمية التى اعتمدت عليها ؛ كلها مراجع صليبية كنسية معتمدة ، وكنت قادرا على تجميعها من مصادر اسلامية ، وكنت قادرا على اعادة صياغتها بقلمى وتقديمها باسمى ، الا اننى اثرت نقلها كما هى ، لتكون حجة على خصوم الاسلام ، وعلى اعداء المسلمين ، فان لم ترق لهم المعلومات والحقائق التى اوردتها هنا ، وارادوا تكذبيها ، او الحط من شانها ، فليفعلوا ، لان البضاعة بضاعتهم ، والباعة منهم ، وما انا الا وسيط بينهم وبين القارئ الكريم
ثلاثة رؤى لفهم الحقيقةولابدا سبر غور هذا التاريخ الذى يسبق مولد المسيح عليه السلام بثلاثة الاف سنة ، هم الذين حددوها كما لو كانت هى كل الحق الذى لا حق بعده ، وقالوا ان ( ماتنيون ) المؤرخ اليونانى الذى جاء مع الاحتلال الاغريقى لمصر قبل ثلاثمائة عام من رسالة المسيح عليه السلام ، هو الذى وضع اصول هذا التاريخ ، كما لو كانت امرا مقدسا ، لم يزد عليه واحد من بعده ، ولم يفكر فى ذلك واحد من قبله او من بعده حتى يومنا هذا ، ان يكتب شيئا عن تاريخ مصر قبل هذه الالاف الثلاثة ، وقد فعلت مثلهم والتزمت بما التزموا به .واجد نفسى قبل ان اتناول التاريخ الصدمة لحضارة الفراعنة فى مصر ، مدفوعا بقوة الى التزام المنهج العلمى ، بان انقل موجز لثلاثة رؤى حول هذا التاريخ الفرعونى ، من خلال المرجع الذى اخترته اساسا – الى جانب مراجع اخرى – لقراءة هذه المحطات الرئيسية فى حضارة الثلاثة الاف سنة .اما الرؤية الاولى : فهى مقدمة الدكتور محمود ماهر طه ، ليس بوصفه مسلم ، انما بوصفه مترجما لهذا المرجع .والرؤية الثانية : هى مقدمة المؤرخين الصليبيين باسكال فيرنوس ، وجان يويوت ، مؤلفى المرجع .والرؤية الثالثة : هى اطلاله المؤلفين باسكال ويويوت على تقسيم ( ماتنيون ) للتاريخ المصرى ، على شكل اسرات .اما المرجع الذى اخترته لبيان حقيقة التاريخ الكاذب للفراعنة فى مصر ؛ فهو كتاب ( موسوعة الفراعنة ) الذى اصدرته عام 1991 ، دار الفكر للدراسات والنشر فى القاهرة ، بالتعاون مع البعثة الفرنسية للابحاث والتعاون فى القاهرة ايضا .
الفرعون الالهرؤية د. محمود ماهر طه (1)على مر التاريخ قديما وحديثا ، فى جميع انحاء العالم ، لا يوجد لشعب له رنين العظمة والقوة والسمو وسحر الخيال مثل ( الفرعون ) (2) .لقد راى الشعب المصرى فى فرعونه الها فوق الارض ، تنحى له الهامات ، وتدق له القلوب احتراما وهلعا وحبا عند رؤيته ، واذا حدث ان سجل واحدا من اصحاب العزة والجاه على مقبرته ، انه حظى بتقبيل اقدام الفرعون بدلا من الارض امامه ، فمعنى هذا انه سجل شرفا عظيما يفاخر به .لقد كان الفرعون الها يعيش مع البشر ، وبصفته الها كان هو الدولة ، يخضع القانون لرضاه الالهى المقدس .* تلك هى خلاصة مقدمة المترجم ، الذى حدد فيها مكانة فرعون والفرعونية فى نفوس اجدادنا الاوائل ، وعلاقتهم بهذا الفرعون الاله ، وهذا هو مناط الرغبة المحمومة لدى اعداء الاسلام ، الرافضين الشرع الاسلامى الحنيف ، بحجة انه نزل لقوم الاسلام ليناسب حالهم قبل اربعة عشر قرنا من الزمان ، بينما يدعوننا هم لقواعد الوثنية الفرعونية التى قبل خمسين قرنا من الزمان .
--------------------------
(1) باسكال فيرنوس ، وجات يويوت. ترجمة د. محمود ماهر طه : موسوعة الفراعنة ، دار الفكر للدراسات والنشر بالتعاون مع البعثة الفرنسية للابحاث فى القاهرة ، القاهرة 1991 ، ص9(2) من اوهم بذلك فى كل انحاء الدنيا ، فى حين ان الواقع التاريخى
ليس كذلك على الحقيقة
===
تاريخ الوهم الحجرىرؤية باسكال وجان• وهى رؤية تشكل صدمة لكل ذى عقل ، يفضح فيها الكاتبان زيف تلك الاساطير والقصص
الوهمية ، الناشئة عن فساد الفهم ، وقلة الوعى ، والانقياد خلف العواطف والاهواء بلا روية ، اذ اكدا ان التاريخ الفرعونى مازال حتى يومنا هذا قيد البحث ، وان ما يُضْف على شخوصه ، لا يتجاوز المظاهر الكاذبة لاصنام صماء وقالا (1) فى عقلانية شديدة :ماذا نشاهد يا تُرى ، لو اننا قمنا – جدلا – بازاحة القناع الذهبى عن ( توت عنخ امون ) ؟وماذا ينتظرنا من اسرر وراء الجوانب القدسية والروحية ؟سوف لا نحس فى الحقيقة بجانب يذكر ، لانه وامثاله ، من الملوك الفراعنة ، كخوفو واخناتون ورمسيس الثانى ، ممن دخلت اسمائهم الثقافة العامة من اوسع ابوابها .. هم فى نظر المؤرخين مجرد شواهد صماء .فما ابعد الفرق بين : * الابهة والفخامة التى يضيفها الخيال عند ذكر اسمائهم .* وبين تلك المعلومات المتناثرة غير المتماسكة ، التى يطابقها عليهم عالم الاثار .ثم يستطرد الكاتبان قائلان : قد تصيبنا خيبة امل واضحة عند الاجابة على هذه التساؤلات ، ولكن يجب التغلب على هذه الخيبة ... لصروح الضخمة المشيدة من الاحجار ، كالمعابد واللوحات والاصنام ، ما هى فى الحقيقة الا اعمال تثير الدهشة ، وتحث على الاشادة بها ، والتحدث عنها باسهاب ، لقيمتها الجمالية ، اما عن وجهة النظر التاريخية ، فهى صماء ؛ بكماء ، خلاف ذلك ...اما عن التواريخ المدرجة لتقسيم الاسرار الفرعونية والاحداث والوقائع ، فهى مجرد تواريخ تقريبية تصلح فقط لتوضيح التدرج التاريخى النسبى ، دون ان ننسب لانفسنا الدقة المتناهية فى تحديد اللحظات التاريخية البارزة ، والاحداث المهمة فيها ، ذلك لان كل شىء فى هذا التاريخ لا يرقى ابدا لان يكون موثقا على وجه اليقين ، يعبث به فيه من يشاء ، ويقدسه من يشاء .
-----------------
(1) موسوعة الفراعنة ، مصدر سابق ، ص 13
تاريخ كاهن ، لا تاريخ امةاطلالة على تقسيم ماتينيونوهى اطلالة موجزة للغاية ، يعرضها المؤلفان ، لبيان ان تاريخ فراعنة مصر ؛ انما هو صناعة بشرية ، وتقسيم انسانى ، اجتهد فيه احد الكهنة ، لكنه ابدا ليس هو الحق ، وليس هو الحقيقة ، انما هو قريب منه ، او حاول ان يكون قريبا منه .فيقول المؤلفان تحت عنوان (الاسرات) (1) : يحصر لنا (علم المصريات) ، كل الفراعنة فى هيئة اسرات ، تحمل الارقام من الاسرة الاولى ، الى الاسرة الثلاثين ، ورجع الفضل فى هذا التقسيم الى الكاهن المصرى ماتينيون ، الذى كتب تاريخ مصر (من وجهة نظره ، وبما يتفق مع اهدافه وغايته ومعتقداته) ، خلال حكم الملك (بطليموس الثانى) باللغة اليونانية (التى فرضها الاحتلال الاغريقى قهرا على ابناء مصر) ، ولم يصلنا من هذا العمل سوى بضعة اجزاء ..وليس من المؤكد (والكلام للمؤلفين) ان مفهوم (الاسرة) كان يعنى عند (ماتينيون) فكرة توارث الخلافة ، كما هو متعارف عليه اليوم ، لوجود فترات عديدة من الانقطاع وعدم التواصل ، فى تسلسل التاريخ السياسى المصرى ... ولا شك ان اطار ما نعرفه من اسر ، لا يمكن بالطبع(2) (هكذا نصا) الاعتماد عليه ، لتحديد فترات كافة التطورات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، التى ميزت العصور الفرعونية ... ولا ريب ان التواريخ المقدمة ، عندما تكون متعلقة باحداث سابقة لعام 700 ق.م لا تحدد سوى ترتيب المدى الزمنى المحتمل لكل اسرة من الاسرات ، ولا يجب ان نندهش اطلاقا من الفروق التى تظهر فى التاريخ المصى القديم (2)
----------------------------
(1) المصدر السابق ، ص 25(2) المصدر السابق ، ص 26(3) المصدر السابق ، ص 105
الفراعنة . نحن منهم وهم منا وفى ضوء هذه المفاهيم العامة ، التى اقر بها علماء التاريخ المصرى ، ان كل جهودهم تخضع للتقدير والتخمين ، كما تخضع ايضا فى كثير من وقائعها الى الاحتمالات ، وامكانية تركيب حدث فى مناسبة تاريخية مع احداث اخرى ، يغلب الظن تطابقها معه ، وهكذا .وفى ضوء هذه الصورة الضبابية لما اصطلح عليه بـ (التاريخ الفرعونى لمصر) ، نبدا فى استعراض هذا التاريخ ، ابتداء من اسرته الاولى حتى اسرته الواحدة والثلاثين ، لنعلم الاجابة على الاسئلة التى بدانا بها حول حقيقة مكونات هذا التاريخ ومساحة الفرعنة فيها ، وعما اذا كان الفراعنة كلهم اصحاب حضارات ام اسطورة كاذبة لا حقيقة لها ؟ ، ولنكشف النقاب عن الحقيقة البشرية المحصنة لهؤلاء الاجداد الاولون ، وازلة الالتباس فى انهم قوم غير قومنا الان ، مؤكدين لاجيالنا المعاصرة ولابنائنا من بعدنا ، ان هؤلاء الاجداد الفراعنة كانوا مثلنا ، وكانوا كثيرا اقل شانا منا ، اذ كانوا ينتصرون وينهزمون ، ينجحون ويرسبون ، يصدقون ويكذبون ، يعدلون ويظلمون ، شجعان وجبناء ، اغنياء وفقراء ، يضحكون ويبكون ، يغيرون على البلاد الاخرى ويغار على بلادهم ، يتوحدون ويتفرقون ، لم تكن كل ايامهم انتصارات ، ولم يكن كلهم اصحاب حضارة وفنون ، كما لم يكونوا ايضا كلهم مصريون .اما المفاجاة المهمة للغاية ؛ ان واحدا من هؤلاء الاجداد المصريين القدماء العظام ، على مدى الثلاثة الاف سنة التى سبقت ولادة المسيح عليه السلام ، لم يقل عنه شعبه انه فرعون ، ولم يطلق واحد منهم على نفسه لقب فرعون ، ولم يخاطب واحد منهم الاخر باسم فرعون ، كما لم يكتب على قبر واحد منهم انه فرعون .اما الفرعون والفرعنة والفرعونية والتفرعن ، فكلها من نسج خيال المؤرخين ، ومن استخدام علماء المصريات والمؤلفين ، فخوفو ملك ، وخفرع ملك ، ومينا موحد القطرين ملك ، وتحتمس ملك ، واحمس ملك ، وامنحتب ملك ، وهكذا ، وليبحث كل من يخالف هذه الحقيقة ، وليثبت عكس ذلك ، ولا باس لقائل ان يقول ان الفرعون كان لقبا مثل القيصر عظيم الروم ومثل كسرى عظيم الفرس ، فالمهم عندى ان واحدا ممن حكموا مصر خلال الثلاثمائة الف عام لم يطلق عليه فى وثائق التاريخ ومخطوطاته ونقوشه لقب فرعون .اما عن فرعون موسى فانا لست ملزما على الاطلاق بتاريخ يعتمد على كتاب (العهد القديم) الذى يردد المسلمون خطا باسم (التوراة) ، فى حين ان اتباعه سموه (العهد القديم) ، ولم يعرفوه باسم (التوراة) ، وان كان الامر ذا بال ، وذا خطورة عند واحد من المسلمين ان ينشغل بالبحث عما اذا كان فرعون موسى واحدا من هؤلاء الملوك ام لا ؛ فهذا شانه ، اذ افهم ان قصة موسى فى كتاب الله هى للعبرة والموعظة وتثبيت الايمان ، بغض النظر عن الزمن الذى جاء فيه ، قبل الف او الفين او ثلاثة الاف من السنين .بل اضيف الى انكارى لوجود واحدا ممن حكموا مصر حمل لقب (فرعون) بحسب جميع مصادر المصريات المتخصصة – والعهدة على واضعيها – واقول انه حتى اسماء الالهة عند قدماء المصريين ، لم يكن من بينها على الاطلاق اسم فرعون ، ولم يات ذكر لواحد منها يحمل لقب فرعون ، اما الذين حكموا مصر خلال هذه القرون الثلاثين ، وعما اذا كانوا اصلا من المصريين ، ام من الغرباء الذين وصفهم اصحاب بيوت الدعارة الفكرية بالفرعونية ، واضفى عليهم كذبة التاريخ (روح الفرعونية) ، فهذا ما سوف تكشف عنه بجلاء ، القراءة التالية فى تاريخ مصر القديم .
التقسيم الاسرى لملوك مصر من الاسرة الاولى حتى الواحدة والثلاثينالاسرة الاولى : حكمت مصر لمدة 220 عاما ، (3000ق.م حتى 2780ق.م) ، منها 50 عاما الاولى مجهولة تماما ولا يعرف احد شيئا عن احداثها السياسية ، وان كنا نعرف ان انتقال العرش من حاكم لاخر ، كان يتم بعد العديد من المصادمات (1) ، كما كانت انشقاقات وحلات تمرد مستمرة(2).وفى هذه الاسرة عرفت نهضة ادارية عالية ، دون اى نهضة معمارية ، مع الاحتفاظ ببعض العادات القديمة ، مل قتل رفقاء الميت ان كان من كبار الشخصيات ، وذلك ليصاحبوه فى مقبرنه (3)الاسرة الثانية : حكمت مصر لمدة 145عاما ، (2780ق.م حتى 2635ق.م) ، بعد احداث عنف دموية شديدة واحداث سلب ونهب وتدمير لمقابر حكام الاسرة الاولى.وفيما عدا التحول والتغيير السياسى ، فان مصر فى هذه الحقبة الزمنية كانت تعد دولة راسخة التنظيم!! حول شخصية فرعون(4)الاسرة الثالثة : حكمت مصر لمدة 75 عاما ، 02653ق.م حتى 2560ق.م) ، وكانت تربطها مع الاسرة الثانية روابط عائلية ، وقد تبادل الحكم خلالها خمسة ملوك ، بدات معهم اسس ودعائم الحضارة المصرية التقليدية ، باستخدامهم للاحجار فى بناء المنشات ، لكن التاريخ لم يحمل لهم اى صورة من صور الحضارة المعمارية او الابداعية ، غير انهم استطاعوا استغلال موارد مناجم النحاس والفيروز فى سيناء استغلالا منظما ، مع وضع نظام دقيق لجباية الضرائب .الاسرة الرابعة : حكمت مصر لمدة 110 عاما (2561ق.م حتى 2450ق.م) ، وهى الاسرة الوحيدة والاولى فى التاريخ المصرى القديم ، التى اهتمت ببناء الاهرامات ، وفيها انشئت الاهرامات الثلاثة الكبرى ، وباسمها اشتهر تاريخ مصر كله بانه تاريخ الاسرار العلمية والفلكية والطبية ونسجت له عشرات الاساطيرالاسرة الخامسة : حكمت مصر لمدة 130عاما (2450ق.م حتى 2321ق.م) ، وقد انشغلت ببناء اهرامات اصغر مثل هرم سقارة، وفيها بدات علامات الوهن والضعف كما بدات تسقط القداسة التى اضيفت على تاريخ مصر كله عندما صوروه لنا انه كل لا يتجزا ، وانه كله كان بناة اهرامات مثل تلك التى كانت فى الاسرة الرابعة ، وهى خدعة لا اسا لها من الصحة بحسب المصادر العلمية الموثقة والمعتمدة التى تحت ايدينا.الاسرة السادسة : حكمت مصر لمدة 181 عاما (2321ق.م حتى 2140ق.م) اصبحت اهرامها من الطمى ، فلا هى فى ضخامة هرم خوفو الاسرة الرابعة ولا هى فى صغر هرم سقارة الاسرة الخامسة ، انما اصبحت اهراما من طين كمظهر من مظاهر التخلف التى الت اليه اسطورة الفراعنة كما كان حكام هذه الاسرة من اسر مختلفة ، وافقتدت الاله معها سلطانها ، وافتقد الحكم كله هيبته(5)الاسرة السابعة : حكمت لمدة 11 عام ، تتداخل فترتها بين الاسرتين السادسة (السابقة) والثامنة (التالية) ، بحسب الصادر المختلفة لتاريخ الاسر المصرية ، ومما تتميز به هذه الاسرة كعلامة بارزة من علامات حضارتها انها شملت سبعين حاكما ، حكم كل واحد منهم لمدة 70 يوما لشدة ما كان فيها من اضطرابات وفساد انهى عليها فى مهدها (6) وهى صورة جلية لواحدة من حقب الازمان المنسوبة الى الحضارة المصرية العريقة او التى انتسبت فيها الحضارة اليها .الاسرة الثامنة : حكمت مصر لمدة 10 اعوام فقط (2140ق.م حتى 2130ق.م) تصارع فيها على كرسى الحكم ستة حكام ، لتسقط كل الاساطير والاوهام التى صوروها لنا ان هؤلاء الفراعنة غير البشر الذين نعرفهم ، وان عقولهم من المعارف ما لم تدركه عقولنا وابصارنا واسماعنا وان لديمهم من الحكمة ما لم نظفر به ، فاذا بهم هنا ضعاف فاسدون متصارعون مهزومون(7)الاسرة التاسعة : حكمت مصر لمدة 40 عام (2130ق.م حتى 2090ق.م) كان كل حكامها طغاة ظالمين مستبدين مجهولى النسب والاصل لكنهم استطاعوا ادعاء السيادة على مصر كلها (8) [تلك هى العبارات التى وصفتها بها المصادر العلمية كلها، لا يختلف منها واحد] الاسرة العاشرة : حكمت مصر لمدة 68عام (2090ق.م حتى 2022ق.م) تولى السلطة خلالها 14 حاكما معظمهم مجهولون ، لكنهم حافظوا على التراث الخاص بسابقيهم(9) ، اى انهم حافظوا على ما ورثوه لكنهم ابدا مثل الاسر التى سبقتهم –فيما بعد اهرامات الطين- لم يضيفوا شيئا لا من العلم ولا من المعرفة ولا من الحضارة بحسب كبار المؤرخين لتاريخ مصر وحضارتها القديمة.الاسرة الحادية عشر : حكمت مصر لمدة 139عام (2130ق.م حتى 1991ق.م) وهناك تداخل جسيم فى تاريخها مع الاسرة التاسعة والعاشرة ، لكنها فى الغالب وبحسب الترتيب السابق تبدا تاريخيا من عام 2022ق.م حتى1991ق.م فيكون حكمها لمدة 31عاما فقط وقد حدث فيها انشقاق عظيم وصراع بين طيبة واهناسيا ، وكان فيها ستة حكام مشاهير ، منهم منتوحتب الاول والثانى والثالث والرابع(10)الاسرة الثانية عشر : حكمت مصر لمدة 207 عام من (1991ق.م حتى 1784ق.م) واتسطاعت لاول مرة فى تاريخ الاسرات المصرية منذ اسرة الرابعة –اسرة الاهرامات الثلاثة – ان تعيد الاستقرار لمصر وتتوقف الحروب وتشهد مصر نهضة ادارية ضخمة وتنظيم ادارة الدولة والجيش وزيادة الانتاج ، وعمل نظام طبقى للموظفين ، وكان يمكن لها ان تستمر على هذه الوتيرة من النهضة والاستقرار ، غير انها سقطت من عليائها عندما اصبح الحكم فجاة فى يد امراة هى سيكمو فريس ابنة امنمحات الثالث وزوجة امنمحات الرابع(11) بحسب تعبيرات المصادر العلمية .الاسرة الثالثة عشر : حكمت مصر لمدة 150 عام من (1784ق.م حتى 1630ق.م) تعاقب فيها على الحكم ستين حاكما بمعدل عامين ونصف العام لكل حاكم ، ثم سقطت كل نظم الدولة والحكم (12) واصابت الجيش كل اسباب التدهور وعم الفساد البلاد ، وكانت مقاتل كثيرة لم تشهد مصر لها مثيلا من قبل مما لا يليق بمفهوم الحضارة ولا يليق انتسابه لمصر ، غير ان ذلك رضينا ام ابينا هو تاريخ مصر ، انما نقراه بموضوعية وصدق متطهرين من ارجاس الكذب والدجل التى صورت لنا الفراعين انهم الى الالهة اقرب من الملائكة او انهم فى صورة ادنى ، كانوا الى الملائكة اقرب من بنى ادم ، فاذا بهم اخلاط من بنى ادم جمعت الغث والسمين فى ارض واحدة.الاسرة الرابعة عشر : حكمت مصر لمدة 100 عام (1750ق.م حتى 1650ق.م) تهيات خلالها البلاد بدرجة كبيرة للسقوط والانهيار التام ، اذ تعاقب خلالها على كرسى الحكم 76 حاكما فكان يسيرا ان يطمع فيها كل طامع ممن لم يفتنوا بعناوين الحضارة القديمة ولا اساطير الفراعنة ، فجاء الهكسوس من بلاد الشام اعلى جزيرة العرب ليوقفوا هذه المهزلة التى بدات مع سقوط الاسرة الثانية عشر من عليائها على يد الفرعونة سيميو فريس (13) التى تسلطت على شعب مصر ، فسلط الله عليها هؤلاء الجبابرة
-----------------
(1) موسوعة الفارعنة ، مصدر سابق ، ص195(2) موسوعة الفراعنة ، مصدر سابق ، ص 96(3) موسوعة الفراعنة ، مصدر سابق ، ص170(4) موسوعة الفراعنة ، مصدر سابق ، ص196(5) ص30(6) ص32(7) ص32(8) ص33(9)
ص34(10) ص36(11) ص38(12) المرجع السابق ص41
====
الاسرات من الخامسة عشر حتى السابعة عشر : دولة الهكسوس حكمت مصر لمدة 110 عام (1650ق.م حتى 1539ق.م)
،
كان الحكام جميعا من الهكسوس الاتين من بلاد الشام الفينقية القديمة ، لكنهم اتخذوا من اسماء الهة المصريين القابا لهم وانسابا(1) ، واتخذوا من الفرعونيات (الاناث) اصهارا ، ولا ندرى كيف يضعهم علماء المصريات بين حكام مصر –وهم الغرباء القادمين من اسيا- وبالغوا فى ذلك الخطا ، فجعلوهم ممن اطلق عليهم لقب الفراعنة حتى نهاية الاسرة السادسة عشر عندما شهدت مصر فترة من اسوا مراحلها التاريخية ، استطاع خلالها بعض المصريين ان يظفروا بحكم بعض المدن ، فلم يتنافسوا فى تحرير بلادهم او النهوض بها من كبوتها ، انما تنافسوا فى اعمال كل انواع الفساد والنهب والقتل فى اهل مصر ، فكانوا عارا على تاريخ مصر كله ، واساءة الى مصطلح الحضارة المصرية القديمة ، باستثناء ما عرف منهم باسم الاسرة الطيبية ، التى جاءت فى اخر ايام الاسرة السابعة عشر .الاسرة الثامنة عشر : تبدا هذه الاسرة بما يعرف فى مصطلحات المؤرخين باسم الدولة الحديثة ، وهذه الاسرة هى التى حرر فيها احمس مصر من الهكسوس عام 1539 واستمر حكمها لمدة 250 عاما (1540ق.م حتى 1290ق.م) وحكم فيها عدد كبير من الملوك الذين اشتهرت اسمائهم مثل : حتشبسوت وتحتمس وامنحوتب ، الا ان هذه الاسرة اشتهرت ايضا بكثرة الانقلابان والمؤامرات والصراع على الحكم ، ولكن ليس على حال الاسر السابقة ، اذ تعاقب عليها حوالى خمسة عشر حاكما ، كان اخرهم ذلك الملك الذى اشتهر باسم حور محب .الاسرة التاسعة عشر : حكمت مصر لمدة 100عام (1293ق.م حتى 1190ق.م) وهى الاسرة التى اشتهرت ببناء الاصنام الضخمة وتخليد التثليث فى العبادة ، وكان فيها علو حضارة المقابر وتخليد الجثث بتحنيطها ، وكان فيها رمسيس الاول ورمسيس الثانى ، وكان فيها عصر العمارنة التى سقطت الاسرة على ايديهم ، حيث ضاعت هيبة الالهة حتى اصبحت فى مقام البشر ، وافلست المعابد وكانت معها نهاية الملوك والمنتسبون لمصر على الحقيقة (2)الاسرة العشرون : حكمت مصر لمدة 120 عام (1190ق.م حتى 1069ق.م) هنئت فيها الدولة بالاستقرار خلال الثلاثين عاما الاولى ، ثم بدات الاضطرابات والهجوم الليبى على مصر ، وتقلص سلطان الدولة على سوريا وفلسطين وبلاد كنعان ، كما تحررت السودان من سلطان مصر ، وعم الفساد وانتشر السلب والنهب للمقابر وللالهة ، وتوغل ملك النوبة فى البلاد وتجدد هجوم البربر الاتين من اوربا ، حتى انتهى الحكم تماما –مع نهاية هذه الاسرة- الى سلطة الحكام الليبين الذين كانوا يسيرون على طريق التحضر والتمصر ، وانتهت بهذه الاسرة ما اطلق عليه مصطلح الدولة الحديثة(3) ومن عجب انه من الحكام المصريين الذين تناوبوا على مصر خلال هذه الاسرة كان تسعة ملوك متتابعين منهم ، يحملون اسماء رمسيس ، ابتداء من رمسيس الثالث الى رمسيس الحادى عشر ، وينتسبون جميعا للاله المصر (رع) .الاسرة الحادية والعشرون : حكمت هذه الاسرة مصر لمدة 120 عام (1069ق.م حتى 950ق.م) يبدا بها ما يعرف باسم العصر المتاخر ، واذا كان القصد العلمى للتسمية هو التاخر الزمنى ، الا انه ايضا كان عصر تاخر وتخلف على المستوى الحضارى اجمالا ، وعلى المستوى التاريخى على وجه التخصيص ، اذ اشتد الصراع فى طول البلاد وعرضها –بعد اشنقاق مصر الى قطرين- بين الكهنة وبقايا الملوك المنتسبين لمصر من ناحية وبين الغزاة الليبيين من ناحية اخرى ، خلال كل سنوات هذه الاسرة .الاسرتين الثانية والعشرون والثالثة والعشرون : (الليبية) كان جميع ملوك هاتين الاسرتين من الليبيين ويزعم التاريخ المصرى زورا وبهتانا انهم من اسر الفراعنة الثلاثين على مدى قرنين وربع القرن من الزمان (220عام) منذ عام 950ق.م حتى عام 730ق.م شهدت خلالها مصر عشرات المعاهدات والحروب مع الاغريق والاثيوبيين والاشوريين ، وانتهت بسيرطة الاثيوبيين لمدة 30 عاما ، (750ق.م حتى عام 720ق.م) قبل ان تتصدى لهم الاسرة الصاوية(4)الاسرة الرابعة والعشرون : (الاثيوبية) حكمت مصر لمدة 15 عام (730ق.م حتى 715ق.م) بالتداخل مع الاسرتين السابقة واللاحقة.الاسرة الخامسة والعشرون : (الصاوية) وهى الاسرة الصاوية التى حكمت مصر لمدة 40 عام تقريبا (750ق.م حتى 716ق.م) متداخلة مع الاسرتين السابقتين ، حتى استطاعت ان تحرر البلاد من بقايا الليبيين ومن الاثيوبيين ، لكنها لم تستطع ان تمسك بزمام الدولة واطرافها فكانت صيدا سهلا للغازين(5)الاسرة السادسة والعشرون : (الاثيوبية) حكمت مصر للمرة الثانية لمدة 60 عام (716ق.م حتى 656ق.م) ويمكن القول ان دولة اثيوبيا سيطرت فيها على مقاليد مصر وعلى الارض ، من شاطئ البحر المتوسط حتى اثيوبيا ، لا ينافسها عليها منافس وكان ملوكها هم المعروفون بفراعنة الاسرة السادسة والعشرون(6) ، وهى فى الحقيقة غير مصريين لكنهم احبوا مصر كثيرا وارتبطوا بها وجدانيا وحاولوا ان يصنعوا فيها نهضة كبيرة وحققوا منها الشىء الكثير ، فحق لمصر ان تسعد بايام حكمهم ، لكنهم ابدا لم يكن لهم الحق ان ينتسبوا الى المصريين ويحملوا لقبا الفراعنة الكاذب فى تاريخ مصر القديم ، وقد شاء الله لهم الا يستمروا فى الفرعنة الرقيقة التى حكموا بها مصر ، وعادت دولة (الصواية) مرة اخرى لتطرد دولة اثيوبيا ، ونجح بسماتيك الاول –الذى يبدو انه من اصول ليبية- ان يحرر مصرويهزم كل اعدائها ويسيطر على البلاد ، ويعيد لمصر هيبتها حتى عام 525ق.م ولمدة 125 عاما ، لكنت الفرس عاودوا هجومهم لما بدا التحلل يصيب البلاد(7) وبذلك تكون مصر خلال هذه الحقبة الزمنية التى حملت تقسيم الاسرة السادسة والعشرون من الاسر التى حملت خطا لقب الفرعونية قد ضمت فى زمانها حكاما اثيوبيين ثم حكاما ليبيين ثم حكاما من الفرس ، وجميعهم فى تقسيم ماتينيون الكاهن الاغريقى من الحكام الفراعنة لمصر ، ولان علماء التاريخ ارتضوا ذلك التقسيم الضال ، فما كان عليهم الا ان يرضوا به بل ويؤمنوا به كما لو كان عقيدة من السماء (واستغفر الله من ذلك) وذلك هو الفساد التاريخى والحضارى الذى لا يليق ان نقبله ووجب علينا التحرر من هيمنته وسلطانه .الاسرة السابعة والعشرون : (فارسية) حكمت مصر لمدة 120عام (525ق.م حتى 404ق.م) عندما هجم قمبيز على راس جيش الفرس وامتلك بسهولة مقاليد حكم مصر داحرا للصاوية الذى يرجع سبب هزيمتهم الى انفتاحهم الشديد على البلاد الاخرى وسماحهم بدخول الالاف من المهاجرين الاجانب الذى استوطنوا مصر من الاغريق اليونان والمكاريين والاثيوبيين والفينقيين الشوام واليهود والليبيين والنوبيين ، فنشط هؤلاء جميعا واصبح لهم مكانتهم الاجتماعية والاقتصادية ، فكانوا بعد ذلك عونا للغزاة وهم محسوبين انهم من اهلا لبلاد بعد ما ذابوا فيها وتزوجوا وانجبوا واصبحوا من ابناء مصر(8) حتى يومنا هذا هم فينا ونحن فيهم ، اختلطت بهم فى مصر الدماء والاعراق والاعراض واصبحوا جميعا على مر الزمان مصريون .الاسرة الثامنة والعشرون (الصاوية) حكمت مصر لمدة 6 اعوام فقط(404ق.م حتى 398ق.م) وفيها يستعيد الصاويين مُلك البلاد على يد حاكم واحد هو الذى تنسب به الاسرة ويدعى (امير تايوس) الذى قهر الفرس ، ولم تدم فترة حكمه اكثر من 6 سنوات حيث جاء (نفريتس الاول) عام 398ق.م ليحرر البلاد ويعيد الحكم الى واحد من ابناء مصر لكن ذلك لم يدم لعدة اشهر(9)الاسرة التاسعة والعشرون : (المندسية) حكمت مصر لمدة 6 اعوام (398ق.م حتى 392ق.م) عندما خطف حاكم مدينة (مندس) الحكم من نفريتس الاول ومدينة مندس هى التى تسمى باسم (الكبش مندس) المقدس عندهم واظنها هى مدينة (اتميدة) التابعة (لميت غمر) حاليا فى وسط مصر ، وظلت هذه الاسرة فى صراع دام مع ملوك من مدن عديدة فى منطقة الدلتا ، انتهت عند ملك منطقة (سمنود) قرى مدينة (المنصورة) عام 378ق.م ، لكنه سقط سريعا كما سقط الحاكم الذى اتى بعده لاستعانتهما فى جيشيهما بمئات من جنود مرتزقة من بلاد قبرص واليونان ، فخانوهما (10)الاسرة الثلاثون (1) : (السمنودية) حكمت مصر لمدة 37 عام (378ق.م حتى 341ق.م) وقد استطاع فيها حاكم سمنود ان يقتنص حكم مصر ثانية باعتباره مصريا ، نسب نفسه الى الهتها الاقديمن ، فنال بركة الكهنة والمعابد والشعب ، لتبدا معه الاسرة الثلاثون ، كواحد من المصريين الاصلاء فى العرق والدم والدين ، ومن بعده ثلاثة ملوك اخرين استطاعوا بالرغم مما كان يجتاح البلاط الملكى من ازمات ان يملاوا اركان البلاد بالانشاءات الحجرية وان يحققوا استقلالا رائعا لمصر التى كانت تواجه حينئذ وبمفردها الامبراطورية الفارسية العظمى .ومن ناحية الاساليب العسكرية فقد كان الدفاع الوطنى يدعمه جنود مرتزقة كان يجلبهم بعض قادة المرتزقة من اماكن متعددة ، منهم على سبيل المثال (اجسيلاس) الاسبرطى الجبار (من اسبرطة) و(خبرياس) الاثينى (من اثينا) ومن الناحية الدينية فان مصير الامة المصرية افلت من بين ايديها ، بينما كان كبار الكهنة –بتفكيرهم الخيالى- يسهرون لاداء الصلاة والتراتيل لاجل سلامتها وقام (نختانبو) الاول والثانى بدورهما المقدس خير قيام ، وهو دور الملوك المؤلهة ، فعملا بدقة على العناية بالالهة التى كانوا يعبدونها وبمقبرة الحيوانات المقدسة عندهم ، كما قاما بوضع برامج واسعة النطاق للتطوير المعمارى داخل المعابد مثل تشييد الاسوار والصروح وطرق الكباش والنواويس والاعمدة الحجرية ذات القطعة الواححدة (المسلات) (11) التى كانت ترمز ضلالا ووثنية الى الالهة الذكور التى كانوا يعبدها اجدادنا الاولون.الاسرة الثلاثون (2) : (الفرس) وبحسب تقسيمات علماء التاريخ المصرى كانت نهاية هذه الاسرة الثلاثون بسقوط مصر فى براثن الاحتلال الفارسى للمرة الثانية ولمدة عشر سنوات (341ق.م حتى 330ق.م) تناوب خلالها على حكم مصر ثلاثة من ملوكهم الوثنيين .الاسرة الواحدة والثلاثون : وبعد ثمانية سنوات –كان لم يكن للبلاد حاكم ولا صاحب- جاء الاسكندر المقدونى (من مقدونيا) قائدا لجيوش اليونان الاغريقية عام 331ق.م واحتل مصر كاملة دون اى مقاومة على الاطلاق وكان مصر لا شعب فيها ولا صاحب لها ، فلا جيش ولا شعب ولا تاريخ ولا حضارى ، وبذكاء بارع من هذا الغازى نهج نفس ما كان عليه حاكم سمنود فاعلن الاسكندر الاكبر نفسا (ابنا مختارا للالهة امون) اكبر الالهة الوثنية فى تاريخ مصر ، وبهذا الاعلان اصبح واحدا من تاريخ الفراعنة واصبح مصريا بسلطانه وبتاييد الشعب له ، اذ لم يكن هناك شعبا على الحقيقة ، الا انه اصبح واحدا ممن يفتخر بهم العلمانيون فى بلادنا اليوم باعتباره بطلا من ابطال التاريخ المصرى العريق .ولقد كان حكم الاسكندر بشكل عام ، امتدادا للحكم الفارسى فى الداخل فقد عمل عذا القائد المقدونى الفذ على تثبيت الحكام العسكريين والكتائب الحربية ، وترك مهمة الاعمال المدنية للمقاطعات المصرية ، تحت اشراف احد اليونانيين فى مصر ، ويدعى كليمون النقراطيسى .ثم رحل الاسكندر ليغزوا الشرق العربى حيث توفى فى بابل العراق عام 323ق.م كبطل اغريقى وايضا ورع وتقى حسب المفهوم الكهنوتى ، فهو (محبوب رع) و(ابن امون) ، واصبح بعد ذلك الابن البشرى لهذا الاله وطبقا لاسطورة دينية ملكية نال الاسكندر من رعاياه المصريين الخصائص والاوصاف الجوهرية للفراعنمة ، وحفظت خراطيشة (اختامه الحجرية المنقوشة) فى قدس الاقداس بمعبد الاقصر الذى تم ترميمه فى عهده ، ويبدو ان قدس الاقداس الاخير فى الكرنك قد شيد باسم ابنه فيليب اريدى (323-317ق.م) ولقد نقل جثمان الاسكنددر الاكبر فيما بعد ، من بابل العراق الى منف المصرية ثم دفن فى الاسكندرية تحت رعايوة بطليموس الاول ، احد القادة فى جيوش الغازى المحتل لمصر ومؤسس الاسرة السكندرية الاغريقية الاصل والتاريخ والدين (12)
-----------------
(1) المصدر السابق ص(41)(2) ص(43)(3) ص (44)(4) صفحات 46 ، 79 ، 179 ، 191(5) ص 180(6) ص180(7) ص 180(8) ص 201(9) كتاب موسوعة الفراعنة لكل من : باسكال فيرنوس وجان يويوت – ترجمة د. محمود
طاهر طه ص180(10) المرجع السابق ص 249(11) المرجع السابق ص176(12) ص 47-
48
واُسدل ستار المسرحيةذلك هو تاريخ الفراعنة فى مصر ، لم يكن فيه للحكام المنتسبين لمصر من الواحد والثلاثون اسرة من عام
2561ق.م حتى عام 317ق.م ، لمدة 2245عام ، اكثر من :الفترة من 2561ق.م حتى 1661ق./ لمدة 900 عام قبل ان يستتب الامر للهكسوس ثم 100 عام هى سنوات الاسرة التاسعة عشرثم 30 عام من الاسرة العشرونوافتراضا 40 عام اخرى هى فترة الاسرة الثلاثون المعروفة علميا بالاسرة السمنودية ، فيكون يكون مجموع سنوات الحكام المصريين 1070 عاما وهذه الفترة للحكام المصريين 1070عاما ، لم تقم فيها قائمة الا من خلال اسر ثلاثة ، هى :الرابعة لمدة 100 عاموالثانية عشر لمدة 207 عاماوالتاسعة عشر لمدة 100 عامويكون مجموعها لا يتجاوز 410 عاما تلك هى خلاصة تاريخ اجدادنا الفراعنة المصريين ومن له علم غير ذلك فليخبرنا ، دون الرجوع للمزايدة والكلام الفارغ والحسرة على حقيقة الصدمة ، اذ لم يكن لنا باع ولا ناقة ولا جمل فى هذا التاريخ كله ، غير اختصاره واختزال احداثه ، دون اخلال بحقيقة وقائعه ، ولم نخرج على الاطلاق عن السياق العام الذى تناقلته عشرات المصادر العلمية من قبلنا ، فلم نكن بدعا فى ذلك ، لكننا فقط كنا اوضح واصدق بان اعطينا للواقائع صفاتها وسمينا الاحداث باسمائها ، دون تدليس او تزييف او تزيين ، فهنيئها لمن اراد بعد ذلك ان يتفرعن ، وبراءة لنا من كل هذا الاسفاف الذى حمل خطا اسم (التاريخ الفرعونى لمصر القديمة) والحمد لله كثيرا على نعمة العقل ، والحمد لله الذى انعم علينا بنعمة الاسلام وكفى بها نعمةواخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين وصلاة وسلاما على خاتم الانبياء وخير المرسلين ، سيد الاولين والاخرين ، صلى الله عليه وعلى اله وصحبه ومن اتبع هداه الى يوم الدين
تم الانتهاء من نسخ الكتاب بحمد الله
مؤلفات الشيخ أبو إسلام أحمد عبدالله

Friday, September 14, 2007

كذبة دفن قيدار في ايران

كذبة دفن قيدار في ايران
فهي مثل كذبة ضريح ابولؤلؤة المجوسي في كاشان حيث اقاموا ضريح لأبولؤلؤة المجوسيوكذلك كذبة ضريح سيدنا علي الذي يحج اليه الشيعة
قيدار أحد أبناء سيدنا اسماعيل
عليه السلام وهو ليس نبي كان يسكن بادية الشام

البشارة بالنبي محمد في التوراة و الإنجيل و مبشّرا برسول يأتى من بعدى إسمه أحمد

البشارة بالنبي محمد في التوراة و الإنجيل و مبشّرا برسول يأتى من بعدى إسمه أحمد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نود هنا أن نذكر البشائر التي بشرت بها التوراة وكذلك الإنجيل بنبوة نبينا محمد - عليه السلام -
رغم التحريف الطارئ عليها , فالتوراة التي بين أيدي الناس اليوم محرفة مغيرة يدلك على ذلك هذا الاختلاف الذي تجده في أمور كثيرة بين نسخها وطبعاتها , فهناك ثلاث نسخ للتوراة : العبرانية , واليونانية , والسامرية , وكل قوم يدعون أن نسختهم هي الصحيحة , وهناك فروق واضحة بين طبعات التوراة وترجماتها. وقد أدى هذا التحريف إلى ذهاب كثير من البشارات أو طمس معالمها, ومع ذلك فقد بقي من هذه البشارات شيء كثير , ولا تخفى هذه البشارات على من يتأملها , ويعرضها على سيرة رسول الله - عليه السلام - متجردا من الهوى . لقد صرح بعض هذه البشارات باسم محمد - عليه السلام - وقد اطلع بعض العلماء المسلمين على هذه النصوص , ولكن التحريف المستمر لهذا الكتاب أتى على هذه النصوص , فمن ذلك ما ورد في سفر أشعيا : ( إني جعلت أمرك محمدا , يا محمد يا قدوس الرب , اسمك موجود من الأبد ) , وقوله إن اسم محمد موجود من الأبد موافق لقول الرسول - عليه السلام - : ( كنت نبيا وإن آدم لمنجدل في طينته ) . وفي التوراة العبرانية في الإصحاح الثالث من سفر حبقوق : ( وامتلأت الأرض من تحميد أحمد , ملك بيمينه رقاب الأمم ) . وفي النسخة المطبوعة في لندن قديما سنة 1848 , والأخرى المطبوعة في بيروت سنة 1884 , والنسخ القديمة تجد في سفر حبقوق النص في غاية الصراحة والوضوح : ( لقد أضاءت السماء من بهاء محمد , وامتلأت الأرض من حمده , ... زجرك في الأنهار , واحتدام صوتك في البحار , يا محمد أدن , لقد رأتك الجبال فارتاعت ). ونلتقي إن شاء الله مع سلسلة أخرى من هذه البشائر , وأذكر مراجعي في سرد هذا الموضوع : 1- الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح لابن تيمية , 2- الرسل والرسالات للدكتور عمر الأشقر , 3- نسخة من التوراة والإنجيل المحرفة باللغة العربية واللغة الألمانية . في بعض الأحيان يذكر مكان مبعث النبي - عليه السلام - , ففي سفر التثنية الإصحاح الثالث والثلاثون : ( أقبل الرب من سيناء , وأشرق لهم من سعير , وتجلى من جبل فاران ) , وسيناء هي الموضع الذي كلم الله فيه موسى , وساعير الموضع الذي أوحى الله فيه لعيسى , وفاران هي جبال مكة , حيث أوحى الله لمحمد - عليه السلام - , وكون جبال فاران هي مكة , دلت عليه نصوص من التوراة . وقد جمع الله هذه الأماكن المقدسة في قوله : ( والتين والزيتون وطور سينين , وهذا البلد الأمين ) وذكرت التوراة مكان الوحي إليه ففي سفر أشعيا الإصحاح الواحد والعشرون : وحي من جهة بلاد العرب في الوعر ) . وقد كان بدء الوحي في بلاد العرب في الوعر في غار حراء وفي هذا الموضع من التوراة حديث عن هجرة الرسول - عليه السلام - وإشارة إلى الجهة التي هاجر إليها : ( هاتوا ماء لملاقاة العطشان يا سكان أرض تيماء , وافوا الهارب بخبزة , فإنهم من أمام السيوف قد هربوا , من أمام السيف المسلول , ومن أمام القوس المشدودة , ومن أمام شدة الحرب ) , وتيماء من أعمال المدينة المنورة , وإذا نظرت في النص ظهر لك بوضوح أنه يتحدث عن هجرة الرسول عليه السلام وتكملة النص السابق يقول : ( فإنه هكذا قال لي السيد في مدة سنة كسنة الأجير يفنى كل مجد قيدار , وبقية قسي أبطال بني قيدار تقل , لأن الرب إله إسرائيل قد تكلم ) , وهذا النص يتحدث عن معركة بدر , فإنه بعد سنة كسنة الأجير من الهجرة كانت وقعة بدر , وفني مجد قيدار , وقيدار من أولاد إسماعيل , وأبناؤه أهل مكة , وقد قلت قسي أبناء قيدار بعد غزوة بدر وأشارت بعض نصوص التوراة إلى مكان هجرة الرسول - عليه السلام - , ففي سفر أشعيا الإصحاح الثاني والأربعون : ( لترفع البرية ومدنها صوتها , الديار التي سكنها قيدار , لتترنم سكان سالع من رؤوس الجبال ليهتفوا ليعطوا الرب مجدا ... ـ ) , وقيدار أحد أبناء إسماعيل كما جاء في سفر التكوين الإصحاح الخامس والعشرون العدد الثالث عشر . وسالع جبل سلع في المدينة المنورة . والترنم والهتاف ذلك الأذان الذي كان ولا يزال يشق أجواء الفضاء كل يوم خمس مرات , وذلك التحميد والتكبير في الأعياد وفي أطراف النهار وآناء الليل كانت تهتف به الأفواه الطاهرة من أهل المدينة الطيبة الرابضة بجانب سلع . إلى هنا نكتفي بهذا القدر من هذه الحلقة , على أمل اللقاء بكم في حلقة أخرى إن شاء الله من سلسلة البشائر بنبوة محمد من كتاب اليهود والنصارى المحرف اليوم , وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد , والحمد لله رب العالمين. البشارة بالنبي محمد في التوراة و الإنجيل (و مبشّرا برسول يأتى من بعدى إسمه أحمد) الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله 1- سفر التكوين الإصحاح 17 : 20 مباركة إسماعيل عليه السلامسفر التكوين الإصحاح 21 : 13 "ابن الجارية" إسماعيل عليه السلام "سأجعله أمة" أمة الإسلاممحمد صلى الله عليه وسلم هو النبي الوحيد من نسل إسماعيل عليه السلام2- سفر التكوين الإصحاح 49 : 10"شيلون" كلمة عبرية الأصل تعني "المرسل"وباليونانية تعني "الذي له الكل"وبالسريانية تعني " الذي هو له "وباللاتينية تعني " الذي سيرسل "من الواضح أنها تدل على شخص وليس المكان الذي في سفر ارمياء الإصحاح 7 : 12ومواقع أخرىلا تنطبق على موسى u فقد كان أول من نظم أسباط بني إسرائيل الاثني عشر ولم يظهر قبله أي نبي أو ملك من سبط يهوذاولا تنطبق على داود عليه السلام فقد كان أول ملك نبي ينحدر من سبط يهوذا ولا تنطبق على المسيح عليه السلام لأنه نفسه رفض الفكرة القائلة بأن المسيح عليه السلام الذي كانت تنتظره بنو إسرائيل كان أحد أبناء داود عليه السلام كما في :-إنجيل متى الإصحاح 22 : 42-45وفي إنجيل لوقا الإصحاح 20 : 41-44كما أن المسيح عليه السلام لم يترك قانوناً مكتوباً ولم يكن ملكاًلقد انقرض سبط يهوذا منذ مئات السنين فأين شيلون إذن ؟3- سفر التثنية الإصحاح 18 : 15وجاء مثلها أيضاً في أعمال الرسل الإصحاح 3 : 22وفي أعمال الرسل الإصحاح 7 : 37"من وسطك" يهود المدينة المنورة حيث أسس محمد صلى الله عليه وسلم أول دولة إسلامية"إخوتك" العرب فهم أبناء إسماعيل عليه السلام أخ إسحق عليه السلام كما في سفر التكوين الإصحاح 16 : 12لو كان المقصود من بني إسرائيل لقال "منكم""مثلي" تنطبق على محمد صلى الله عليه وسلم لأن كلاً من موسى ومحمد عليهما الصلاة السلام :--له أب وأم وليس لعيسى عليه السلام أب-ولادتهما طبيعية أي بوجود زوج وزوجة بينما ولد عيسى عليه السلام بكلمة من الله سبحانه وتعالى-تزوجا وأنجبا بينما عيسى عليه السلام لم يتزوج أو ينجب-كلاهما نبي وحاكم أما المسيح عليه السلام فلم يأت بشريعة جديدة ولم يحكم قومه-كلاهما مات ميتة طبيعية ودُفنا في الأرض بينما رفع عيسى عليه السلام-على النصارى أن يضيفوا إلى ذلك زعمهم ألوهية المسيح عليه السلام (أستغفر الله العظيم)ولا تنطبق على يوشع كما يدعي أهل الكتاب لأنه عاش زمن موسىولا تنطبق على عيسى عليه السلام رغم زعم كتاب الإنجيل أنه قال ذلك في يوحنا 5 : 46 فقد جاء في سفر التثنية الإصحاح 34 : 10 "لم يقم بعد نبي في إسرائيل مثل موسى"4- سفر التثنية الإصحاح 18 : 18-22"مثلك" لا تنطبق على عيسى عليه السلام فهو ليس كموسى كما سبق ذكره"إخوتهم" العرب كما سبق ذكره"أجعل كلامي في فمه" القرآن الكريم كلام الله سبحانه وتعالى"بكل ما أوصيه به" الشريعة الإسلامية"ويكون أن الإنسان الذي لا يسمع لكلامي الذي يتكلم به باسمي أنا أطالبه" وجوب إتباع محمد صلى الله عليه وسلم وعقاب من لا يفعل ذلك"يتكلم به باسمي" تبدأ كل سورة في القرآن الكريم باسم الله الرحمن الرحيم"فما تكلم به النبي باسم الرب ولم يحدث ولم يصر فهو الكلام الذي لم يتكلم به الرب بل بطغيان تكلم به النبي فلا تخف منه" لقد أثبتت الاكتشافات العلمية العديد من المعجزات في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة كما تحققت معظم نبوآت محمد صلى الله عليه وسلم وسيتحقق باقيها مع مرور الزمن إن شاء الله تعالىرفض اليهود الاعتراف بالمسيح وبمحمد عليهما الصلاة والسلام وبذلك لم يتحقق وعد الله سبحانه وتعالى بزعمهم وما زالوا ينتظرون5- سفر التثنية الإصحاح 32 : 21وجاء مثلها أيضاً في رومية 10 : 19"بما ليس شعباً " كان العرب قبل الإسلام قبائل متفرقة"أمة غبية" العرب في الجاهلية وليس اليونانيين فقد كانوا ذوي علوم وفنون كما ثبت في كتب التاريخ6- سفر التثنية الإصحاح 33 : 2-3"الرب" تعني كلمة الله سبحانه وتعالى أو أمرهأحياناً يقول الله سبحانه وتعالى أنا أفعل مع أنه أناب بشراً للقيام بالعمل كما في التثنية 32 : 41-42"سيناء" صحراء في مصر وهي مكان تلقي موسى عليه السلام للتوراة"ساعير" جبال في فلسطين حيث تلقى عيسى عليه السلام الإنجيل"فاران" مكة المكرمة حيث سكن إسماعيل عليه السلام وأمه كما في سفر التكوين الإصحاح 21 : 21 ولم يكن لبني إسرائيل أية علاقة بها وهي مكان تلقي محمد صلى الله عليه وسلم أجزاء من القرآن الكريم"نار شريعة" الإسلام وهو الوحيد في الجزيرة العربية"القديس" تعني المؤمن كما في رسالة بولس إلى أهل فيليبي الإصحاح 1 : 1"أقوالك" القرآن الكريم7- المزمور 84 : 4-6"بيتك" المسجد الحرام" وادي البكاء " إن بكة اسم آخر لمكة المكرمة كما ورد في القرآن الكريم"يصيرونه ينبوعا" بئر زمزم8- نشيد الإنشاد الإصحاح 5 : 10-16"معلم بين ربوة" كان على ظهر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم علامة ختم النبوة"مشتهيات" المعنى العبري الأصلي لكلمة مشهيات " أحمد"9- سفر إشعياء الإصحاح 21 : 7-17"ركاب حمير ركاب جمال" وصف قافلة للعربمن الطريف أن النصارى يفسرون "ركاب الحمير" على أنها ترمز إلى دخول عيسى عليه السلام القدس. وهو يركب حمارين معاً كما في إنجيل متى الإصحاح 21 : 1-7 !"وحي من جهة بلاد العرب في الوعر في بلاد العرب" نبوة محمد صلى الله عليه وسلم الوحيدة في بلاد العرب"العطشان والهارب بخبزه" هو صلى الله عليه وسلم عندما هاجر من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة"فإنهم من أمام السيوف قد هربوا " أمر الله سبحانه وتعالى رسوله بالهجرة من مكة إلى المدينة هرباً من بطش قريش عندما تسلحوا بسيوفهم وحاصروا بيته لقتله ولكن الله سبحانه وتعالى نجاه منهم"يا سكان أرض تيماء" مدينة في المملكة العربية السعودية تقع شمال المدينة المنورة وقد كان يسكنها اليهود وهذا أمر من الله سبحانه وتعالى لهم باتباع محمد صلى الله عليه وسلم" في مدة سنة كسنة الأجير يفنى كل مجد قيدار " لقد حدثت معركة بدر الكبرى وقد نصر الله سبحانه وتعالى فيها محمد صلى الله عليه وسلم في العام الثاني للهجرة وكانت بداية فناء أمجاد قيدار الجاهلية واعتنق جميعهم الإسلام فيما بعد"وبقية عدد قسي أبطال بني قيدار تقل" لقد قُتل 70 من صناديد قريش يوم بدر10- سفر إشعياء الإصحاح 29 : 12" أو يُدفع الكتاب لمن لا يعرف الكتاب ويقال له اقرأ هذا فيقول لا أعرف الكتابة "نزل جبريل عليه السلام على محمد صلى الله عليه وسلم في غار حراء لأول مرة وأمره بالقراءة مكرراً ذلك ثلاث مرات ومحمد صلى الله عليه وسلم يجيب في كل مرة " ما أنا بقارىء " فضمه جبريل عليه السلام قائلاً : "اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق " هذه بداية أول سورة نزلت من القرآن الكريم11- سفر إشعياء الإصحاح 42 : 10-17"أغنية جديدة" القرآن الكريم"من أقصى الأرض" مكة المكرمة"المنحدرون في البحر و…." الحجاج"لترفع البرية ومدنها صوتها الديار التي سكنها قيدار" الديار هي مكة المكرمةالتكوين الإصحاح 25 : 13 قيدار من نسل إسماعيل عليه السلام وهو الجد الأعظم لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم"سالع" جبل في المدينة المنورة"من رؤوس الجبال يصيحون" تلبية الحجاج وتكبيرهم على جبل عرفات"ليعطوا الرب مجداً ويخبروا بتسبيحه في الجزائر" الأذان"الرب كالجبار يخرج" الجهادأحياناً يقول الله سبحانه وتعالى أنا أفعل مع أنه أناب بشراً للقيام بالعمل كما في التثنية 32 : 41-42كما أن "الرب" تعني المعلم كما في يوحنا الإصحاح 1 : 38 وهو محمد صلى الله عليه وسلم"وأسير العمي في طريق لم يعرفوها" كان العرب في الجاهلية كالعميان لايميزون الصح من الخطأ إلى أن أرسل الله سبحانه وتعالى لهم محمد صلى الله عليه وسلم كما وعد في سفر التكوين الإصحاح 21 : 13"أجعل الظلمة أمامهم نوراً والمعوجات مستقيمة" نقل الإسلام العرب من ظلمات الجهل إلى الطريق المستقيم"يخزى خزياً المتكلون على المنحوتات القائلون للمسبوكات أنتن آلهتنا" كان العرب في الجاهلية يصنعون الأصنام ويعبدونها وقد عاقبهم الله سبحانه وتعالى فحطمها محمد صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة12- سفر إشعياء الإصحاح 45 : 1-3لقد فتح الله سبحانه وتعالى الدول أمام محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعه وإن كل مكان في العالم مفتوح أمام الإسلام . أما ملك الفرس كورش فقد كان وثنياً فكيف يكون مسيحاً لله ؟ كما أن دولة الفرس اعتنقت الإسلامكلمة مسيح تعني تعيين شخص لأداء مهمة كما في صموئيل الثاني الإصحاح 2 : 713- سفر إشعياء الإصحاح 54 : كله" العاقر" مكة المكرمة لعدم ظهور نبي فيها بعد إسماعيل عليه السلام"بنو المستوحشة" هم أولاد هاجر عليها السلام كما في سفر التكوين الإصحاح 16 : 11-12"بنو ذات رجل" هم أولاد سارة عليها السلام"ويرث نسلك أمماً" الفتوحات الإسلاميةالجمل من 4-16 استمرار الأمن والإسلام في مكة المكرمة"كل آلة صورت ضدك لا تنجح" حماية مكة المكرمة كما حدث لأبرهة الأشرم حين غزاها فهزمه الله سبحانه وتعالى14- سفر إشعياء الإصحاح 60 : 7وجاء مثلها أيضاً في سفر حزقيال الإصحاح 27 : 21" كل غنم قيدار تجتمع إليك" انتشار الإسلام بين العرب فهم لم يتأثروا بالمسيحية أبداً وهذا تصديق لوعد الله سبحانه وتعالى لإبراهيم عليه السلام كما في سفر التكوين 17 :20 بجعل إسماعيل عليه السلام أمة كبيرة"بيت جمالي" هو المسجد الحرام15- سفر إشعياء الإصحاح 65 : 1-6" الذين لم يسألوا" العرب"لأمة لم تسم باسمي" عبد العرب الأصنام في الجاهلية"شعب متمرد سائر في طريق غير صالح وراء أفكاره " اليهود والنصارى فقد حرفوا دينهم وكتبوا كتبهم بأيديهم16- ارمياء الإصحاح 28 : 9"تنبأ بالسلام" محمد صلى الله عليه وسلم دعا للإسلام وقد نجحت دعوته وانتشر الإسلام17- سفر دانيال الإصحاح 2 : 34-45"الحجر الذي قطع" محمد صلى الله عليه وسلم . إن كلمة بطرس يونانية تعني صفا كما في يوحنا الإصحاح 1 : 42 وهي كلمة قديمة تعني بالعبرية " إيبن" وبالعربية "حجر" وتدل على شيء أو شخص أما المكان فيدعى "مصفاة" كما في سفر التكوين الإصحاح 31 : 49 . إن " المصطفى " من أسماء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم"التمثال" الأصنام"فصار جبلاً كبيراً وملأ الأرض كلها " انتشار الإسلام في العالمالمملكة الأولى سلطنة الكلدانيينالمملكة الثانية مملكة مادي والفرس كما في سفر دانيال الإصحاح 5 : 30-31المملكة الثالثة الاسكندر المقدونيالمملكة الرابعة الإمبراطورية الرومانية"مملكة لن تنقرض أبداً" الإسلام"وتسحق وتفني كل هذه الممالك" لقد حطم المسلمون الإمبراطورية الفارسية والرومانية واعتنق معظم سكانها الإسلام18- سفر دانيال الإصحاح 7 : كلهالمملكة الأولى : الكلدانية فقد كانت قوية كالنسر المنقض على فريستهالمملكة الثانية : المادية الفارسية ورمز لها بالدب وقد امتد نفوذها حتى البحر الأدرياتيكي وإثيوبيا وهكذا فهي تحمل بين أسنانها ضلعاً من كل من القارات الثلاث في نصف الكرة الشرقيالمملكة الثالثة : ورمز لها بالنمر الشرس ذا القفزات السريعة ترمز إلى زحوف الإسكندر الأكبر الظافرة والذي انقسمت مملكته بعد موته إلى أربع ممالكالمملكة الرابعة : الإمبراطورية الرومانية الهائلة ورمز لها بوحش ضخم وشيطان كبير والقرون العشرة هم أباطرتها العشرة الأوائل الذين اضطهدوا المؤمنين من النصارىلقد تنافست الأربعة ممالك وانتصر قسطنطين الإمبراطور الروماني الحادي عشر عليهم وهو الذي تنطبق عليه "يتكلم بكلام ضد العلي" لقد مُثلت الوحوش الأربعة على أنها غير عاقلة .أما القرن الصغير فهو بشر وينطبق على قسطنطين ويعود إليه تحريف شريعة المسيح عليه السلام وفرض آراءه وقراراته الخاصة بالتثليث وألوهية المسيح عليه السلام بمرسوم إمبراطوري صدر في مجمع نيقية "أزمير الآن" سنة 325 م"وإذا مع سحب السماء" معراج محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماء"مثل ابن الإنسان" محمد صلى الله عليه وسلم وليس المسيح عليه السلام فقد جاء قبل قسطنطين"والمملكة والسلطان وعظمة المملكة تحت كل السماء تعطى لشعب قديسي العلي" الفتوحات الإسلامية وانتشار الإسلام في العالم وقد تحققت تلك النبوءة بعد حوالي 2500 عاماً ببعثة محمد صلى الله عليه وسلم من حدوثها"ملكوته ملكوت أبدي" بقاء الإسلام إلى الأبد بإذن الله سبحانه وتعالى19- حبقوق الإصحاح 2 : 3"لأن الرؤيا بعد إلى الميعاد وفي النهاية"تحقيق الرؤيا مستقبلاً وجاء ذلك بعد 1250 عاماً حين بعث الله سبحانه وتعالى محمد صلى الله عليه وسلم وهو آخر أنبياء الله سبحانه وتعالى وبعثته في نهاية الزمان20- حبقوق الإصحاح 3 : 3"الله جاء" أمر الله سبحانه وتعالى أو كلمته"تيمان" تعني جنوب أي جنوب القدس"والقدوس" محمد صلى الله عليه وسلم فهو النبي الوحيد الذي بعث هناك"فاران" مكة المكرمة حيث سكن جد محمد صلى الله عليه وسلمإسماعيل عليه السلام كما في التكوين 21 : 21 وصيغة الماضي تأكيد لوقوعها21- سفر حجي الإصحاح 2 : 7-9"ويأتي مشتهى كل الأمم" النص العبري الأصلي "وسوف يأتي حمدا لكل الأمم" استبدل كتبة الإنجيل كلمة "حمدا" بكلمة "مشتهى" وهي عبرية تعني حمد ، شهية ، شائق ، أحمد وهو صيغة أخرى لمحمد ومن نفس المصدر ومعناه "الأمجد" أي محمد صلى الله عليه وسلم"هذا البيت" المسجد الأقصى ملأه الله سبحانه وتعالى بالمجد بصلاة محمد صلى الله عليه وسلم فيه إماماً بالأنبياء ليلة الإسراء"مجد الأول" هيكل سليمان عليه السلام"أعطي السلام" الإسلام فقد أخفق المسيح عليه السلام في جلب السلام متى الإصحاح 10 : 34كما تنبأ بخراب الهيكل في إنجيل متى الإصحاح 24 : 2 وفي إنجيل مرقس الإصحاح 13 : 2 وفي إنجيل لوقا الإصحاح 21 : 6 الأمر الذي تحقق بعد أربعين عاماً تقريباً على يد الرومان وتشتت اليهود22- سفر ملاخي الإصحاح 3 : 1"ملاكي" رسولي"يأتي بغتة إلى هيكله" حضور محمد صلى الله عليه وسلم للمسجد الأقصى ليلة الإسراء .لو كان المقصود المسيح عليه السلام فأمام من يهيء الطريق ؟"السيد الذي تطلبونه وملاك العهد" هو سيد الرسل محمد صلى الله عليه وسلم ولو كان المسيح عليه السلام فلماذا لم يعلن ذلك ؟ولا يمكن أن يكون المقصود يحيى عليه السلام فهو :-لم يؤسس ديناً ولم يوح إليه بكتاب مقدسلم يعترف به اليهود كنبيبشر بمحمد صلى الله عليه وسلم في إنجيل متى الإصحاح 3 : 1-4لم يعرف المسيح عليه السلام كما في إنجيل متى الإصحاح 11 : 3إنجيل مرقس الإصحاح 1 : 2-3"ملاكي" رسولي"أعدوا طريق الرب" التبشير بمجيء محمد صلى الله عليه وسلم23- سفر ملاخي الإصحاح 4 : 5"هأنذا أرسل إليكم إيليا" محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء"قبل مجيء يوم الرب " يوم القيامةإنجيل متى الإصحاح 11 : 14 المسيح يقول عن يحيى أنه إيلياتناقض إنجيل يوحنا الإصحاح 1 : 19-28 يحيى ينكر أنه إيليا24- إنجيل متى الإصحاح 4 : 16-24"الشعب الجالس في ظلمة" العرب في الجاهلية"أبصر نوراً عظيماً" نور الإسلام"ويكرز ببشارة الملكوت" ختم النبوة . لماذا بشر عيسى عليه السلام بمجيء محمد صلى الله عليه وسلم إذا كان قد خلص الناس من آثامهم ؟جاء مثل هذا أيضاً في :-إنجيل متى الإصحاح 10 : 7وفي إنجيل مرقس الإصحاح 1 : 14-15وفي إنجيل لوقا الإصحاح 9 : 1-225- إنجيل متى الإصحاح 5 : 18"حتى يكون الكل" حتى تختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وسلمجاءت كلمة "شيلون" وتعني باليونانية "الذي له الكل" في سفر التكوين الإصحاح 49 : 1026- إنجيل متى الإصحاح 6 : 9"ليأت ملكوتك" : النبوة إذا كان عيسى عليه السلام قد خلص الناس من آثامهم فلماذا يدع النصارى بهذا الدعاء ؟ وإن لم يكن محمد صلى الله عليه وسلم المقصود فأين الملكوت ؟27- إنجيل متى الإصحاح 7 : 15-20"من ثمارهم تعرفونهم" علامات الدعوة الصادقة وتنطبق على المسلمين وتأثيرهم على العالم28- إنجيل متى الإصحاح 8 : 20"ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه" محمد صلى الله عليه وسلم فقد هاجر من مكة المكرمة إلى المدينة المنورةتكرر لفظ "ابن الإنسان" في خطب عيسى عليه السلام 83 مرة بصيغة الغائب فهل يُعقل أن يتنبأ عن نفسه ؟29- إنجيل متى الإصحاح 12 : 6"إن ههنا أعظم من الهيكل" لو قصد المسيح عليه السلام نفسه بأنه أعظم من الهيكل لقتله اليهود في الحال"فإن ابن الإنسان" محمد صلى الله عليه وسلم"هو رب السبت أيضاً" القادر على إبطال جعله مقدساً وهو محمد صلى الله عليه وسلم أما المسيح عليه السلام فقد كان ملتزماً بالسبت ويحضر الصلوات في الهيكل30- إنجيل متى الإصحاح 13 : 24وفي إنجيل متى الإصحاح 13 : 31-33"ملكوت السماء" شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وهي طريقة النجاة وقد بدأت صغيرة كحبة خردل ونمت"حتى اختمر الجميع" ختم النبوة ببعثة محمد صلى الله عليه وسلموجاء مثلها أيضاً في إنجيل لوقا الإصحاح 10 : 9-11وفي إنجيل لوقا الإصحاح 13 : 18-21وقد نزعت النبوة من بني إسرائيل كما في إنجيل متى الإصحاح 21 : 4331- إنجيل متى الإصحاح 17 : 11-13"فهم التلاميذ أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان" لم يقل عيسى عليه السلام ذلك وقد نفى يحيى عليه السلام أن يكون هو المقصود كما في إنجيل يوحنا الإصحاح 1 : 19-2832- إنجيل متى الإصحاح 18 : 11"لأن ابن الإنسان" محمد صلى الله عليه وسلم"قد جاء" أمر يقيني الحدوث"ليخلص ما قد هلك" أعاد محمد صلى الله عليه وسلم النقاء لدين إبراهيم عليه السلام وأعاد المناطق التي مر بها إبراهيم عليه السلام من النيل إلى الفرات إلى التوحيد إضافة إلى الامتداد التدريجي لمملكة الله سبحانه وتعالى وهي الدولة الإسلامية من المحيط الهادي إلى شواطئ المحيط الأطلسي الشرقية33- إنجيل متى الإصحاح 19 : 30"وآخرون أولين" أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهم مقدمون في الأجروجاء مثلها أيضاً في إنجيل مرقس الإصحاح 10 : 31وفي إنجيل لوقا الإصحاح 13 : 30وفي إنجيل متى الإصحاح 20 : 1-1134- إنجيل متى الإصحاح 21 : 33-44"الكرم" الشريعة"سياج وحفر" المحرمات والمباحات"عبيده" رسله"الابن" عيسى عليه السلام"الكرامين والأردياء" اليهود"كرامين آخرين" المسلمون"الحجر الذي رفضه البناءون" محمد صلى الله عليه وسلم"ملكوت الله ينزع منكم" نزع النبوة من بني إسرائيل"ويعطى لأمة تعمل أثماره" أمة محمد صلى الله عليه وسلم"ومن سقط على هذا الحجر يترضض" هزيمة من حارب محمد صلى الله عليه وسلم"ومن سقط هو عليه يسحقه" انتصار محمد صلى الله عليه وسلم على أعدائهتدل صيغة الكلام على أن عيسى عليه السلام يتكلم عن آخر سيأتي أما هو فقد قتله الكرامون فكيف يسحق خصومه؟وجاء مثلها أيضاً في إنجيل مرقس الإصحاح 12 : 1-11وفي المزمور 118 : 22-23وفي إنجيل لوقا الإصحاح 20 : 9-1935- إنجيل متى الإصحاح 22 : 44-45"حتى لأضع أعداءك موطئاً لقدميك" انتصار دعوة محمد صلى الله عليه وسلم"فإن كان داود يدعوه رباً فكيف يكون ابنه" اعتراف المسيح عليه السلام أنه ليس المقصود وأنه ليس سيداً لداود عليه السلام ولم ينحدر من سلالته كما جاء في نسبه أنه ابن داود عليه السلام في إنجيل متى الإصحاح 1 : 1-17 وفي إنجيل لوقا الإصحاح 3 : 23-38إذن لو كان عيسى عليه السلام هو المقصود لناداه داود عليه السلام يا بني"الرب" تعني المعلم الديني كما في إنجيل يوحنا الإصحاح 1 : 38وتعني المالك كما في إنجيل متى الإصحاح 13 : 52لقد جلس سيد داود عليه السلام عن يمين إله واحد وليس ثلاثة"حتى لأضع أعداءك موطئاً لقدميك" دليل على أن الله سبحانه وتعالى هو المتصرف والقادر الذي يمنح النصر لمن يشاء من عبادهلقد جلس سيد داود عليه السلام عن يمين إله واحد وليس ثلاثةإن حادثة المعراج تفسر الرؤياوجاء مثلها أيضاً في إنجيل لوقا الإصحاح 20 : 41-44وفي إنجيل مرقس الإصحاح 12 : 35-3736- إنجيل مرقس الإصحاح 1 : 7-8"يأتي بعدي من هو أقوى مني" محمد صلى الله عليه وسلم .كان يحيى عليه السلام يعظ جماهير اليهود على ضفاف الأردن ووراءهم حوالي 4000 عام من التاريخ الديني دون أن يستجيبوا له ومات مقتولاً كما في إنجيل مرقس الإصحاح 6 : 28 ولكن محمد صلى الله عليه وسلم كان يتلو آيات الله بصوت هادىء ورغم ذلك آمن به قومه وعاد إلى مكة فاتحاً منتصرا فهو أقوى من يحيى عليه السلام"أنا عمدتكم بالماء وأما هو فسيعمدكم بالروح القدس"أي أن تعميد يحيى عليه السلام تنظيف خارجي أما محمد صلى الله عليه وسلم فإنه ينظف العقيدةلا تنطبق على عيسى عليه السلام فقد كان مع يحيى عليه السلام ولم ينجز شيئاً يذكر كما أن نهايته كانت عنيفة كنهاية يحيى عليه السلام حسب ما جاء في الإنجيلوجاء مثلها أيضاً في إنجيل متى الإصحاح 3 : 10-1237- إنجيل لوقا الإصحاح 7 : 18-39"نعم أقول لكم وأفضل من نبي" محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياءهل تعظيم عيسى عليه السلام ليحيى عليه السلام يعني أنه أعظم من إبراهيم وموسى ومن عيسى نفسه ؟ لم يفعل يحيى عليه السلام شيئاً سوى دعوة الناس للتوبة والتبشير بذلك النبي"ملاكي" رسولي"الأصغر في ملكوت السموات أعظم منه" آخر أنبياء الله سبحانه وتعالى محمد صلى الله عليه وسلم وهو أعظم من كل البشروجاء مثلها أيضاً في إنجيل متى الإصحاح 11 : 9-1538- إنجيل يوحنا الإصحاح 1 : 19-28"إن كنت لست المسيح ولا إيليا ولا النبي" كان اليهود يتوقعون تحقيق ثلاث نبوءات : مجيء المسيح ثم إيليا ثم مجيء ذلك النبي . فمن هو ذلك النبي ؟ إنجيل يوحنا الإصحاح 7 : 40-42 توقع مجيء نبي"في وسطكم" في يثرب حيث كان اليهود يعيشون"لست بمستحق أن أحل سيور حذائه" محمد صلى الله عليه وسلموليس عيسى عليه السلام لأنه :-جاء مع يحيى عليه السلاملأن يحيى عليه السلام لم يتبعه بل أن عيسى عليه السلام ذهب إليه ليعمده كأي شخص أقل منه كما في إنجيل لوقا الإصحاح 3 : 21 إنجيل مرقس الإصحاح 1 : 939- إنجيل يوحنا الإصحاح 14 :15-18"إن كنتم تحبونني" دليل على أهمية الأمر فالحواريون يتوقعون نزول الروح فلا حاجة للفقرة"معزياً آخر" إن التعزية تكون لمن فقد شيئاً هاماً وهذا دليل على فشل النصرانية فإذا كان المسيح عليه السلام قد خلص الناس من ذنوبهم فلماذا المعزي الجديدكلمة آخر تدل على أن المعزي القادم بشر كالمسيح عليه السلام"ليمكث معكم إلى الأبد" الإسلام"روح الحق" وليس الروح القدس وقد عرف محمد صلى الله عليه وسلم بالصدق والأمانةروح الله تعني نبي في رسالة يوحنا الأولى الإصحاح 4 : 1-2استخدم مصطلح روح الحق وروح الضلال للبشر في رسالة يوحنا الأولى الإصحاح 4 : 6ولا يعني الروح النازل على تلاميذ عيسى عليه السلام لأن هذا :-وجد منذ الخلق ورف على وجه الماء كما في التكوين الإصحاح 1 : 2وكان مع الأنبياء فقد ملأ يوحنا (يحيى عليه السلام) في إنجيل لوقا الإصحاح 1 : 15وملأ الياصبات في إنجيل لوقا الإصحاح 1 : 41وملأ زكريا في إنجيل لوقا الإصحاح 1 :67كان على سمعان في إنجيل لوقا الإصحاح 2 : 25وملأ الحواريين في إنجيل يوحنا الإصحاح 20 : 21-22كان كالحمامة عند نهر الأردن كما في إنجيل متى الإصحاح 3 : 16إذا كان الروح القدس متحداً بالآب فلا ينطبق عليه "معزياً آخر""ماكث معكم ويكون فيكم " تعني مستقبلاً لأنها تنافي قوله " أنا أطلب ….آخر "كما في حزقيال 39 : 8 بعد أن تكلم عن خروج يأجوج ومأجوج40- إنجيل يوحنا الإصحاح 14 : 26-30"المعزي الروح القدس" محمد صلى الله عليه وسلم هو المقصود وليس الروح القدس كما سبق توضيحه"ويذكركم بكل ما قلته لكم" تكلم القرآن الكريم عن عيسى عليه السلام . لم ينس الحواريون أقوال عيسى عليه السلام فما القصد من الجملة ؟"رئيس العالم" محمد صلى الله عليه وسلم لأنه بعث للعالمين جميعاً41- إنجيل يوحنا الإصحاح 15 : 26-27"روح الحق" وليس الروح القدس وقد عرف محمد صلى الله عليه وسلم بالصدق والأمانة وقد سبق توضيحه"من عند الآب ينبثق" صدق رسالة محمد صلى الله عليه وسلم"يشهد لي" وردت معجزات المسيح عليه السلام في القرآن الكريم .كان الحواريون يعرفون عيسى عليه السلام فلم الشهادة ؟ كما لم يشهد الروح للمسيح عند أعدائه"وتشهدون أنتم أيضاً " دليل على أن شهادة الحواريين غير شهادة المعزي وأما الروح فلم يشهد غير شهادة الحواريين42- إنجيل يوحنا الإصحاح 16 : 7-14"إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي" ذهاب المسيح شرط لحضور المعزي لأنه لم يأت رسولين بشريعتين في نفس الوقت .محمد صلى الله عليه وسلم هو المقصود أما الروح فقد حضر أثناء وجود عيسى عليه السلام" يبكت العالم" دعا محمد صلى الله عليه وسلم بالتخويف من عذاب الله سبحانه وتعالى"أما على خطية فلأنهم لا يؤمنون بي" تدل على أن المعزي يظهر على منكري عيسى عليه السلام"رئيس العالم" محمد صلى الله عليه وسلم لأنه بعث للعالمين جميعاً"وإن لي أموراً كثيرة أيضاً لأقول لكم ….الآن" دليل على عدم كمال شريعة عيسى عليه السلام"روح الحق" وليس الروح القدس وقد عرف محمد صلى الله عليه وسلم بالصدق والأمانة وقد سبق توضيحه"لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به" تلقى محمد صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم عن جبريل عليه السلام من الله جل جلاله"ويخبركم بأمور آتية" لقد أثبتت الاكتشافات العلمية العديد من المعجزات في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة كما تحققت معظم نبوءات محمد صلى الله عليه وسلم وسيتحقق باقيها مع مرور الزمن إن شاء الله"ذاك يمجدني" وردت معجزات المسيح عليه السلام في القرآن الكريم" لأنه يأخذ مما هو لي" دعوة محمد صلى الله عليه وسلم هي نفس دعوة المسيح عليه السلام وسائر الرسل وهي التوحيدإن لم يكن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو المقصود فأين هذا المعزي ؟ لقد مضى 2000 عاماً على هذا الوعد43- رسالة بولس الأولى إلى كورنثوس الإصحاح 13 : 9 " متى جاء الكامل فحينئذ يُبطَل ما هو البعض "اعتراف بأن النصرانية مؤقتة حتى " يأتي الكامل " وهو الإسلام الناسخ لما قبله44- رسالة يهوذا : 14-16"قد جاء" أمر يقيني"الرب" تعني المعلم كما في يوحنا 1 : 38 وهو محمد صلى الله عليه وسلم"ربوات قديسيه" الصحابة رضي الله عنهم"دينونة على الجميع" أنه أرسل للعالم كافة وقد ذكر أخنوخ (إدريس عليه السلام) في سفر التكوين الإصحاح 5 : 24"ويعاقب جميع فجارهم" أمر الله سبحانه وتعالى نبيه أن يحارب الكفار"ماكث معكم إلى الأبد" الإسلام45- رؤيا يوحنا اللاهوتي الإصحاح 2 : 26-29"من يغلب ويحفظ أعمالي إلى النهاية" : محمد صلى الله عليه وسلم"يرعاهم بقضيب من حديد" : الأمر بالجهاد"كوكب الصبح" : القرآن الكريم رسول الله محمد كما ورد في الكتاب المقدس في كتاب نشيد الأناشيد الذي ينسب لسليمان بن داوود عليهما السلام، نلاحظ في الجزء الخامس أنه يصف رجلاً يقول اليهود أنه سليمان بينما يقول النصارى أنه المسيح. و المتكلم مجهول لكنه يبدو لنا أنه أنثى. و يرجح اليهود أن المتكلم هو زوجة سليمان المسماة شولميث و أنها تصف سليمان نفسه. على أن النصارى لديهم أدلة قوية على أن الخطاب هو للمسيح عيسى بن مريم. فإن كان هذا صحيحاً فإننا أمام نبوءة برسول جديد لم يلد بعد. فطالما أن الجزء الخامس من كتاب نشيد الأناشيد يتحدث عن نبي يخرج في المستقبل فهو بلا شك يتحدث عن محمد عليه أتم الصلاة و التسليم. الجزء الخامس من نشيد الأناشيد:9(بَنَاتُ أُورُشَلِيمَ): بِمَ يَفُوقُ حَبِيبُكِ الْمُحِبِّينَ أَيَّتُهَا الْجَمِيلَةُ بَيْنَ النِّسَاءِ؟ بِمَ يَفُوقُ حَبِيبُكِ الْمُحِبِّينَ حَتَّى تَسْتَحْلِفِينَا هَكَذَا؟10(الْمَحْبُوبَةُ): حَبِيبِي أَبيَضٌ وَ أَزْهَرُ (متورد)، عَلَمٌ بَيْنَ عَشَرَةِ آلاَفٍ. 11رَأْسُهُ ذَهَبٌ خَالِصٌ وَغَدَائِرُهُ مُتَمَوِّجَةٌ حَالِكَةُ السَّوَادِ كَلَوْنِ الْغُرَابِ. 12عَيْنَاهُ حَمَامَتَانِ عِنْدَ مَجَارِي الْمِيَاهِ، مَغْسُولَتَانِ مُسْتَقِرَّتَانِ فِي مَوْضِعِهِمَا. 13خَدَّاهُ كَخَمِيلَةِ طِيبٍ (تَفُوحَانِ عِطْرَاً) كَالزُهُوْرِ الحُلْوَة، وَشَفَتَاهُ كَالسُّوْسَنِ تَقْطُرَانِ مُرّاً (صمغ ذكي الرائحة) شَذِيّاً. 14يَدَاهُ حَلْقَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ مُدَوَّرَتَانِ وَمُرَصَّعَتَانِ بِالزَّبَرْجَدِ، وَجِسْمُهُ عَاجٌ مَصْقُولٌ مُغَشًّى بِالْيَاقُوتِ. 15سَاقَاهُ عَمُودَا رُخَامٍ قَائِمَتَانِ عَلَى قَاعِدَتَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ نَقِيٍّ، طَلْعَتُهُ كَلُبْنَانَ، كَأَبْهَى أَشْجَارِ الأَرْزِ. 16فَمُهُ عَذْبٌ، نعم: إِنَّهُ مَحَمَد. هَذَا هُوَ حَبِيبِي وَهَذَا هُوَ صَدِيْقٍي يَا بَنَاتِ أُورُشَلِيمَ! إن أول ملاحظة هنا أن الشخص الذي نتكلم عنه له طلعة وجهه كلبنان، أي طلعة وجهه كالعرب و ليس كاليهود. رأسه كالذهب الخالص و غدائره متموجة حالكة السواد، و هذا ما ورد في وصف محمد رسول الله في صحيح البخاري. و كون و جهه أبيض متورد أيضاً ورد في صحيح البخاري. و كون جسمه ذهبي عاجي أبيض يلمع كالشمس قد ورد أيضاً في صحيح البخاري. حتى الآن كل هذه الأوصاف يمكن أن تنطبق على كثير من الناس ، فلماذا قلنا أن الحديث بلا شك هو عن محمد ؟ إن المقطع رقم 16 يحتوي على الكلمة العبرية مَحَمَد فهل هي مصادفة أن يكون إسم الشخص الذي نتبأ عنه كإسم النبي العربي؟ الكلمة العبرية (محمد) تتألف من الحروف العبرية الأربعة (ميم حيت ميم داليت) و هي نفس الأحرف العربية (ميم حاء ميم دال). و الفرق الوحيد بين مَحَمَد و مُحُمَّد هو التشكيل. هذا التشكيل الذي لم يخترعه اليهود إلا في القرن الثامن الميلادي أي بعد حوالي مئة سنة من بدء الإسلام. و كلمة مُحُمَّد في العربية و العبرية لها معنى واحد هو صيغة التفضيل من الرجل المحمود. أما كلمة مَحَمَد فإن لها حسب قاموس "بن يهودا" أربعة معاني و هي: (المحبوب، المُشتهَى، النفيس، المحمّد). و بالطبع فإن المترجمين للكتاب المقدس يميلون لاختيار أول ثلاث كلمات لإبعاد القارئ المسيحي عن الكلمة الحقيقية. إن الفرق بين كلمة مَحَمَدو كلمة مُحُمَّدلم يكن موجوداً في العبرية القديمة. و إضافة التشكيل للغة العبرية و بالتالي للإسرائيليات إنما تم في القرن الثامن الميلادي، فمن المحتمل أن يكون الحاخام الذي قام بتشكيل نشيد الأناشيد قد أخطأ في هذه الكلمة. و إذا أردنا أن نكون واقعيين أكثر فإن هذا اليهودي قد غير التشكيل من مُحُمَّد إلى مَحَمَد ليمعن في إبعاد النصارى عن الإسلام الذي كان قد انتشر قبل قرن من إضافة التشكيل للإسرائيليات. إن أي رجل يؤمن بأن العهد القديم هو وحي من عند الله فعليه أن يؤمن بأن الجزء الخامس من نشيد الأناشيد كان يتحدث عن رسول الله محمد و أن اليهود يعرفون ذلك حتى اليوم لكنهم يخفونه عن الناس. يقول الله القدوس عن هؤلاء في سورة البقرة: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَ إِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ {146} الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ {147}

الديار التي سكنها قيدار لتترنم سكان سالع

الديار التي سكنها قيدار لتترنم سكان سالع
د.محمد عبد الخالق شريبة
قيدار هو الجد الأكبر لقبائل مكة، وهو من أبناء إسماعيل عليه السلام كما تخبرنا المصادر التاريخية، وكما يخبرنا أيضا الكتاب المقدس في سفر التكوين الإصحاح 25 الفقرة 13:(وهذه أسماء بني إسماعيل بأسمائهم حسب مواليدهم: نبايوت بكر إسماعيل وقيدار وأدبائيل ومبسام……).وقيدار بن إسماعيل ينسب له العرب المستعربة، والتي تسمى أيضا بالعرب العدنانية نسبة إلى عدنان الذي انحدر من صلب قيدار بن إسماعيل عليه السلام.والديار التي سكنها قيدار هي الديار التي سكنها إسماعيل، وهي الديار التي سكنها النبي – صلى الله عليه وسلم-، وهى مكة المكرمة..ورد في كتاب قلب جزيرة العرب(ولى إسماعيل عليه السلام زعامة مكة وولاية البيت طوال حياته، ثم ولى اثنان من أبنائه: نابت ثم قيدار، ويقال العكس).وورد في كتاب الرحيق المختوم في حديثه عن نسب النبي-صلى الله عليه وسلم- وقبائل مكة إلى قيدار بن إسماعيل: (وقد رزق الله إسماعيل اثني عشر ولدا ذكرا وهم: نابت أو بنايوط وقيدار وأدبائيل ومبشام ومشماع ودوما وميشا وحدد ويتما ويطور ونفيس وقيدمان، وتشعبت من هؤلاء اثنتا عشرة قبيلة، وانتشرت هذه القبائل فى أرجاء الجزيرة بل وإلى خارجها، ثم أدرجت أحوالهم في غياهب الزمان إلا أولاد نابت وقيدار.وقد ازدهرت حضارة الأنباط –أبناء نابت- في شمال الحجاز وكونوا حكومة قوية ولم يكن يستطيع مناوأتهم أحد حتى جاء الرومان فقضوا عليهم، وأما قيدار بن إسماعيل فلم يزل أبناؤه بمكة يتناسلون هناك حتى كان منه عدنان وولده معد .وقد تفرقت بطون معد من ولده نزار إلى أربعة قبائل عظيمة: إياد وأنمار وربيعة ومضر، وهذان الأخيران هما اللذين كثرت بطونهما فكان من ربيعة: أسد بن ربيعة وعنزة وعبد القيس وابنا وائل-بكر- وتغلب وحنيفة وغيرها وتشعبت قبائل مضر إلى شعبتين عظيمتين: قيس بن عيلان بن مضر وبطون إلياس بن مضر. فمن قيس عيلان: بنو سليم وبنو هوازن وبنو غطفان، ومن إلياس بن مضر: تميم بن مرة وهذيل بن مدركة وبنو أسد بن خزيمة وبطون كنانة بن خزيمة، ومن كنانة:قريش، وهم أولاد فهر بن مالك بن النضر بن كنانة.وانقسمت قريش إلى قبائل شتى من أشهرها بطون قصي بن كلاب وهى عبد الدار بن قصي وأسد بن عبد العزى بن قصي وعبد مناف بن قصي.وكان من عبد مناف أربع فصائل:عبد شمس ونوفل والمطلب وهاشم وبيت هاشم هو الذي اصطفى الله منه سيدنا محمد بن عبد الله بن هاشم صلى الله عليه وسلم).هذا هو قيدار بن إسماعيل الذي انحدرت منه القبائل التي سكنت مكة، ولا تزال تسكنها حتى الآن، ولكن ما هي سالع؟ سالع هي جبل سلع بالمدينة المنورة، وهو جبل يقع غرب المسجد النبوي علي بعد 500 متر تقريبا من سوره الغربي، يبلغ عرضه ما بين 300 إلي 800 مترا، وارتفاعه 80 مترا، ولهذا الجبل أهمية تاريخية فلقد وقعت علي سفوحه أو بالقرب منه عدة أحداث هامة أهمها غزوة الخندق التي تجمع فيها المشركون في جهته الغربية وكان يفصل بينه وبينهم الخندق، وكان سفح جبل سلع مقر قيادة المسلمين إذ ضربت خيمة لرسول الله – صلى الله عليه وسلم-ورابط عدد من الصحابة في مواقع مختلفة منه، عند قاعدة الجبل سكنت منذ العهد النبوي قبائل عدة، وفي العهد العثماني أقيمت علي قمته عدة أبنية عسكرية ما زالت أثارها باقية حتى الآن، وفي عصرنا الحالي أحاط العمران بالجبل من كل ناحية وصار جزءا من حدود المنطقة المركزية للمدينة المنورة.(1)ولكن ماذا يقول الكتاب المقدس عن الديار التي سكنها قيدار وعن سالع ؟ورد في سفر أشعياء الإصحاح 42 الفقرة من 1 إلى 17 42: 1 هو ذا عبدي الذي أعضده مختاري الذي سرت به نفسي وضعت روحي عليه فيخرج الحق للأمم.42: 2 لا يصيح ولا يرفع ولا يسمع في الشارع صوته.42: 3 قصبة مرضوضة لا يقصف وفتيلة خامدة لا يطفيء إلى الأمان يخرج الحق.42:4 لا يكل ولا ينكسر حتى يضع الحق في الأرض وتنتظر الجزائر شريعته. 42 : 5 هكذا يقول الله الرب خالق السماوات وناشرها باسط الأرض ونتائجها معطي الشعب عليها نسمة والساكنين عليها روحا .42: 6 أنا الرب قد دعوتك بالبر فأمسك بيدك وأحفظك وأجعلك عهدا للشعب ونورا للأمم.42: 7 لتفتح عيون العمي لتخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن الجالسين في الظلمة.42: 8 أنا الرب هذا اسمي، ومجدي لا أعطيه لآخر، ولا تسبيحي للمنحوتات.42: 9 هوذا الأوليات قد أتت والحديثات أنا مخبر بها قبل أن تنبت أعلمكم بها. 42: 10 غنوا للرب أغنية جديدة تسبيحة من أقصى الأرض أيها المنحدرون في البحر وملؤه والجزائر(جمع جزيرة) وسكانها. 42: 11 لترفع البرية ومدنها صوتها الديار التي سكنها قيدار لتترنم سكان سالع من رؤوس الجبال ليهتفوا. 42: 12 ليعطوا الرب مجدا ويخبروا بتسبيحه في الجزائر. 42: 13 الرب كالجبار يخرج كرجل حروب ينهض غيرته يهتف ويصرخ ويقوى على أعدائه. 42: 14 قد صمت منذ الدهر((في النسخة الإنجليزية: أمسكت (سلامي) منذ زمن طويل، ويقول القاموس الإنجليزي للكتاب المقدس أنها مكتوبة في النسخة العبرية (شيلاميم)، ومن المعلوم أن حروف كلمة شيلاميم أو شالوم بالعبرية هي نفس الحروف التي تشتق منها كلمة الإسلام )) سكت تجلدت كالوالدة أصيح انفخ وانخر معا. 42: 15 أخرب الجبال و الآكام و أجفف كل عشبها واجعل الأنهار يبسا وأنشف الآجام. 42: 16 وأسير العمي في طريق لم يعرفوها في مسالك لم يدروها أمشيهم اجعل الظلمة أمامهم نورا والمعوجات مستقيمة هذه الأمور افعلها ولا اتركهم. 42: 17 قد ارتدوا إلى الوراء يخزى خزيا المتكلون على المنحوتات القائلون للمسبوكات انتن آلهتنا.من هو عبد الله ومختاره الذي يتحدث عنه النص السابق ؟!النص السابق لا يمكن أن ينطبق إلا على النبي –صلى الله عليه وسلم-، فهو عبد الله ومختاره الذي أخرج الحق للأمم وانتظرت الجزر شريعته، ولم يكل ولم ينكسر حتى وضع الحق في الأرض وأرشد الناس إلى جميع الحق، فهو صاحب الشريعة الكاملة التي أتمها الله في عهده، ولم يقبضه إلا بعد اكتمالها( لا يكل ولا ينكسر حتى يضع الحق في الأرض )، ولذلك يقول الله تعالى في سورة المائدة (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا). والنبي-صلى الله عليه وسلم-هو الذي أخرج الحق لكل الأمم فهو صاحب الرسالة العالمية لجميع أهل الأرض، ولذلك يقول الله تعالى للنبي في قرآنه (قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا)…ويقول أيضا (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)..وهو الذي عصمه الله من المشركين حتى بلغ رسالته، وأدى أمانته (فأمسك بيدك وأحفظك وأجعلك عهدا للشعب ونورا للأمم).. ولذلك يقول الله في قرآنه مخاطبا نبيه (والله يعصمك من الناس)..والنبي-صلى الله عليه وسلم- هو الذي أخرج الناس من ظلمة الشرك وعبادة الأصنام والمنحوتات إلي عبادة الله الواحد (أنا الرب هذا اسمي، ومجدي لا أعطيه لآخر، ولا تسبيحي للمنحوتات).والنص السابق لا ينطبق على المسيح عليه السلام الذي لم يدع أنه قد أخرج كل الحق للأمم؛ بل قال قبل رحيله ( إن لي أمورا كثيرة أيضا لأقول لكم لكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق )كما ورد في إنجيل يوحنا..كما أن المسيح أخبرنا أنه لم يأت إلا لهداية بني إسرائيل كما جاء في إنجيل متى( لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة)..وكلمة (وضعت روحي عليه) تعنى النصرة والتأييد من الله ، وهى عامة لجميع الأنبياء ، ولا يختص بها المسيح من دونهم ، ومثال ذلك ما جاء في الكتاب المقدس (وكان روح الله على عزريا بن عوديد)، وأيضا ما جاء في الكتاب المقدس في سفر العدد(يا ليت كل شعب الرب كانوا أنبياء إذا وضع الله روحه عليهم).ومن المعلوم أيضا أن دعوة المسيح لم تظهر في الديار التي سكنها قيدار وهي مكة !! ولا رفعت بها الصحراء صوتها!!… كم أنها قد ظهرت في بني إسرائيل، وهي أمة كتابية ليست من عبدة الأصنام مثل أهل مكة الذين بعث فيهم النبي-صلى الله عليه وسلم-.. بل إن المسيح قد بعث في بني إسرائيل في وقت كانوا قد تخلصوا فيه من الوثنية وعبادة الأصنام تماما..ولو افترضنا أن النص يتحدث عن المسيح عليه السلام؛ فهو بذلك يثبت أن المسيح عليه السلام هو عبد لله، وليس ابنا له أو شريكا معه في الألوهية(هو ذا عبدي الذي أعضده). والمفاجأة التي وجدناها في النص عند قراءته في النسخة الإنجليزية ( وما أكثر المفاجآت عند مقارنة النسخة العربية بالنسخة الإنجليزية ! ) هو أن كلمة ( الأمم ) الواردة في النص ليست ترجمة لكلمة(nations) كما هو متوقع ، ولكن الكلمة الواردة في النسخة الإنجليزية هي(gentiles) ، وتترجم بالعربية إلى الأمميين .. ويقول قاموس الكتاب المقدس عن هذا اللفظ أن اليهود يستخدمونه على الأمم الأخرى من غيرهم، فهم يعتبرون أنفسهم حملة الرسالات وشعب الله المختار، ويقول أيضا أن اليهود يستخدمونه كمصطلح لاحتقار الأمم الأخرى من غير اليهود باعتبارها أمم وثنية.. وبالطبع يرفض النصارى هذا التقسيم باعتبارهم أيضا من أهل الكتاب، وهذا هو الحق عند المسلمين وهو أن هذا اللفظ كان يستخدم لوصف الأمم من غير أهل الكتاب قبل ظهور الإسلام كما يخبرنا القرآن الكريم:(وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا). آل عمران 20..(ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل) آل عمران: 75..وهم الذين بعث فيهم النبي –صلى الله عليه وسلم- ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة ) الجمعة 2..(الذين يتبعون النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراةوالإنجيل)...الأعراف 157.. (فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون) الأعراف 158..والصفات السابقة هي تقريبا نفس الصفات التي وردت في النص الذي رواه الإمام البخاري في صحيحة عن عطاء بن ياسر أنه قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص قلت: أخبرني عن صفة رسول الله-صلى الله عليه وسلم- في التوراة، قال: أجل والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: ( يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وحرزا للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله ويفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا ).ما هي التسبيحة الجديدة التي من أقصى الأرض ؟إنها إعلان برسالة جديدة، وكلمة من أقصى الأرض تشير إلى المشرق الأقصى، إذ أن أقصى القدس جزيرة العرب، وأقصى جزيرة العرب القدس، لذلك يقول الله تعالى في كتابه الكريم (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا). ما هي البرية ومدنها، وما هي الديار التي سكنها قيدار ومن هم سكان سالع؟ البرية هي الصحراء، والديار التي سكنها قيدار هي مكة، وسكان سالع هم سكان جبل سلع بالمدينة المنورة(لتترنم سكان سالع من رؤوس الجبال). من هم العمي الذين ساروا في طريق لم يعرفوها، وكان الله معهم ولم يتركهم ؟إنهم المؤمنون بالدين الجديد، ومتبعي الرسالة، الذين أبصروا في نور الإسلام، بعد أن كانوا عميا في الجاهلية التي زاغوا فيها عن التوحيد، وارتدوا فيها إلى الوراء، وعبدوا المنحوتات، وقالوا للمسبوكات أنتن آلهتنا.. وكيف ترفع البرية صوتها، وتخبر بالتسبيح في الجزائر ؟إنما يكون ذلك برفع الآذان، والنداء (الله اكبر الله اكبر) يسمعها سكان الصحراء وما حولها…ما المقصود بقوله الرب كالجبار يخرج كرجل حروب ؟إنها عشرات الحروب التي تم خوضها لإخراج الناس من الكفر إلى الإسلام، وليس أدل على ذلك من أن صاحب الرسالة قد وصل عدد الغزوات التي خرج إليها بنفسه-صلى الله عليه وسلم- كان سبعا وعشرين غزوة في سبع سنوات فقط من أجل نشر التوحيد وإعلاء الحق في الأرض.وماذا يكون شيلاميم الذي أمسكه الله منذ زمن طويل ؟ إنه دين التوحيد –الإسلام- الذي بعث الله به جميع الأنبياء إلى البشر، فزاغوا عنه، وأشركوا مع الله آلهة أخرى؛ فكان لابد من بعثه ونشره مرة أخرى بعد ضلال الناس عنه، وانقطاعه من على الأرض زمنا طويلا !!.. وحمل الكلمة على ( الإسلام ) هو الأظهر للنص، والأوضح للمعنى، ولا يستقيم السياق إلا به؛ فالله يقول: أمسكت الإسلام منذ زمن طويل وغاب التوحيد عن الأرض، لذلك سأخوض الحروب وأخرب الجبال والآكام من أجل إظهاره مرة أخرى، وأما حملها على (السلام) فإنه يكون مناقضا للمعنى، ومخالفا للنص؛ فكيف يقول الله إذن أمسكت السلام منذ زمن طويل لذلك سأخوض الحروب وأخرب الجبال والآكام ؟!! من كانت عنده إجابة لهذه الأسئلة غير تلك الإجابات فليأت بها؛ مثل أن يكون هناك نبي قد أخرج الحق للأمم وانتظرت الجزر شريعته وحفظه الله وعصمه من الناس حتى وضع الحق في الأرض وقضى على عبادة الأصنام والمنحوتات وجعله الله نورا للأمميين وخرجت دعوته من الصحراء، في الديار التي سكنها قيدار وهي مكة، ورفعت بها الصحراء صوتها، وهتف بها من الجبال سكان سالع بالمدينة، بعد أن عبدوا الأصنام والمنحوتات، واشتهر بكثرة حروبه وغزواته – غير محمد صلى الله عليه وسلم !!!!!!!!!! (2)يمكن مراسلة ا لمؤلف :doctor_abdelkhalek@yahoo.comأقرأ المزيد للمؤلف : محمد في التوراة والإنجيل -
-------------------------------------------
-(1)لمزيد من المعلومات التاريخية عن جبل سلع بالمدينة يمكنك الرجوع إلى معجم البلدان 3/236 ؛ الرحيق المختوم333 ؛ وفاء الوفا4/1235؛ عمدة الأخبار337 ؛ تاريخ معالم المدينة قديماوحديثا22. (2) كما أن النص السابق ينطبق على النبي – صلى الله عليه وسلم- ورسالته إذ أن كل الصفات منطبقة عليه تماما ولا يمكن حملها على أحد غيره ، فبنفس القوة أيضا ينتفي أن يكون النص يشير للمسيح عليه السلام إذ لا يمكن بحال من الأحوال حمل الصفات الواردة في النص عليه .. وبرغم ذلك فقد ورد في الإنجيل أن النص السابق يخص المسيح عليه السلام !! ، فقد ورد في إنجيل متى 12 : 17 (لكي يتم ما بإشعياء النبي القائل هو ذا فتاي الذي اخترته حبيبي الذي سرت به نفسي وضعت روحي عليه فيخرج الحق للأمم).. ويبدو أن كاتب الإنجيل تحرج من استخدام كلمة (عبدي) التي وردت في سفر أشعياء فاستبدلها في إنجيل متى بكلمة (فتاي) !! ...... فهل يخرج علينا بعد ذلك من أهل الكتاب من ينكر تحريف الأناجيل ؟!! .. وبعد قراءة النص السابق القاطع بنبوة الرسول –صلى الله عليه وسلم- .. هل سيتدبرون القرآن ؟! .. أم ما زالت على قلوب أقفالها ؟!!

لتحيا اللغة العربية: يعيش سيبويه

لتحيا اللغة العربية: يعيش سيبويه
بقلم :د. إبراهيم عوض
أصدر الأستاذ شريف الشوباشى، وكيل وزارة الثقافة المصرى للشؤون الخارجية، منذ أشهر قلائل كتابا عنوانه "لتحيا اللغة العربية: يسقط سيبويه"، تناول فيه اللغة العربية الفصحى والكلام الذى يثور فى العصر الحديث بين الحين والحين عن صعوبة قواعدها عارضًا الوسائل التى يراها كفيلة بالقضاء على هذه الشكوى مع الحفاظ على الفصحى فى ذات الوقت حسبما جاء فى كلامه. وهو ينطلق مما يقول إنه لاحظه فى التقويم السنوى العالمى المسمى بـالـ"ألمناك" لعام 2004م من تراجع اللغة العربية عن المكانة التى كانت تشغلها قبلا، وهو ما فهمتُ منه أنها قد أُسْقِطَتْ نهائيا من هذه المطبوعة التى تهتم بإيراد أحدث الإحصاءات والمعلومات الأساسية فى كل المجالات فى العالم. يقول كاتبنا إن الـ"ألمناك" لم تَعُدْ تنظر إلى لغتنا بوصفها لغةً قائمةً بذاتها، إذ اللغة إنما جُعِلَتْ لتكون أساسا للتفاهم اليومى بين الناس لا لتكون أداة للدراسة والتعليم. وما دامت اللغة العربية قد انحصر استعمالها فى الدرس والعلم ولم تعد تستخدم فى أغراضنا اليومية، فمعنى ذلك أنها أضحت لغة ميتة، وبناءً على هذا فلا يصح إدراجها بين اللغات التى لا يزال يستخدمها أصحابها. ثم يمضى قائلا إن الأمر قد هاله وبعثه على التفكير فى هذه القضية، وبخاصة أن تلك المطبوعة هى أحد أهم المراجع بالنسبة لكبار الكتاب والمتخصصين فى الغرب، ومن الخطإ إذن أن نأخذ ما جاء فيها باستخفاف. ومع ذلك فلا بد من التنبيه إلى أنه رغم هذا قد أشار ، ولكن على نحو عارض وسريع ، إلى أن الـ"ألمناك" هو من المطبوعات التى لا تخلو من الأغراض الخبيثة (ص7ـ 8). وهنا أحب أن تكون أولى وقفاتى، فمن المؤكد أن ما فعله الـ"ألمناك" بشأن لغتنا هو الزيف والتدليس والخبث بعينه ونفسه وقَضّه وقََضِيضِه، وليس له معنى غير هذا، ولا يمكن أن يُفْهَم إلا على هذا النحو. ولكن كيف ذلك؟ المعروف أن اللغة، أية لغة، لها مستويات عدة: المستوى الفصيح، ومستوى الأحاديث الثقافية للمتعلمين، ومستوى أحاديثهم العادية، ومستوى العامة، ومستوى الدهماء والغوغاء. بل إننا فى هذا المستوى الأخير مثلا يمكن أن نميز بين ضروب مختلفة من العامية كما هو الحال فى لغة بعض الطوائف الخاصة كطائفة اللصوص أو الشحاذين… وهلم جرا. وهذا لون واحد من ألوان التقسيمات اللغوية حسب المستوى الثقافى والاجتماعى للمتحدثين بها، وقد تُقَسَّم هذه المستويات على نحو مختلف بعض الشىء كما فعل د.السعيد محمد بدوى فى كتابه "مستويات العربية المعاصرة فى مصر"(دار المعارف/ 1973م/ 89 وما بعدها)، إذ قسمها إلى: فصحى التراث، وفصحى العصر الحاضر، وعامية المثقفين، وعامية المتنورين، وعامية الأميين. بل إن اللغة لتختلف فى البلد الواحد من مكان إلى مكان، مثلما هو الوضع فى مصر حيث تتمايز لغة أهل الصعيد بوجه عام عن لغة الوجه البحرى، وكما تتمايز لغة أهل قريتى عن لغة القرية المجاورة لها مع أنهما توشكان، بفضل التوسع العمرانى، أن تصبحا قرية واحدة. واللغة فى الواقع هى كل هذه المستويات، وذلك على عكس ما يريد محرِّرو الـ"ألمناك" أن يوهمونا به من أن اللهجات العامية التى يتحدث بها العرب ليست هى اللغة العربية، وعليه فلا بد من استبعاد هذه اللغة من قائمة اللغات التى لا تزال حية تُسْتَعْمَل! إن هذا لهو البَكَش بعينه! وإلا فليست هناك لغة واحدة فى العالم ينطبق عليها هذا الشرط الغريب الذى لم يشأ أصحاب الـ"ألمناك" أن يطبقوه إلا على لغة القرآن الكريم لغرض فى نفس يعقوب! فمعروف أن المستوى الفصيح فى أية لغة يقتصر استعماله على مجال التأليف والإبداع والخطب والمحاضرات والندوات، أما فى الحياة اليومية فهناك مستويات أخرى يلجأ إليها الناس لتصريف أمورهم كما أشرنا آنفا. هكذا كانت اللغات البشرية، وهكذا هى الآن، وهكذا ستظل. ومن يقل غير هذا فهو إما جاهل أو بكّاش، والذين قاموا على إخراج الـ"ألمناك" لا يمكن أن يصلوا فى الجهالة إلى هذا المدى المغرق فى السُّفُول، وإلا كانت فضيحة لا تغتفر! فلم يبق إلا أن أن يكونوا بكّاشين. والغرض من وراء ذلك أن يغرسوا فى نفوسنا أن لغتنا قد انتهى دورها ولم يعد أمامها إلا أن نواريها التراب وأن نتخذ العاميات عنها بديلا. وهذا فى الواقع هو ما يريده منا بعض المستشرقين والمبشرين ممن يعملون على أن يقيموا بيننا وبين القرآن المجيد حاجزا لا يمكن تخطيه، ألا وهو حاجز اللغة، إذ متى ما اختفت اللغة الفصحى التى نزل بها كتاب الله فقد حيل بيننا وبين ذلك الكتاب، اللهم إلا أن يفكر فى دراسته بعض المتخصصين، أو نترجمه إلى اللغة العامية كما سمعنا من ينادى بهذا فى الأشهر الأخيرة فى أرض الكنانة حامية القرآن واللسان الذى نزل به هذا القرآن، وعندئذ لن يكون النص المترجَم هو القرآن الكريم بل كلاما عاميا متخلفا ليس بينه وبين أسلوب القرآن المعجز أية صلة، فضلا عن أن الترجمة لن تكون سوى فهم خاص لذلك النص بما لا بد أن يصاحب هذا الفهم من قصور وأخطاء ونزوات وأهواء. ثم مع توالى الأيام يزداد النص المترجَم ابتعادا عن الأصل الإلهى الكريم... إلى أن نفيق ذات يوم على نص ليس بينه وبين الأصل أية وشيجة.لكن الأستاذ الشوباشى يؤكد أنه حريص أبلغ الحرص على اللغة الفصحى لأنها، حسبما يقول، هى الرباط الوحيد الآن بين شعوب الأمة العربية بعد تفرقهم سياسيا وتمزقهم اقتصاديا، كما أنه، حسبما يقول، لا يحب أن ينقطع ما بيننا وبين التراث العظيم المكتوب بالفصحى، ومن ثم فهو لا يفكر فى استبدال العامية بها(ص16ــ 17، 138، 165ــ 166)، بل كل ما يبغيه هو تطوير اللغة العربية بتقريب الفجوة التى تفصل فصحاها عن عاميتها حتى يستطيع الناس أن يتكلموا بها ويكتبوا دون أن يقعوا فى الأخطاء التى يقعون فيها الآن، وحتى تساير العصر الذى نعيش فيه فلا يأتى علينا يومٌ نجد أننا لا بد أن نتخلى عنها لعجزها عن الوفاء بمتطلباتنا(ص141)، وذلك من خلال تطوير قواعدها التى لم تتغير طوال عمرها البالغ خمسة عشر قرنا، مخالفة بذلك ما جرى للُّغات الأخرى من عدم توقف قواعدها عن التغيير كل هذه المدة كما حدث للغة الصينية التى كانت تتطور قواعدها كل خمسمائة عام، وكما حصل فى اللغة الإنجليزية أكثر من مرة رغم تاريخها القصير بالنسبة للغتنا، وكما أراد الفرنسيون كذلك أن يصنعوا فى لغتهم، وإن لم يصلوا إلى المدى الذى بلغه أهل الإنجليزية، وبخاصة فى أمريكا، من تبسيط وتطويع انتقلت به هذه اللغة من حال إلى حال لتصبح أسهل لغات العالم تعلما(ص45ــ 46، 49، 55).هذا ما قاله الكاتب، ولكن ما طبيعة التطوير الذى يريد من خلاله التقريب بين الفصحى والعامية يا ترى؟ إنه يرى أن المفعول به يمثل عقبة كأداء فى سبيل إتقان العربية، ومن ثم نراه ينادى بألا يكون منوَّنا، بل يُكْتَفَى فيه بالسكون (ص172). وهو يريد بهذا إلغاء الإعراب، لكن كلامه تُعْوِزه الدقة ووضوح التعبير كما هو بيّن جلىّ. كذلك نراه ينادى أيضا بالتخلص من التأنيث فى الأرقام وفى الجمع معا، فنقول مثلا: "تسع رجال، وتسع نساء" على السواء، كما نقول: "النساء كلهم أكلوا" بدلا من "النساء كلهن أكلن"... وهكذا، وهو ما ينسحب على الأسماء الموصولة التى تكتفى العامية فيها بكلمة "اللى" فى كل الحالات(ص171ــ 172، 175)، على حين تستعمل الفصحى مجموعة كاملة منها هى "الذى والتى واللذان واللتان والذين واللاتى". وبالمثل نجده ينادى بالتخلص من صيغة المثنى فلا يكون لدينا بعدها إلا المفرد والجمع فقط مثلما هو الأمر فى اللهجة العامية واللغات الأوربية. وعلى نفس الوتيرة يهاجم الجملة الفعلية زاعما أنها تؤدى إلى التباس المعنى بخلاف الاسمية التى تعبر عن المراد بكل وضوح ودقة(ص168). وفوق ذلك فهو يهاجم العربية لكثرة ما فيها من مترادفات(ص177ـ 180)، كما يتهمها بأن فيها نقصا معيبا فى حروف العلة وأن غالبية حروفها ساكنة(ص168ـ 170). والمتأمل فى هذه الاقتراحات والاتهامات يلحظ من فوره أنها تكاد تقلب الفصحى عامية بما يباعد بيننا وبين اللغة التى ظل آباؤنا وأجدادنا يستعملونها فى الكتابة والقراءة والتفكير العلمى والإبداع الأدبى لما ينوف على خمسة عشر قرنا، ومن ثم يقيم بيننا وبين التراث العظيم الذى خلفوه جدارا عاليا سوف يزداد مع الأيام والسنين ارتفاعا وسُمْكا وصلادة، فضلا عن أنه سوف يجعلنا نشعر مع القرآن الكريم بغربة مزعجة لا نجدها الآن، وهو ما يتناقض مع ما أكده فى أكثر من موضع فى الكتاب من أنه لا يهدف أبدا إلى القضاء على الفصحى وإحلال العامية مكانها! ولست أريد أن أدخل فى مناقشة نيته من وراء ما كتبه فى هذه القضية، فقد يكون حسن القصد فيما يدعو إليه ومؤمنا بأن ما يقوله من شأنه أن يخدم لغته القومية فعلا، وقد يكون أقدم على هذا الذى كتبه هنا وهو يدرك أنه سوف ينجلى عن نتائج غاية فى الوخامة، فعلم ذلك كله عند الله. ثم إنى أعترف بأن انتسابه إلى الأستاذ محمد مفيد الشوباشى، القصاص والشاعر والناقد والمترجم المعروف صاحب الأسلوب المحكم الجميل، والمدافع بمنتهى الشراسة والحق عن أصالة الحضارة الإسلامية والعقلية العربية وجمال لغة الضاد أسلوبا وإبداعا أدبيا رغم أنه كان يساريا، والذى قرأت له عددا من المؤلفات والمترجمات واستمتعت بها غاية الاستمتاع منها "القصة العربية القديمة" و"رحلة الأدب العربى إلى أوربا" و"الأدب الثورى عبر التاريخ" و"آسيا وجداول الربيع" لترجنيف و"نافخ البوق" لتوماس هاردى، أقول إن انتسابه لمحمد مفيد الشوباشى يَغُلّ يدى عن أن أتناول ما كتبه فى موضوعنا بنفس الشدة التى أرد بها على من يهاجمون العربية أو الإسلام. ولقد بلغ من اعتزاز الشوباشى الكبير بلغتنا العبقرية أنه كان ينحى باللائمة على كاتبنا فى شبابه حين يراه يجرى على منوال اللغات الأوربية فى كثير من الأحيان بإيثاره الجملة الاسمية على الفعلية حسبما حدثنا الكاتب نفسه(ص168)، وإن لم ألاحظ فى الكتاب الذى بين يدىّ الآن والذى أرسله لى كاتبنا مشكورا ولا فى كتابه الآخر "الداء العربى" الذى أرسله معه أن للجملة الاسمية الغلبة على غريمتها الفعلية. كما أن الأديب الراحل كان يرفض أشد الرفض استعمال العامية فى الكتابة حتى ولا فى الحوار القصصى. والطريف أنه كان يستند، ضمن ما يستند إليه فى ذلك الرفض، على التحليلات الماركسية فى الفكر والأدب. ويستطيع القارئ أن يجد شيئا مما كتبه فى هذا المجال فى مقال له بمجلة "العالم العربى" القاهرية فى عدد مارس 1958م. وهناك سبب آخر يمنعنى أن أكون شديدا فى نقد ما كتبه أ.شريف الشوباشى، فقد بدا لى، أثناء مناقشتى أنا ود.عبد الله التطاوى له ولآرائه الواردة فى كتابه المذكور فى الحلقة التى سجلتها معنا قناة "التنوير" المصرية من برنامج "لِلــْوُدّ قضيـّة" منذ أيام، أنه رجل دمث الخلق متواضع، وليست فيه لجاجة بعض الكتاب ممن يعملون على التنقص من تراثنا فى الدين أو الفكر أو الأدب. بل إنه فى الكتاب الذى نحن بصدد الحديث عنه هنا لم يحدث أن تعرض بكلمة سوء لأى من رموزنا التاريخية، وكذلك لم يقع أن ذكر الرسول إلا بمنتهى التبجيل والاحترام، كما كان دائم الصلاة عليه إلا فيما ندر. وكان أدبا جميلا منه أن نجده يقول عن هذا الصحابى أو ذاك: "سيدنا فلان". وفوق هذا كله فقد رأيناه يبتدئ كلامه فى تلك الحلقة بالقول بأن ما كتبه فى كتابه ذاك إنما هو مجرد رأى قد يكون صوابا، وقد يكون خطأ. على أن هذا كله لم يمنعنى فى الحلقة التلفازية المذكورة ولن يمنعنى الآن من أن أختلف معه غاية الاختلاف إذا رأيت أن كلامه غير منطقى أو أن من شأن الأخذ به أن يقودنا إلى ما لا تحمد عقباه من نتائج.وينطلق كاتبنا فى دعوته إلى تطوير اللغة وقواعدها من منطلقين: الأول أن كثيرا من الكتاب والخطباء العرب يخطئون فى لغتهم، وأن التلاميذ والطلاب يشكون مُرَّ الشكوى من حصة اللغة العربية ولا يرون فيها شيئا أكثر من كونها عبئا ثقيلا لا بد أن يتحملوه كى ينجحوا فى امتحانات آخر العام، والسلام، غير واجدين أية لذة فى دراستها. ثم إنها ليست وسيلة طبيعية فى التعبير عن أفكار من يستعملها ومشاعره، بل عليه أن يتكلفها تكلفا. والثانى أنها لم تعد تساير العصر أو تفى بمتطلبات التعبير عنه بعد أن طال بها الزمن دون أن يطرأ عليها ما تحتاجه من تطورعلى عكس اللغات العالمية الأخرى التى لا يكتفى أصحابها بما يعتريها من تطور طبيعى، بل يحدثون فيها ضربا آخر منه يقصدونه قصدا.يقول أ.الشوباشى: "كثيرا ما فوجئت بكبار المثقفين يخطئون أخطاء لا تُصَدَّق فى لغتهم الأم التى يكتبون ويبدعون بها، وبعض هؤلاء أو معظمهم يُعَدّون من رموز الأدب والكتابة فى مصر والعالم العربى... وعندما كنت أقارن حالنا بالآخرين كنت أجد نفسى مضطرا لأن أعترف بأنه لا يوجد مثقف واحد فى فرنسا أو إنجلترا أو إسبانيا أوحتى البرازيل يخطئ فى لغته الأم بهذه الصورة. فهل كل الشعوب العربية بمثقفيها ومفكريها أصبحت معوقة ذهنيا بحيث لا تستطيع تعلم اللغة والإلمام بها إلماما سليما؟ وإذا وسّعْنا باب المقارنة مع الآخرين نجد أن أى سكرتيرةٍ متواضعةٍ حاصلةٍ على شهادة متوسطة فى أى دولة غربية قادرةٌ على أن تكتب بنفسها خطابا دون أخطاء لغوية… فهل السكرتيرة الفرنسية تمتلك قدرات ذهنية أرقى من المثقفين وأصحاب الشهادات العليا فى العالم العربى؟ بالطبع لا. إذا فالخلل يكمن فى الطرف الآخر من المعادلة، وهو اللغة المستخدمة عند كل من الطرفين... فاللغة الفرنسية طيعة وسهلة ومباشرة، كما أن السكرتيرة، مَثَلُها مَثَلُ كل من يجيد الفرنسية، لديها أدوات تسهل مهمتها وتجعلها قادرة على تجنب الخطإ. وعلى رأس هذه الأدوات قاموس اللغة الفرنسية الذى يقوم على ترتيب الحروف الأبجدية، بالإضافة إلى ترسانة من القواميس الخاصة بالقواعد وبالمترادفات وغير ذلك من الكتب التى يتعلم أى تلميذ فرنسى كيفية استخدامها فى المدرسة"(ص67ــ 68). والرد على هذا سهل غاية السهولة، فقد كان الكتّاب والعلماء والأدباء والشعراء العرب طوال الخمسة عشر قرنا الماضية يستخدمون لغتهم استخداما سليما ويسيطرون عليها ويبدعون بها على أحسن وضع، فلماذا يعجز كثير منهم الآن عن أن يصنعوا صنيع أسلافهم؟ إنه الكسل العقلى والاكتفاء بأقل القليل، وهو عيب شامل، وليس خاصا بالكتابة فحسب، بل كل صاحب حرفة أو عمل يعانى من نفاد الصبر، وليس عنده من طول البال ما يساعده على تجويد ما تصنع يداه. وهذا هو السبب فى أن عماراتنا كثيرا ما تنهار الآن قبل أن يمر عليها سوى أشهر أو سنوات معدودات. وهو نفسه السبب فى أننا نشكو من إهمال الصنائعية والعمال، وهو أيضا السبب فى أن كثيرا من شوارعنا ممتلئة بالحُفَر والمطبّات والقاذورات والأصوات العالية المزعجة والبذاءات المقذعة التى تشمئز منها النفوس الكريمة، وأن البلاعات فيها إما أعلى من مستوى الأرض أو أوطأ منها، وكثيرا ما تكون مكشوفة بحيث يقع فيها الأطفال لتبتلعهم بأفواهها الفاغرة وتغيّبهم فى بطونها إلى الأبد، وأن كل شىء فى حياتنا تقريبا قبيح ومشوه، وأننا لا نستطيع أن نعتمد على أنفسنا فى توفير ما نحتاج إليه من طعام أو ملابس مثلا، ناهيك عن تصنيع السيارات والحواسيب ومعدات القتال...إلخ. ثم إنك يا أ.شوباشى تعرف أن كثيرا جدا ممن تسميهم مثقفين وكتّابا كبارا ليس لديهم اطلاع كاف على اللغة أو التراث رغم أنهم كثيرا ما يتعرضون لهما بالكتابة والتقويم. أليست هذه محنة؟ ولسوف أعطيك هنا مثالا سريعا على ما أقول: فقد كتب جمال الغيطانى فى روايته المسماة بـ"الزينى بركات"، والتى يطنطن لها البعض بغير حق، أن اليهود قد طاردوا النبى محمدا بالحجارة من فوق أسوار الطائف حين التجأ إليها فى عهد الدعوة المكية، وأن امرأة من يهود هى التى أكلت (لاحِظْ:" أكلت" لا "لاكَتْ") كبد حمزة رضى الله عنه(دار المستقبل العربى/ ط 3/ 1985م/ 225). وهذا، كما ترى، كلام مضحك بل تخريف عجيب إن وقع من أى تلميذ صغير كان جديرا أن يعاقَب على جهله بمثل هذه الوقائع الأساسية فى سيرة نبينا عليه السلام، فالتلاميذ والطلاب فى كل مراحل الدراسة ونوعياتها، بما فيها مدرسة الصنائع التى تخرج منها الكاتب، يعرفون أن الذين طاردوا النبى فى الطائف ورَمَوْه بالحجارة أوانذاك هم عبيدُها وصبيانُها وسفهاؤها من المشركين وليس اليهود، لأن اليهود لم يكونوا قد ظهروا فى حياة النبى عليه السلام بعد، كما أن التى لاكت كبد حمزة، رضى الله عنه (لاكَتْ لا أَكَلَتْ) هى هندٌ بنتُ عتبة زوجةُ أبى سفيان لا امرأةٌ من يهود، وكان ذلك عقب غزوة أُحُد . ومعروف أن ذلك إنما وقع بعد الهجرة بالقرب من المدينة، وليس فى الطائف فى العهد المكى! والغيطانى أحد الكتاب الذين قد ترى فيهم طائفة من نقاد آخر زمن أديبا ذا شأن، فضلا عن أنه كثير الحديث عن ولعه بالتاريخ الإسلامى، مما يجعلنى أتساءل: ترى ماذا كان يمكن أن يكون علمه بهذا التاريخ لو لم يكن وَلِعًا به إلى هذا المدى؟ كما أن فى لغته ضعفا وركاكة استفزا فاروق عبد القادر فأصلاه فى الكتاب الذى صدر له فى سلسلة "كتاب الهلال" منذ شهور نارا حامية. ولو كان محمد مفيد الشوباشى حيًّا لأسمعه هو وأمثاله من الكتّاب ما يؤلمهم جزاءً وِفاقًا على هذا الضعف المزرى فى لغتهم القومية! والمصيبة أن المؤلف لم يتنبه ولا نبهه أحد ممن حوله لهذا الجهل على مدى الطبعات الثلاث التى طُبِعَها الكتاب فيصححه!وبالمناسبة لماذا كان الشوباشى والمنفلوطى والعقاد والرافعى وإبراهيم رمزى والمازنى وأمين الريحانى ومطران ونعيمة وجبران وكرم ملحم كرم ومَلَك حفنى ناصف ومىّ زيادة والزيات والصيرفى والسحرتى وعنان وهيكل ومحمد لطفى جمعة وفخرى أبو السعود وشكيب أرسلان وكرد على وشفيق جبرى ونزار قبانى وسعد الله ونوس وغادة السمان وعبد القدوس الأنصارى وأحمد السباعى وخليل سكاكينى وابنته وداد وإبراهيم طوقان وأخته فدوى وهارون هاشم رشيد ومحمد عزة دَرْوَزَة ونازك الملائكة والجواهرى والسياب وعبد الكريم غلاب ومحمود المسعدى وحسنى عبد الوهاب ومحمود شلتوت والسحار وباكثير وأمين يوسف غراب وزكى نجيب محمود وزكريا إبراهيم ومحمد الغزالى وخالد محمد خالد وعبد الرحمن الشرقاوى مثلا بهذه القوة والمتانة فى الأسلوب، ولم يتخرج أىٌّ منهم من أى من أقسام اللغة العربية بالجامعة، بل إن عددا منهم لم يتلقَّوْا تعليما جامعيا أصلا؟ حتى سلامة موسى، الذى كان كثير العيب على اللسان العربى ويرميه بالبداوة ويعلن كراهيته له لأنه اللسان الذى نزل به القرآن، يخلو أسلوبه من الأخطاء التى تبرقش كتابات أدبائنا الذين تسللوا إلى ميدان الأدب والفكر فى غفلة من الزمن! ثم لماذا هذا الضعف الشائن فى كثير من كتّاب هذا الجيل بالذات؟ أتكون اللغة العربية قد انقلبت بين عشية وضحاها من لغة يمكن إتقانها لمن يريد ويبذل فيها ما تحتاجه من جهد واهتمام إلى لغة عصيّةٍ شَموس؟ ولكن هل هذا مما تسمح به طبيعة الأشياء؟ إن المشكلة هى أننا أصبحنا فاقدى الصبر، على طريقة العوامّ الذين ما إن تبدأ فى شرح ما تريده لهم حتى يفاجئوك بقولهم دون أدنى حياء: هات من الآخر! وعبثا تحاول أن تعرف ما الذى يستعجلهم كل هذا الاستعجال فلا تجد إلا نفاد الصبر وقلة الأدب! فحياتهم، والحمد لله، فارغة من أى شىء مهم، وكل ما هنالك أنهم يفتقرون إلى ذلك الصبر الذى تحدث عنه الشيخ محمد عبده فى تفسيره لسورة "العصر" فأفاض وأمتع، وهو الصبر الإيجابى الذى بدونه لا تقوم حضارة ولا يتم تقدم: الصبر على مشقات العمل والإنتاج والإبداع والإتقان والتخطيط والاهتمام بالتفاصيل والالتزام بالنظام الدقيق والحرص على المراجعة والعمل على إصلاح الخطإ أوَّلاً بأوّل... وما إلى هذا.إن الناس الآن تبدو وكأن عفريتا قد ركبها، وكل ما يهمها هو أن تأخذ فلوسا، أما أن تقدِّم لك لقاء هذه الفلوس الخدمة التى تريد على الوجه الذى يرضى الله ورسوله فكلا وألف كلا! وبالمناسبة فكاتب هذه السطور، الذى هو أنا، رغم تخصصى فى الأدب العربى، دائما ما أراجع المعاجم وكتب النحو والصرف حتى فيما أنا متأكد منه، وذلك كى يجىء أسلوبى على أحسن ما أستطيع. ولست أعرف ذلك الاطمئنان الكاذب الذى يأخذ كثيرا من الكتّاب فلا يراجعـــون شيئا مما يكتبــون البتة. ثم إنى أجد فى هذه المراجعات متعة عقلية وفنية لا تقدر بثمن، كما أنها توسع أفق معارفى وتكسبنى الثقة بنفسى. وأنت نفسك يـا أ.شوباشى قد قلتها: فالسكرتيرة الفرنسية تتدرع لمهنتها بعدد من معاجم اللغة والإملاء وما إلى هذا مما يعصم ما تكتبه من كثير من الأخطاء التى تقع فيها أمثالها عندنا ممن لا يهتممن بأن يكون فى حوزتهن قاموسٌ فردٌ يوحّد الله لأنهن لا يفكرن أصلا فى تثقيف عقولهن ولا التأنق فى كتاباتهن، ولا شغلةَ طول النهار لهن إلا الكلام عن تقميع البامية وتقلية الملوخية والفستان التى اشترته فلانة والطلاق الذى وقع على رأس علانة... وهَلُمَّ جَرًّا. ولا أحسب الرجال يختلفون عن النساء كثيرا فى هذا السبيل! إنه الفرق بين مجتمع متحضر مثقف ومجتمع لا تهتم الغالبية الساحقة من أفراده إلا بالطعام والشراب والتسالى الخفيفة كمشاهدة المرناء وحل الكلمات المتقاطعة والتآمر على الجيران ومكايدتهم ونحوه، حتى إن كثيرا من دور النشر عندنا لم تعد تطبع من الكتب التى تصدرها أكثر من خمسمائة نسخة للكتاب تباع فى عدة أعوام! يا أ.شوباشى، أنت تنكأ الجراح، فبالله عليك لا تتهم اللغة العربية. إننا، فى هذه الأيام النحسات، شعوب تعيش خارج خريطة التاريخ، شعوب لا قيمة لها حضارية، شعوب تستهلك ولا تبدع! إن العرب والمسلمين، يوم أن كانوا يتمتعون حقا بالثقة بأنفسهم والإيمان بربهم والقدرة على التضحية والتحمس للعمل والإنتاج والسعى فى أعقاب العلم واللهاث خلف الثقافة الرفيعة، قد فتحوا البلاد وبسطوا سلطانهم ولغتهم ودينهم على الدنيا فى بضعة عقود قليلة من السنين رغم أنهم لم يكونوا يملكون من الإمكانات شيئا يذكر. وكانوا فى ذلك الوقت أيضا يقبضون على زمام لغتهم أحسن ما يكون القبض على الزمام، أما الآن فانظر تَرَ ماذا أصبح حالهم. إنهم يصعبون على الكافر، وإسرائيل، التى تتكون من عصابات متنافرة من أرجاء الأرض المتباعدة، تسومهم الخسف والهوان دون أن يستطيعوا أن يقولوا لها: "بِمْ"، رغم أنها من الناحية العددية لا تبلغ خمس معشارهم! ويوم أن يعود لهم سابق عزهم ومجدهم فعندها لن نسمع من يقول إن العربية صعبة أو إنها تحتاج إلى حذف هذا الجزء أو ذاك من قواعدها وتقريبها إلى العامية. إنها منظومة واحدة، والحال هنا هى نفسها هناك. ولهذا ترانا ضعفاء حتى فى ميدان الرياضة واللعب مع توفر الإمكانات اللازمة للتفوق فى هذا المجال. لكنه، مرةً أخرى، الكسل واللامبالاة وغياب الروح وضعف الشعور بالكرامة القومية والظن بأن الفًَهْلَوَة والبَكَش يمكن أن يوصلانا إلى ما نريد، مع أنه قد ثبت لنا مرات ومرات ومرات أن هذا الأسلوب لا يؤدى إلى غير الكوارث، لكننا لا نتعظ أبدا! ترى أأمضى فى هذا الموّال أم الأفضل أن أكفأ على الخبر ماجورا وأسكت؟ أما أنا فأوثر أن أسكت! وعلى الناحية الأخرى أستطيع أن أعدد لك أمثلة على سهولة إتقان اللغة الفصحى لمن يريد بحقٍّ أن يتقنها: فقد كان معنا فى المدينة الجامعية فى النصف الثانى من ستينات القرن الماضى طلاب من الصين والاتحاد السوفييتى وبعض البلدان الأفريقية والآسيوية يحسنون الحديث والكتابة بها مع أنهم إنما تعلموها فى بلادهم لا فى بلد عربى. كما أذكر فتاتين صغيرتين لأب مصرى وأم بريطانية التقينا بهما فى أوكسفورد فى أواخر العقد الثامن من القرن الفائت، وكانتا تحسنان العربية الفصحى إلى حد كبير حديثًا وكتابةً رغم أنهما لم تكونا قد تخطّتا الثانية عشرة من عمرهما. وعندما كنت فى جامبيا فى غرب أفريقيا فى منتصف الثمانينات من القرن المنصرم تعرفتُ إلى شاب أفريقى من سيراليون رأيت لديه اهتماما بأن يكمل دراسته فى اللغة العربية، وكان يبيع فى السوق بعض الأشياء الصغيرة التى تهم المرأة بغية أن يوفر شيئا من المال يستعين به على هدفه. والشاهد فى الحكاية أننى أردت أن أستوثق من مدى معرفته بلغة العرب التى درسها كلغة أجنبية ولم يَعْدُ فى تعليمه المدرسىّ الثانية الثانوبة، فعقدت له امتحانا فى النصوص والقواعد فوجدته قد أحرز درجة عالية رغم انقطاعه عن الدراسة منذ وقت ليس بالقصير. وكان يكلمنى باللغة الفصحى بسهولة كبيرة. وقد دفعنى هذا إلى تشجيعه، بل إننى حين عدت وقتها إلى مصر أرسلت إليه طَرْدَيْن (أو بلغة البريد فى بعض دول الخليج: بَعِيثَتَيْن) من الكتب. كذلك كانت مَىّ زيادة لا تستطيع فى البداية أن تكتب بالفصحى، بل تستخدم الفرنسية، ثم بدا لها أن تتقن لغة القرآن، وصحّ منها العزم على ذلك، وساعدها فى هذا السبيل أحمد لطفى السيد، وكان من بين ما نبهها إليه وأخذها فيه بالحزم وجوب قراءة القرآن المجيد والتضلع من أسلوبه وموسيقاه...حتى أصبحت فى نهاية الأمر واحدة من أكابر كتاب العربية وأصحاب الأساليب فيها. وبالمناسبة هناك من بين المستشرقين من يتقن لغة القرآن أفضل من كثير من كتاب هذه الأيام عندنا! كما أن مئات العلماء الهنود والباكستانيين والإيرانيين يكتبون باللغة العربية ويتكلمون بها أفضل من كثير من أبناء العربية!أما عن التلاميذ والطلاب العرب وضعفهم فى لغتهم الأم فيقول كاتبنا: "ومن منطلق معرفتى بمستوى التعليم فى فرنسا وغيرها من الدول الغربية أستطيع أن أجزم بأن المستوى اللغوى لخريجى الجامعات المصرية من غير المتخصصين يوازى مستوى تلميذ فى بداية المرحلة الإعدادية هناك فى لغته الأم. فهل يعكس هذا نبوغ تلاميذ العالم الغربى وتخلف طلاب العلم عندنا؟ بالتأكيد لا، فإن المستوى الذهنى متقارب بين الاثنين. إنما المعضلة تكمن فى اللغة العربية التى ترقى تعقيداتها إلى مستوى اللوغاريتمات على عقول غير المتخصصين… فعلينا بعيدا عن النفاق أن نعترف بأن طلبة المدارس يكرهون حصة اللغة العربية وينعون همها أكثر من أى مادة تعليمية أخرى. فإلى متى نجعل أطفالنا وشبابنا يتجرعون عذاب القواعد المعقدة التى عفا عليها الزمن ولم تعد تواكب العصر؟"(ص 12). هذا ما قاله الكاتب، وأنا أزيد عليه أن الأغلبية الساحقة من الطلاب المتخصصين فى اللغة العربية وآدابها لا تعرف شيئا ذا قيمة عن أدب أمتهم أو لغتها بل لا يحسنون الكتابة دون أخطاء إملائية فادحة، بل لا يعرف كثير منهم كيف يضبط النص بالفتح والكسر والضم… إلخ مما دفع زميلا لنا ظريفا إلى القول بأن الواحد من هؤلاء الطلاب يحمل مخلاة فى جيبه مملوءة بما شئت من الفتحات والكسرات والضمّات والسكنات والشدّات والتنوينات، ثم إذا ما طولبوا بتشكيل نص من النصوص أخرجوا المخلاة ومدوا أيديهم فيها وكبشوا حفنة من محتوياتها ثم رشّوها كيفما اتفق على كلمات النص فتقع حركات التشكيل هنا وهناك اعتباطا، وأن هذا هو السبب فى أن بعضهم قد يضع مثلا على أول حرف فى الكلمة سكونا ثم يُتْبِعه على الحرف الثانى بشَدّة...وهكذا مما لا يُعْقَل لأنه مستحيل. لكن كيف يكون مستحيلا، ونحن قوم بارعون فى صنع المعجزات مما لا قِبَل به للغربيين سادة العالم الآن فى ميادين العلم والثقافة والإبداع؟ ألسنا نحن الذين دهنّا الهواء دُوكُو؟ ألسنا نحن الذين عبّأنا الشمس فى زجاجات؟ ألسنا نحن الذين صَرَرْنا الفيل فى المنديل؟ هل يستطيع أحد أن يدلنى على قوم آخرين حققوا هذه الإنجازات أو نصفها أو ثلثها أوعشرها أو حتى واحدا على الألف أو على المليون منها؟ إن كل ما فعله الغربيون مثلا أنهم اخترعوا القطارات والسيارات والغواصات والقنابل والصواريخ وسفن الفضاء والحاسوب والمِشْباك (النِّتّ) وما إلى هذا مما لا إعجاز فيه لأنه يخضع للقوانين التى يسير عليها الكون، أما نحن فنأتى بالمستحيل الذى لا يستطيعه أحد سوانا من البشر! إلا أننى ينبغى أن أضيف أن الأغلبية الساحقة أيضا من الطلاب فى أى تخصص لا يفترقون عن طلاب أقسام اللغة العربية فى الضعف العلمى. فالشكوى عامة بين الأساتذة من أن الطلبة لا يهتمون بما يتلقَّوْن من علوم ودروس، وأن كل همهم هو النجاح فى الامتحان والحصول على الشهادة من أى طريق، ولهذا تراهم لا يبذلون الجهد المطلوب ولا يقرأون شيئا إلا فى الشاذ النادر. وكنت اليوم فى زيارة لصديق مريض فى المستشفى، ومررت فى طريق العودة ببائع للكتب القديمة أعرفه فتوقفت عنده لأشترى بعض ما أجدنى بحاجة إليه منها، وأخذت أسأله كعادتى عن مدى إقبال طلاب الجامعة التى يقع جَوْسَقه على الرصيف المواجه لها، فجاءت إجابته على ما توقعت من أنهم لا يكادون يقرأون شيئا، اللهم إلا إذا كلفهم الدكتور ببحث، فإنهم عندئذ يأتون فيسألونه عن الكتب التى يمكن أن يجدوا فيها ما ينقلونه فى هذا البحث. أقول: "ينقلونه"، لأن البحث عندهم لا يعنى أكثر من نقل بضع صفحات من هذا الكتاب أوذاك دون فهم: نقلها نقلا كله أخطاء إملائية ودون أية إضافة شخصية! فالعيب يقع أساسا فى هذه المنطقة، منطقة اللامبالاة بالقيم الثقافية والعقلية وكذلك الترهُّل الذهنى والذوقى. ودعنا من حكاية ارتفاع سعر الكتاب، فالعرب ليسوا كلهم فقراء، وهم جميعا، سواء منهم الفقراء والأغنياء، حريصون على اقتناء أدوات الحضارة الحديثة مهما كانت غالية الثمن. ثم هاهى ذى إصدارات "مكتبة الأسرة" مثلا فى مصر تباع بأسعار زهيدة، فهل تغير المصريون وأضحَوْا أكثر حُبًّا للقراءة؟ أستطيع أن أجيب بملء يقينى على ذلك السؤال بالنفى، وإلا فأين موضع المكتبة فى البيت المصرى؟ إن المكتبة عندنا، إن وُجِدَتْ، ليست فى معظم الأحوال أكثر من مكان توضع فيه التحف وجهاز المِرْناء وبعض الدباديب، وكان الله يحب المحسنين! ترى كيف يمكن أن يسيطر على لغته القومية من لا يقرأ شيئا فى هذه اللغة ولا يستطيع أن يتذوق روائعها بل لا يبالى بأن يتذوق هذه الروائع، وإذا حدثتَه عنها كنتَ كمن يتحدث عن إحدى غرائب واق الواق؟ على أن هذا لا يعنى أن المنهج الذى تعلَّم به اللغة العربية هو منهج سليم، فالواقع أن أساتذة النحو غالبا ما يحصرون أنفسهم فى دائرة المعلومات النظرية، فترى الطلاب لهذا يحفظون القواعد حفظا، وقد يستطيع بعضهم (بعضهم فقط) أن يُعْرِبوا ما يُطْلَب إليهم إعرابه من كلمات أو جمل، لكنهم لا يقدرون مع هذا أن يقرأوا أو يكتبوا على نحوٍ صحيح! كذلك فدروس النحو والصرف محشوة بالتفصيلات التى قلما تفيد عارفها فى ميدان الواقع. وأنا أزعم أن مجموعة القواعد التى يحتاح إليها الشخص العادى لكى يكتب ويقرأ على نحو سليم ليست بالكثيرة ولا المرهقة. والمهم هو الاهتمام بالدروس التطبيقية التى يردد فيها الأستاذ الأمثلة الأساسية فى كل درس، ويظل الطلاب يكررونها بعد ذلك فى المدرسة والجامعة والبيت قراءة وكتابة حتى تنطبع فى آذانهم وأيديهم وأذهانهم وتنطلق بها ألسنتهم وأقلامهم كأنها سليقة فيهم. والمهم أيضا أن يقتنع الطالب بأن اللغة قيمة قومية ودينية وثقافية واجتماعية تستحق أن يبذل فيها الجهد والتعب، أما قبل ذلك فكلا وألف كلا. ولقد كنت أفعل هذا منذ صباى أنا وزميل لى أصبح الآن أستاذا فى الجامعة مثلى حتى أتقنّا لغتنا مبكرا دون أن نجد حولنا من يأخذ بأيدينا، بَيْدَ أن تحمّسَنا لهذه اللغة وأدبها وطموحَنا من البداية إلى أن نكون من الكتاب والأدباء كان نعم المعين! وقد كان هذا هو نفسه الأسلوب الذى جريت عليه مع الطلاب حين عُهِد إلىّ، فى أواسط السبعينات من القرن البائد، أن أدرّس للطلاب، وأنا لا أزال مدرسا مساعدا، مادة التدريبات النحوية رغم عدم تخصصى فى النحو أصلا، فكان اهتمامى كله تقريبًا منصبًّا على التطبيقات وعلى تمرين الطلاب على القراءة والكتابة الصحيحة. وقد أثمر هذا الأسلوب مع عدد منهم أصبحوا بدورهم فيما بعد دكاترة فى الجامعة، على عكس الباقين الذين لم يكونوا مهتمين بالأمر، فإنهم لم يستفيدوا كثيرا كما لا أحتاج أن أقول. أما الآن فإن الغالبية الرهيبة من الطلاب لا تريد أن تبذل أى جهد حتى إنهم لا يفكرون مثلا فى الرجوع إلى المعجم، بل لا يعرفون كيف يستعملونه إذا حدثت المعجزة وبدا لهم أن يستفسروا عن معنى كلمة من الكلمات، فيأتون إلينا ويسألوننا عما يريدون. فإذا نبهناهم إلى أنهم ينبغى أن يرجعوا بأنفسهم إلى هذا القاموس أو ذاك أخذوا ينظرون إلينا فى استغراب بل فى بلاهة وكأننا نحدثهم عن عجيبة من عجائب الحياة! والغريب أن هؤلاء الطلاب أنفسهم إذا ما ألقت الأقدار بواحد مثلى فى طريقهم بعد تخرجهم واشتغالهم ببعض الحرف أو الصنائع التى يلجأون إليها فى هذا العصر الممتلئ بالبطالة فإنهم يستطيعون بمنتهى السهولة خداعى أنا الذى أظن نفسى ذكيا، ويلعبون بى وبأسلافى بعبقرية شيطانية عجيبة كما يلعب الحواة بالبيضة والحجر! والسؤال هو: كيف قد صاروا أذكياء على هذا "النحو" يا ترى، وهم الذين لم يكونوا يفهمون شيئا فى "النحو"؟ إنها كراهية العلم، والبراعة مع ذلك فى الفهلوة وشغل الثلاث ورقات! إنهم أبناء مجتمعهم وبيئتهم! وللتفكهة أذكر أن أحد أساتذة النحو المشهورين كان قد ألف مذكرة فى تلك المادة سماها: " تحفة الطلاب، فى النحو والإعراب"، فكنت، لشدة ضيقى بمستوى الطلاب المتدنى والمخجل فى لغتهم، أقترح عليه أن يغير تسميتها إلى "ضَرْب القبقاب، فى رؤوس الطلاب"، فيضحك حتى يستلقى على قفاه!وهنا أود أن أوضح شيئا، ألا وهو أن الخطأ سيظل ملازما لكل من يتحدث اللغة الفصحى رغم ذلك، لا لعيب فى هذه اللغة بل بسبب الطبيعة البشرية التى لا تنفك عن الخطإ مهما حاولت التحرز منه. وقديما قال رسولنا الأعظم: " كُلّ بنى آدم خطّاء، وخير الخطّائين التوابون". والتوبة من الخطإ فى هذا المجال تكون ببذل مزيد من الجهد فى مراجعة القواعد وفى تطبيقها فى الكلام والكتابة. وهذا الكلام لا يقتصر على فصحانا وحدها بل على كل فصحى، ومنها فصحى الإنحليزية والفرنسية والألمانية التى أخشى أن يكون حديث الأستاذ الشوباشى عن تفوق أهلها فى استعمالها قد أوحى للقارئ أنهم لا يخطئون فيها كما نخطئ نحن فى فصحى لغتنا الأم! كذلك أود أن ألفت النطر إلى أن الخطأ فى استخدام اللغة لا يقتصر على المستوى الفصيح فحسب، بل ينسحب أيضا على المستويات العامية. كل ما فى الأمر أننا، بسبب عدم وعينا بقواعد العامية، ولأن الأحاديث اليومية التى نستخدم فيها اللهجات العامية ليست مناسبات رسمية، لا نلتفت للخطإ فيها، وبخاصة أننا لا نبتغى فيها المتعة والأناقة كما فى الفصحى، بل نكتفى منها عادةً بمجرد التفهيم وتوصيل الفكرة التى نريد الحديث عنها بأى سبيل. بالضبط مثلما لا نلتفت لخطإ من تخطئ فى المشى، بينما نتنبه بحدةٍ لمن تخطئ فى حركات الرقص مثلا، ومثلما لا نلتفت لإهمال المرأة فى لبس مباذل البيت، على حين تكون أعيننا مُفَنْجَلَة لأى تقصير فى طريقة ارتدائها لملابس السهرة... إلخ. إننا فى الواقع لا نكف عن البابأة والتأتأة والفأفأة والتلعثم والتردد وقطع الجملة قبل تمامها واستخدام الكلمات فى غير موضعها واللجوء إلى كثير من جمل الحشو لملء الفراغات فى أحاديثنا العامية اليومية، وكثيرا ما نخطئ أيضا فى نطق هذا اللفظ أو ذاك، وتركيب هذه الجملة أو تلك، بيد أننا لا نتنبه لذلك ولا نلقى إليه بالا لأن اللهجة العامية لا علاقة لها بالرسميات ولا يُقْصَد بها إلى الإمتاع، وليست لها فى أذهاننا قواعد واضحة كالفصحى نضعها نصب أعيننا لنتحاكم إليها. ويوم تصبح رسميا، لا قدر الله، هى لغة الكتابة والمحاضرات والندوات والصحافة والإذاعة وندرس قواعدها فى المدارس والجامعات، فعندئذ سوف نتنبه لما نقترفه فيها من أخطاء! وكل هذا رغم أننا لا نكفّ لحظة عن استعمالها، على عكس الفصحى التى لا تستخدم إلا فى التأليف والمحاضرات والندوات والخطب وما أشبه! وبالمناسبة فقواعد العامية كثيرة ومعقدة على عكس ما نظن. أقول هذا من واقع قراءتى لقواعد بعض اللهجات العربية، ومنها لهجتنا المصرية التى أذكر أنى راجعت آجُرّوميّتها، أيام أن كنت أدرس للحصول على درجة الدكتوريّة فى بلاد جون بول، فى كتاب وضعه أحد الضباط الإنجليز على عهد الاحتلال البريطانى لمصر يقع فى عدة مئات من الصفحات الممتلئة بكثير من التفصيلات والاستثناءات التى ليس لها ضابط، مما يسبب للذهن الدوار... وهَلُمَّ جَرًّا.وحجة كاتبنا فى المناداة بالتغيير الذى يدعو إليه هى أن العربية الفصحى لم تتطور قواعدها منذ خمسة عشر قرنا بحيث لم تعد ملائمة للتعبير عما نريد فى عصرنا هذا(ص 13، 55، 71)، بل إنه ليدّعِى أن العرب قد هجروا فصحاهم تماما(ص 135). وإنا لنسأله: متى وكيف عجزت اللغة الفصحى عندنا عن مجاراة العصر أو التعبير عن أية فكرة أو عاطفة نريد التعبير عنها؟ هاهى ذى الكتب تصدر فى بلاد العرب فى كل التخصصات مكتوبة بالفصحى، ولم نسمع أن أحدا قد شكا من أنه عاجز عن التعبير من خلالها عما يريد لا فى الفلسفة ولا فى الطب ولا فى الجيولوجيا ولا فى الكيمياء ولا فى الطبيعة ولا فى القانون ولا فى الاقتصاد ولا فى السياسة ولا … ولا… رغم أننا لسنا فاعلين حضاريا فى هذه الطور المخزى من تاريخنا بل مجرد متلقين فى معظم الأحوال. فما بالنا لو أننا كنا من المبدعين مثل أسلافنا فى أيام عز الحضارة العربية حين كان العالَم يتعلم على أيديهم ويفتح آذانه وأعينه وقلبه لما يقولون؟ ثم هاهو ذا كاتبنا نفسه قد ألف كتابه بهذه الفصحى التى ينعى عليها عجزها وتخلفها! أليس هذا هو التناقض بعينه؟ ومن قبل ردد سلامة موسى هذه الفرية التى افتراها جماعة من المبشرين والمستشرقين ممن يسوؤهم أن يَرَوُا القرآن أمام أعينهم فهم يعملون بكل ما عندهم من كيد وخبث على محوه عن طريق تدمير اللغة التى نزل بها، وهى اللغة الفصحى. وكان سلامة موسى، ومن قبله بعض شياطين الاستشراق والتبشير، يَدْعُون بدعوتهم الإبليسية مستخدمين هذه الفصحى التى يزعمون بشأنها المزاعم والأباطيل! والذى قرأ سلامة موسى يعرف أنه كثير الكتابة فى موضوعات العلوم الطبيعية والنفسية والفلسفية الحديثة، فبأية لغة يا ترى كتب ما كتب فى هذه الموضوعات؟ لقد كتبها بالفصحى! ومع هذا كان يردد دائما فى إملال مزعج كاذب أن هذه اللغة هى لغة قديمة لا تصلح أن تكون وعاء للعلوم العصرية. فأَنَّى لنا أن نصدّق هذا السخف الفِجّ؟ ويستطيع القارئ أن يجد كلامه ذاك التافه فى كتابه "البلاغة العصرية واللغة العربية"( المطبعة العصرية/ 1953م/ 49ـــ 51). إن مزاعم هذا الرجل ليس لها من معنى إلا أن اللغة الفصحى قد وردت إلينا الآن لتوّها من الماضى البعيد، وعلينا أن نستعين بها فى التعبير عن علوم العصر وأفكاره وهى لا تزال بعَبَلها، أو كما كان قدماؤنا يقولون: لا تزال بعُجَرها وبُجَرها! وكأنها ليست ذات تاريخ طويل مرّت فيه بتطورات هائلة جعلتها فى كل مرحلة من مراحله قادرة تمام المقدرة على التعبير عن كل ما يريد منها أصحابها لم تخذلهم يوما! ومما قاله ذلك الرجل أيضا فى معرض الزراية على الفصحى والتنفير والتحقير منها بصريح القول ودون أية تورية أو تجميل أن اللغة عند زكى مبارك وابن عربشاه والحكومة المصرية "ليست لغة الديمقراطية والأتومبيل والتلفزيون بل هى لغة القرآن وتقاليد العرب"(المرجع السابق/ 54). وكان كلامه هذا تعليقا على قول زكى مبارك (والعهدة عليه) إن المرأة لا تستحق إلا الضرب بالحذاء، وعلى استنكار المؤرخ المسلم ابن عربشاه لخلوّ مراسلات جنكيز خان من عبارات التبجيل والتفخيم التى كان يجرى عليها الإنشاء الديوانى فى عصور التخلف الأدبى، وعلى ما يقوله هو من أن الحكومة المصرية عندما أنشأت كلية دار العلوم لم تسمح للنصارى بالالتحاق بها. فانظر كيف جاءت إشارته إلى القرآن فى هذا السياق المسىء الذى يراد منه اتهام كتاب الله العظيم بأنه يناقض الديمقراطية والعلوم العصرية والتسامح الدينى واحترام المرأة! وانظر كذلك إلى هذه اللدغة السامة فى دعواه الكاذبة بأن العربية التى وصلتنا عن آبائنا وجدودنا غير صالحة للتعامل مع المعارف العلمية الحديثة، إذ يقول: "لم يكن المجتمع العربى القديم يعيش على المعارف والمنطق إلا فى أقله، وكان يعيش على العقائد والغيبيات فى أكثره، ولذلك يشقّ علينا فى مجتمعنا أن نؤدى المعانى للمعارف المادية لأن لغتنا حافلة بكلمات الغيبيات والعقائد دون كلمات العلوم الجديدة"(السابق/ 51). ووجه التدليس والكذب فى هذا الكلام أنه يضع العقائد والغيبيات (الإسلامية طبعا، وليس غيرها) فى مواجهة المعارف والمنطق. فهذه واحدة، ولست محتاجا إلى أن أنصّ للقارئ على هدفه الخبيث من وراء ذلك. والثانية أنه يتجاهل بكلامه هذا الميراثَ اللغوىَّ العظيمَ الذى ورثناه عن عصور الازدهار العلمى من تاريخنا الحضارى فى مجالات الطب والحساب والكيمياء والطبيعة والفلك والهندسة والفلسفة والجغرافيا والمنطق... إلخ. وقد نقل كاتبنا(ص 40) قول سلامة موسى عن العربية إننا "قد ورثناها من بدو الجاهلية فى عصر الناقة، ويراد لنا أن نتعامل بها فى عصر الطائرة"، وأبدى موافقته على هذا الحكم، وإن كان قد احترز بأنه، على عكس سلامة موسى، لا يريد استبدال العامية بالفصحى(ص 40ــ 41). ولا أدرى أىّ خَبَلٍ قد أصاب عقل موسى، الذى كان كثير الطنطنة بالعلم ولا يكف عن التنفج بأنه كاتبٌ عصرىٌّ بل مستقبلىّ، فكل اللغات ترجع إلى أصول قديمة لا علاقة لها بالعلوم الحديثة، لكنها مع ذلك تتطور لتواجه المواقف الجديدة التى لم يكن لها بها عهد من قبل. أم ترى اللغات الأوربية التى يمجدها فى الفاضية والملآنة قد نزلت من السماء دفعة واحدة كاملة لا ينقصها شىء إلى يوم يُبْعَثون؟ أرجو أن يرى القارئ الفاضل التواء المنطق والذهن عند من يحاربون لغتنا، وغير لغتنا أيضا!ولبنت الشاطئ، رحمها الله، كتاب شديد الأهمية عن تطور اللغة العربية عنوانه "لغتنا والحياة" تتبعت فيه المراحل التى مرت بها هذه اللغة العبقرية منذ العصر الجاهلى إلى العصر الحديث، وكيف انفتحت لها القلوب والعقول مع انتشار الإسلام، وكيف كانت تواجه الظروف والأوضاع والمشاكل التى تقابلها وتنتصر عليها، وكيف أَثْرَتْ واتسعت ألفاظًا وتراكيبَ وصُوَرًا حتى صارت على ما هى عليه اليوم ولم تبق على نفس الوضع التى كانت عليه فى الجاهلية أو فى صدر الإسلام ، بل وَسِعَتْ كلَّ أنواع الفنون والعلوم. وينبغى على القارئ أن يرجع إلى هذا الكتاب كى يكون على ذكر مما حدث للغة الضاد من تطورات هائلة ومتنوعة ويتضح له تدليس من يريدون أن يبيعوا له الترام فى عز النهار متصورين فى أنفسهم الذكاء واللَّوْذَعِيّة، وفيه هو البلاهةَ والغباء. ترى هل يمكن لأى بكّاش أن يدعى أن اللغة التى نكتب بها اليوم هى نفسها اللغة التى كان يستعملها امرؤ القيس كما يقال عادة أو حتى لغة ابن المقفَّع أو الجاحظ أو القاضى الفاضل أو حتى لغة الرافعى أو الزيات مثلا؟ إن العربية لم تكف قطّ عن التطور، ومن يَقُلْ بغير هذا فهو إما واهم لا يدرك ما يقع حوله وإما جاهل وإما غشاش! ترى أيمكن أن يمر يوم بل ساعة بل دقيقة على أى كائن حى دون أن تعتريه التغيرات من كل نوع؟ كلا بالطبع. وهو نفسه الجواب فى حالة اللغة. وردًّا على دعوى من يقول إن اللغة العربية لم تتطور نشير بسرعة إلى توارى آلاف الكلمات عن الأنظار ونشوء آلاف أخرى لم تكن موجودة فيها من قبل، واختفاء ألوان من التراكيب والتعابير والصور كانت لها شَنّة ورَنّة يوما ثم تغيرت الأذواق فاختفت أو كادت. مثلا أين يا ترى ذهب العدد الهائل من الألفاظ الرعوية التى كان العرب الجاهليون يستعملونها؟ لقد اندثرت أغلبيتها ومال الباقى على أسلات أقلامنا وعلى ألسنتنا نحن أهل الحضر إلى الاحتجاب، لأننا لم نعد نعيش فى مجتمع رعوى. وبالمثل أين ذهبت الصيغ القَسَمِيّة التالية: "وَايْمُ الله، أَجِدَّك، عَمْرُك الله، تَرَبِّ الكعبة" أو تركيبات مثل: "إنْ كاد فلان لَيَفْعَل كذا، وكَرِِبَ أن يفعله، واخْلَوْلَقَ أن يصنع كيت، وجعل يصنعه، وجاء القوم أكْتَعِين أبْصَعِين، وقام الطلاب ليس/ أو لا يكون زيدا، وارتفع السحاب متى لـُجَج البحر، وأَجمِْلْ بفلانة، وإنْ كُلُّ مهاجم لمـّّا عليه مدافع"، فضلا عن كثير من صور التنازع والاشتغال المعروفة لدارسى النحو العربى المفصل، وعدد غير قليل من صيغ الأسماء والأفعال مثل: "فِعْلَلّ وفُعَلِّل وفَعَيْلَل وفَعْفَعِيل وفَوْعال وفُعَلْعَل وفِعْلِياء وفَعْلَلَى وفِعَلاّل وفَعَلَّلَى، وفَعْيَلَ وفَيْعَلَ وفَعْوَلَ وفَعْنَلَ وافْعَالَّ وافْعَنْلَلَ وافْعَنْلَى"؟ كما أننا بوحه عام قلما نستخدم الآن صيغ التصغير أو أسلوب الإغراء والتحذير. وبالمثل يندر أن يََصِف أحدنا المنادى العَلَم أو يعطف عليه اسما آخر، أو يستعمل من أدوات النداء"أَىْ" أو "هَيَا" أو حتى الهمزة، أو يستخدم "بَلْهَ" بل نقول عادة: " فضلاً عن". كذلك فنحن نلزم فى الأعلام الحديثة، والأجنبية منها بالذات، السكون فى كل الأحوال، ونكتفى فى عبارة "لا حَوْلَ ولا قوَّةَ إلا بالله" مثلا بفتح اللام من "حول" والتاء المربوطة من"قوة" مهملين الإعرابات الباقية فلا نقول: " لا حولٌ ولا قوةٌ" أو "لا حولاً ولا قوةً"، ولم نعد نستخدم من أخوات "ظَنََّّ" الفعل "دَرَى (أحمدُ أستاذَه عالمـًا كبيرًا)" المتعدّى إلى مفعولين، أو الفعل "أرَيْتُه (العملَ قيمةً كريمةً)" المتعدى لثلاثة فاعيل، بالضبط مثلما لم نعد نستعمل فى الحال قولهم: "جاؤوا الجَمّاءَ الغفيرَ"...وهكذا. ومن ناحية أخرى فقد أخذ المجمع اللغوى بمصر بكثير من التسهيلات فلم يَرُدّ أى لفظ أو تركيب أو عبارة مستجدّة لها وجه من الصحة، ودعا إلى التوسع فى القياس بدلا من العناد الحرون الذى يلجأ إليه بعض المتنطعين فى اعتراضهم على اعتماد القياس فى بعض الاستعمالات الجديدة بشبهة أننا ينبغى أن نلتزم بما ورد عن العرب فى هذه المادة أو تلك الصيغة أو ذلك التركيب ولا نقيس على ما قالوه . وإذا كان الشىء بالشىء يذكر فقد يكون من المناسب أن أقول إنى قد أصبحت بدورى أكثر تسامحا ومرونة تجاه ما يسارع غيرى إلى تخطئته بناء على أنهم لم يقابلـوا هذا الاستعمال من قبل. ورأيى فى هذا الموضــوع أن من الصعب الجزم بأن التركيب الفلانى أو التعبير العلانى خطأٌ ما دام لا يصادم أصلا من أصول اللغة، إذ ثبت لى فى كثير من المواقف أن الاستعمال المَقُول بخطئه ليس فى الحقيقة كذلك، بل كل ما هناك أن المخطِّئ قد تسرع فحكم على ما ليس له به علم، وبخاصة أنه قد صار سهلا الآن أن يكون تحت أيدينا فى دقائق معدودة كل الشواهد الشعرية أو جُلّها وكثير جدا من شواهد كتابات الفحول القدماء فى الاستعمال الذى نكون بصدده بنقرات قليلة على فأرة الحاسوب، وذلك كله ببركة الأقــراص المدمجــة، وهو ما كان علماء العــرب يُفْنُون فيه الأيــام والليالى، وربما الشهور والسنين، كى يضعــوا أيديهــم على بعضه. وأما ما كان ينقص العربية من المعانى والمفاهيم والمصطلحات الجديدة مما كان موجودا فى غيرها من اللغات أو مما توصل إليه علماؤها أنفسهم فإنها كانت تستحدثه أوّلاً بأوّل بطُرُقها المختلفة كالاشتقاق والنحت والتعريب وإضفاء المعنى الجديد على لفظة قديمة...إلخ. وبين يدىّ، وأنا أكتب هذا الكلام، كتاب د.عبد الصبور شاهين: "العربية لغة العلوم والتقنية"، الذى يتناول فيه الجانب اللغوى من التراث العلمى العربى وكيف استطاعت لغة القرآن أن تستوعب العلوم المختلفة فى كل مرحلة من مراحل تاريخها حتى العصر الحديث، إلى جانب قضايا الترجمة وصَوْغ المصطلحات العلمية التى تحتاجها اللغة كلما هلّ عليها علم أو فن جديد. وهو ما يبين أن العربية لم تعجز يوما عن التعبير عن أى فكرة أو مفهوم علمى، على عكس ما يريد إيهامَنا به المتعجلون الذين لا صبر عندهم على التحقيق والتمحيص، أو المقلدون الحاطبون فى حبال أعداء هذه اللغة ودينها. كذلك للدكتور كارم السيد غنيم كتاب فى ذات الموضوع عنوانه "اللغة العربية والصحوة العلمية الحديثة" يحسن بالقارئ الرجوع إليه أيضا لأهميته الشديدة فيما نحن بصدده. فكيف يقال بهذه البساطة إن نحو لغتنا وصرفها لم يعترهما أى تطور؟ لقد تطورا، لكنه التطور الذى لا يمس جوهر اللغة وسماتها الفارقة، بل يحافظ على خطوطها العامة ويُبْقِى على شخصيتها. أما ما يريده الكاتب من تطوير فما هو فى الحقيقة بتطوير بل تغيير لملامح اللغة وروحها، وهو كفيل ببتّ الصلة بيننا وبين اللغة التى عرفها أسلافنا وآباؤنا طوال الخمسة عشر قرنا الماضية أو يزيد، وكذلك الآداب والعلوم التى كُتِبَتْ بها، وقبل هذا وذاك القرآن المجيد. لماذا؟ لأنه يريد أن يلغى، وإلى الأبد، أبوابا من النحو والصرف لا غنى للغة ولا لنا عنها، أما ما توارى من الاستعمالات القديمة مما تحدثتُ عنه آنفا فإنه لم يُلْغَ، بل مازال موجودا فى مستودع اللغة بحيث نستطيع أن نستخرجه متى وجدنا أننا بحاجة إليه. فهو يمثل إذن مخزونا إستراتيجيا ينفعنا وقت الضيق، علاوة على أن هناك تحت أيدينا بدائل تغنى عنه بحيث لا تفقد اللغة شيئا أساسيا منها: فـ"اخلولق" مثلا تنوب عنها "عسى"، و"إنْ...لـمّا" نستعيض عنها بـ"ما ... إلا"، و"دَرَيْتُ سعيدا وفيًّا للعهد" يمكن أن نقول بدلا منها: "تيقنت/ تأكد لى أنه وفىٌّ للعهد"، وبالمثل يمكننا أن نقول: "ما أجمل فلانة" عوضا عن" أَجْمِِلْ بها"... وهكذا. أما إذا حذفنا التثنية والتأنيث والإعراب مثلا من لغتنا إلى الأبد، فماذا نحن فاعلون عندئذ؟ويا ليت الأمر يقتصر على هذا الذى يقترحه أ.الشوباشى، فالواقع أن كل من لا تعجبه اللغة العربية له اقتراحاته التى يريد لىّ عنقها إليها، فما العمل إذن؟ أنأخذ بكل تلك المقترحات؟ إذن ففى ضربة واحدة لن يبقى من قواعد اللغة التى نعرفها شىء تقريبا! أم نأخذ مقترحات البعض ونهمل مقترحات البعض الآخر؟ ولكن على أى أساس سيكون قبولنا أو رفضنا؟ لقد سبق أن نادى قاسم أمين مثلا فى كتيّبه المسمَّى:" كلمات" بتسكين أواخر الألفاظ. كما نادى عبد العزيز فهمى باصطناع الحروف اللاتينية، وله كتاب فى هذا الموضوع اسمه "الحروف اللاتينية لكتابة العربية". وتابعه فى ذلك سلامة موسى، الذى نادى أيضا بإلغاء المثنى، وبالتذكير والتأنيث فى الجمادات والمعانى والأعداد أسوة بالإنجليزية (البلاغة العصرية واللغة العربية/ 102 وما بعدها). ونادى طه حسين فى كتابه "نقد وإصلاح" بأن نكتب الألفاظ كما ننطقها، وهو ما من شأنه إرباك اللغة وإملائها على السواء تمام الإرباك. وألقى أمين الخولى محاضرة عن التجديد فى النحو عام 1943م نادى فيها بتنوين كل الأسماء وإلغاء باب "الممنوع من الصرف" إلى غير رجعة، وإعراب المثنى بالألف دائما، وإلزام "أبوك وأخوك" الواو باستمرار، وإجراء جمع المذكر السالم فى كل أحواله مجرى كلمة "حين"، أى بالياء والتنوين مثل الاسم المفرد. ويمكن قراءة هذه المحاضرة فى كتابه "مناهج تجديد فى النحو والبلاغة والتفسير والأدب". وقبل هذا كله نادى بعض المستشرقين والمبشرين، مثل ولهلم سبيتا وسلدين ولمور ووليم ولكوكس، بهجران الفصحى واستبدال العامية بها، وتابعهم فى هذه الدعوة المشؤومة بعض العرب من مسلمين ونصارى: ومنهم عثمان صبرى، الذى ألف فى ذلك بحثين على الأقل وطبق دعوته فى روايتين كتبهما على النحو الجديد الذى اقترحه بلغة متكلفة مصطنعة، ولويس عوض، الذى كتب "مذكرات طالب بعثة" بلغة لا ندرى من أين أتى بها، لأنها لا تشبه أيا من العاميات التى نعرفها، وسعيد عقل الصليبى اللبنانى الذى كان يريد، لا تَرْك الفصحى فقط، بل إحياء النزعة الفينيقية أيضا من بعد أن أجحمها الله... ترى ما الذى يبقى من لساننا العبقرى بعد هذا كله؟ وما سر هذه الدعوات المحمومة التى انطلقت أول ما انطلقت من قِبَل المستشرقين والمبشرين؟ إنهم يزعمون أن الفصحى لا تستطيع استيعاب العلوم الحديثة أو التعبير عنها؟ فهل يا ترى تستطيعه اللهجات العامية المتخلفة التى لا تاريخ لها على الإطلاق فى مجال الآداب أو العلوم أو الفنون، اللهم إلا بعض الأزجال قديما فى الأندلس، وهذه الأغانى والمسرحيات التى نسمعها فى المذياع أو نشاهدها على المسرح أو فى المرناء فى عصرنا الحالىّ، ثم الأمثال الشعبية، وهذا كل ما هنالك؟ ثم ما القول فى هذه الآلاف المؤلفة من الكتب والبحوث والمقالات والدراسات والمحاضرات والأحاديث العلمية التى صبها أصحابها فى قالب الفصحى ولم يَدُرْ فى خَلَدهم للحظةٍ أن يكتبوها بالعامية؟ أَوَعلينا أن نلغى عقولنا ونصدق هذا التدليس؟ إن مثل هذه الشبهات لا تجوز على أى شخص له عقل فى رأسه.والآن نريد أن ننظر فيما قاله كاتبنا لنناقشه. ولكن لا بد أولا من إيضاح نقطة على جانب كبير من الأهمية، فقد يستغرب بعض القراء موقفى هذا الذى يبدو متشددا ويتصورون أنه مبالغة فى الخوف مما لا مخافة فيه. والواقع أن المسألة ليست كما تبدو للعيان، إذ إن هذه الخطوة التى يدعونا المؤلف إلى اتخاذها هى بمثابة خلع الطوبة الأولى فى الجدار، التى إن تم خلعها كان خلع الأحجار الباقية أسهل شىء فى الوجود كما هو معلوم، فمعظم النار من مستصغر الشرر، ورحلة الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة. وهناك مثالان قريبان جدا خبرتهما بنفسى، إذ صدر منذ عامين كتاب يحمل فيه صاحبه على سيبويه ويدعو إلى نبذ الإعراب والفصحى والاستعاضة عنها بالعامية، وفكرتُ فى كتابة رد عليه رغم أن أحدا لم يسمع به من قبل ورغم ما يعكسه الكتاب من جهل مبين وتهور أحمق. وكان رأى بعض من عرفوا بنيّتى أنه لا داعى لأن أشغل نفسى بشخص مثله ليس على شىء من العلم. إلا أننى كان لى رؤية أخرى، فقد تنبهتُ إلى مغزى أن تنشر له كتابَه التافهَ دارُ نشرٍ كبيرةٌ مشهورةٌ وفى حلةٍ جذابةٍ فاخرة، وأن يكتب عنه بعض الصحافيين واصفا إياه بأنه حلقة فى سلسلة اللغويين الكبار بدءا بابن جنى، وانتهاء بإبراهيم اليازجى. المهم أننى، بعد أن أصدرت بعدة أشهرٍ كتابى "دفاع عن النحو والفصحى ـــ الدعوة إلى العامية تطلّ برأسها من جديد"، الذى فنَّدْتُ فيه الهراء الماسخ الذى هرف به صاحبنا، علمت من أحد الأصدقاء أن ذلك الجاهل المتهور قد أصدر كتابا آخر يهاجم فيه كتب الأحاديث والمحدّثين، على الرغم من أنه كان حريصا، أثنـــاء هجومه على النحو وسيبويه، أن يطمئننــا بأن دعوته لا تَمَسّ الدينَ بأى سوء. وهاهو ذا الدين قد مسَّه هو نفسه لا سواه من خلال إنكاره الأحاديث النبوية التى تمثل المصدر الثانى للتشريع فى الإسلام ، ولم تمرّ على طمأنته الكاذبة لنا إلا سنتان اثنتان لا غير. والبقية تأتى! كذلك كنت قد لاحظت، فى ثمانينات القرن الماضى، ما يكتبه خليل عبد الكريم من مقالات فى جريدة "الأهالى" يدعو فيها إلى وجوب النأى بالدين عن ميدان السياسة والاقتصاد والاقتصار منه على جوانب العبادة والأخلاق حفاظا على قدسيته وطهارته كما يقول هو وأمثاله، وكأن الدين لم ينزل لتطهير السياسة والاقتصاد مما يخالطهما من رِجْس، بل لنلفّه فى ورق سلوفان ونضعه على الرفّ كى نمتِّّع أبصارنا به أو لنبلّه ونشرب منقوعه على الريق. ثم وجدتُ بعد ذلك بقليل أنه شرع يلمز هذين الجانبين أيضا، لِيُثنِّىَ بالتنقص من الصحابة، مع بعض الخبطات من تحت لتحت فى شخص النبى علبه السلام، وهو ما استفزنى للرد عليه وإظهار جهله ونياته السيئة فى كتابى "اليسار الإسلامى وتطاولاته المفضوحة على الله والرسول والصحابة". ثم كشف الرجل الغطاء تماما عن مقاصده وظهر كتاب باسمه يقول فيه عن سيد النبيين والمرسلين إن خديجة بنت خُوَيْلِد وورقة بن نوفل هما اللذان أعدّاه للنبوة وصنعاه صناعة، وإن خديجة قد "صَنْفَرَتْه وقَلْوَظَتْه" (هكذا بالنص على أسلوب الحُوذِيّة والحشاشين)، فدفعنى هذا مرة ثانية إلى الرد على قلة الأدب تلك فى كتاب بعنوان "لكنّ محمدا لا بَوَاكِىَ له" عبّرت فيه عن شكِّى القوى فى أن يكون مؤلفه شخصا ينتمى إلى أسرة مسلمة مهما يكن رأيه الحقيقى فى دين محمد، ورجَّحْتُ، بناء على أسبابٍ رأيتُها جِدّ وجيهة، أن يكون وراءه مبشر رقيع يتنقّب بالاسم المذكور على الغلاف، برضا صاحبه طبعا! ثم هاهو ذا مؤلفنا، على رقته ودماثة نفسه كما قلت، قد وقعتُ له على عبارة عارضة، لكن لها دلالتها الخطيرة، إذ وجدته يقول فى الصفحة المائة والعشرين، زاريا على من سماهم "الذين يفرضون مرجعياتٍ سَلَفِيّةً لكل قضايا المجتمع ومشكلاته المستعصية"، إنهم "يقحمون الدين الحنيف فى كل شىء. ليس فى السياسة فقط، لكن فى التعاملات اليومية والعلاقات الاجتماعية والقوانين وقواعد السلوك العام". ترى يا إلهى ما الذى يتبقى من "الدين الحنيف" بعد أن ننحّيه عن ميدان السياسة والقوانين والسلوك العام والعلاقات الاجتماعية؟ أسيظل بعد هذا "دينا"، و"حنيفا" أيضا؟ إننا نشمئز من شرب الخمر ومن لحم الخنزير والزنا واللواط والسحاق والتعامل بالربا بسبب نهى الشريعة المغلظ عنها، ونحترم الكبير ونصل الرحم ونغض البصرعن التطلع إلى النساء ونأكل بيمنانا ونسمى الله عندئذ ونحمده بعد الفراغ من الطعام لأن ديننا قد حث على ذلك، ونستهجن تبرج المرأة أو تشبُّهها بالرجال أو تشبُّه الرجال بها لأنه غير مقبول فى دين محمد، ونستحرم الربا لأنه ممنوع فى القرآن والسنة، وقوانيننا فى الزواج والطلاق والميراث مثلا مستقاة من الإسلام...وهكذا. فهل يريد المؤلف منا أن نلقى كل هذه الأوامر والنواهى وراء ظهورنا أم ماذا ؟ والآن مع مقترحات أ.الشوباشى: وأول شىء نقف عنده ما قاله بشأن المفعول به، ونصّه: "ولعل من أبرز أسباب تعقيد العربية ووقوع الغالبية فى شرك الخطإ هو المفعول به. والمشكلة أن المفعول به فى العربية لا يُعْرَف من مكانه فى الجملة، وإنما من إعرابه، وبالتالى من تشكيله. وأرى أنه من الأقرب إلى المنطق أن نقول مثلا: "رأيت رجلْ طويلْ يأكلْ خبز" بدلا من "رأيت رجلا طويلا يأكل خبزا". والسبب الوحيد الذى يجعلنا نتمسك بالمفعول به "مُنَوَّنًا" هو أننا ورثناه من نحاة العصور السالفة وأصبح مألوفا لآذاننا. لكنه من غير المنطقى أن نقبل هذا السبب ونستكين لثقافة الأذن. وإذا قلنا: "رأيت رجلْ طويلْ يأكلْ خبز"، فهل يؤدى هذا للقارئ أو المستمع أى التباس فى المعنى؟ وبغير مكابرة فإن الغالبيية العظمى يخطئون فى المفعول به عند الكتابة، كما أنهم لا يفهمون معنى بعض الجمل غير المشكَّلة بسبب ذوبان المفعول به وسط مفردات الجملة حيث إن تركيبة اللغة العربية لا تحدد له مكانا محسوبا ومعروفا سلفا"(ص172).وتعليقى على هذا هو أن المسألة التى يتكلم عنها الأستاذ غير مقصورة على المفعول به، بل تشمل تقريبا كل الأسماء والأفعال المضارعة أيضا، إذ إن وظائف الكلمات فى لغتنا لا تتضح أساسا إلا بضبطها. كما أننى لا أفهم تخصيصه "التنوين" بالذات باعتراضه، والمفعول به وغير المفعول به لا ينوَّن فى جميع الحالات كما هو معروف؟ فهذا دليل آخر على أن المسائل فى ذهنه غير واضحة. أما بالنسبة لثقافة الأذن التى يعدّها من عيوب العرب فعلينا أن نلاحظ أنه يتكلم، لا عن عرب الجزيرة وحدهم، بل عن المصريين والعراقيين والشوام والمغاربة والسودانيين ، فهل هؤلاء جميعا ثقافتهم أذنية مع أن أغلبهم لم يكونوا يوما أميين يعتمدون فى آدابهم ومعارفهم على الأذن والحفظ والمناقلة الشفوية بالمعنى الذى نقصده حين نتكلم عن العرب الأصلاء أيام الجاهلية؟ وحتى بالنسبة للعرب الأصلاء، أيظن أنهم ظلوا لا يتطورون حتى بعد أن أصبحوا سادة الدنيا فى العلوم والآداب؟ لقد كان الأوربيون إلى قرون قليلة خلت متخلفين ومتوحشين بطريقة مزرية، وكان العرب الذين لا يعجبون مؤلفنا الآن يسخرون منهم ومن جهلهم وخشونتهم. فهل نظل ننعتهم بأنهم متوحشون أميون إلى أبد الآبدين؟ ثم ما العيب فى الاعتماد على الأذن فيما ينبغى الاحتكام إلى الأذن فيه؟ إن التنوين، بلا شك، يضفى على الكلمة موسيقية يجعلها أجمل وأقدر على غزو القلوب، فهل نتخلى بهذه البساطة عن التنوين، وبخاصة أن آذاننا، كما تقول، قد ألفته؟ إن اقتراحك هذا يذكرنى بالتركى الذى اشترى بعض القُلَل ووضها أمام بيته، ثم جلس إليها، وكلما مر أحد السابلة من خلق الله الغَلابَى من أمثالى ومدّ يده إلى واحدة منها ليبلّ ريقه الناشف أسرع التركى فنهره قائلا، وهو يشير إلى قُلَّة أخرى بعيدة: "اترك هذه، واشرب من تلك!". طيب! ثلاثة أيمان بالله العظيم يا أستاذ شوباشى ما أنا شارب إلا من القُلّة التى أُحِبّ، والذى تريد أن تعمله، اعمله!إن المعيار الذى تتخذه هنا هو أن تؤدى الكلمة المعنى، والسلام. لكن من قال إن هذا معيار سليم فى كل الأحوال؟ ترى لماذا جئتَ لابسًا بدلةً ورباط رقبة وكنت على سِنْجَة عشرة يوم تسجيل الحلقة التلفازية الخاصة بمناقشة كتابك؟ لقد كان يكفى أن تلبس مثلى قميصا وسروالا. لا، بل إنه ليكفى أن يضع الواحد منا خرقة على جسمه إذا أراد الخروج للشارع! لا، بل إنه ليس للخرقة أي داع فى أوقات الحر، ولْيخرج الواحد منا كما ولدته أمه، على الأقل لنوفر العملة الصعبة التى نشترى بها آلات الغزل والنسيج أو التى نشترى بها الملابس الجاهزة حتى لو كانت من المنتوجات الصينية التى أسعارها فى متناول أى كحيان عدمان، وأنت سيد العارفين بأن بلادنا فى حاجة إلى كل دولار نُدبِّقه كى يهبش الملايينَ أىُّ لص من خريجى مدرسة " خذ الفلوس واجْرِ" من شاكلة المرأة الحديدية! (المرأة الحديدية من الطبعة المصرية لا الإنجليزية من أمثال مسز ثاتشر، التى ظُفْرُها برقبة ألف ممن يُسَمَّوْن بـ"الرجال" من العالم السَّكّة الذى يدعونه: "العالم الثالث" رغم كراهيتى الشديدة لها ولعنجهيتها ولوقوفها ضد قضايانا). ومرة أخرى أقول: لماذا يا ترى نحرص فى الحفلات والمناسبات السعيدة على تزيين المائدة عندما نجلس إلى الطعام، وعلى إضاءة الشموع الخافتة بدلا من الثريا التى اشتريناها بالغالى ودفعنا فيها شيئًا وشويّات، وعلى تشغيل موسيقى هادئة من النوع الكلاسيك التى يغرم بها من لا يعجبهم من المثقفين "نِصْف لبّة" موسيقانا من عزف خالد الذكر المعلم حسب الله حتى يقال عنهم إن ذوقهم أوربى، ويقوم على تقديم الطعام لنا جرسونٌ أنيق يرتدى بابيونة فى رقبته وينحنى فى كل مرة بأدب يفقع المرارة بل يفلق الحجر، واضعا طَبَقًا وراء طبق وعلى راحته تماما (ولماذا العجلة؟ هل سيفوته ا لقطار؟)، ونحن نبتسم له رغم أن عصافير بطوننا لا تكفّ عن الزقزقة وتود لو نَزَلَتْ على الطعام "حَتَتَك بَتَتَك" غير مبالية بهذا الذى يسمونه: "الإتيكيت"، لعنة الله عليه؟ ألم يكن يكفى أن يُدْلَق الطعام على الأرض دَلْقًا، وعلى كل من يريد أن يأكل أن ينبطح على بطنه ويلعقه كما تفعل القطط مثلا؟ ألم نكن سنشبع؟ أم كان الطعام سيقول: لا؟ ولماذا كذلك الرقص والغناء؟ ألا يكفى أننا نمشى ونتكلم ونصيح؟ ألا بد من الحركات والأصوات الموقَّعة؟ ولماذا كل هذه القواعد الكثيرة المعقدة التى يتحكم بها أهل الفيفا فى لعبة الكرة ؟ لقد كان الناس قديما يلعبونها كيفما اتفق فيركل الواحد منهم الكرة أو خُصْيَتَىْ غريمه: لا يهم! كُلّه ماشٍ! وكان الذى ينكسر من اللاعبين أو حتى يموت يروح فى ستين ألف داهية دون أن يسأل عنه أحد أو يدفع له دية، فما الذى جعل خبراء الفيفا يحشرون أنوفهم فى أمور الكرة ويحرمون الناس من الحرية التى كانوا يتمتعون بها فى ممارستها؟ إنها الحضارة، كما تعرف، والرغبة عند أهل الذوق الراقى فى المتعة يا أستاذ. ولكنك تتجاهل ذلك عند مناقشتك لأمور النحو العربى! وأرجو ألا يقول لى أحد: وهل أوربا غير متحضرة، وليس عندها إعراب؟ فجوابى جاهز، وهو أن هذه مسألة أذواق، وهم لهم ذوقهم، ونحن لنا ذوقنا، مثلما لهم نبيهم، ولنا نبينا، وكل من له نبىّ يصلى عليه! وفوق ذلك فالإعراب فى لغتنا يعطيها مرونة عجيبة فى بناء الجملة لا تتوفر فى أية لغة أخرى، فترانا نقدّم ونؤخّر، ونحذف ونَذْكُر حسبما تقتضيه البلاغة. كما أن التشكيل جزء أصيل فى الإملاء العربى، على الأقل لإزالة الالتباس كما لا بد أن يكون القراء قد لاحظوا ذلك فيما أكتب، وإن كنت أسرف قليلا فى هذا السبيل. أما اللغات الأوربية التى ترى أنها هى المثال الذى ينبغى أن نحتذيه فهى لغات متيبّسة الحركة كالذى فى رقبته خشونة أو غضروف، فهو لا يستطيع أن يتلفت براحته، بل عليه أن يظل ناظرا قدامه، أو كالقطار الذى لا يمكنه إلا أن يجرى فوق القضبان وإلى الأمام فقط آخذا كل شىء فى وجهه، لكن ليس على طريقة قطار كَفْر الدوّار الذى دخل فى البيوت والدكاكين وحصد من الأرواح ما لا أعرف عدده الآن. أتذكرونه؟ والله إنى لحزينٌ وآخذٌ على خاطرى منك كثيرا يا أستاذ شوباشى، فأنت ابن الرجل الذى أمتعنا، ونحن شبانٌ، بأسلوبه العذب الذى يغزو القلوب غزوا سواء فى ذلك مؤلفاته أو مترجماته. لا عليكِ يا لغتنا العبقرية الفاتنة! غدًا، حين نزيح غُمّةَ التخلف والكسل عن كواهلنا وسوادَ خزيه عن وجوهنا، يأتيكِ من يقدّر جمالك وأناقتك وسحرك ودلالك وأصالة البيت الذى أنت منه ويدفع فيك المهر الذى تستحقين! صحيـح: لم يجـدوا فى الورد عيبا فقـالوا له: يا أحمـر الخـدين! ونأتى إلى اقتراح كاتبنا بحذف التأنيث. وأذكر أن د.عبد المنعم تليمة قد دافع، فى حلقة التلفاز التى تكررت الإشارة إليها آنفا، عن هذا الرأى قائلا إننا الآن فى عصر يهتم بحقوق المرأة ولا يقبل أبدا أية تفرقة بينها وبين الرجل. وعلى هذا فلا بد أن تُعَامَل كالرجل سواءً بسواءٍ فى الضمائر والأسماء والصفات. وقد رددتُ على ذلك بالقول بأن الله جعل كل الأحياء ذكرا وأنثى، ويوم أن يتوصل العلماء إلى جعل البشر جنسًا واحدًا لا هو ذكر ولا هو أنثى، فعند ذلك سوف تختفى تلقائيا ظاهرة التأنيث. أما قبل ذلك فلا أدرى سببا للمناداة بإلغائها. ثم أضفتُ أن حقوق المرأة وحرصها على التميزعن الرجل وعدم الخضوع له يقتضى منا أن نُفْرِدها بضمائرَ وصيغٍ اسميةٍ ووصفيةٍ خاصّةٍ بها، وإلا كانت مجرد ظل لِسِى السيّد فنعبّرعنها بما نستعمله له دون تفرقة. ثم إن التأنيث موجود مثلا فى اللغة الفرنسية التى يتقنها الكاتب، لا فى الضمائر والأسماء والصفات فقط، بل فى أدوات التعريف والتنكير أيضا، على خلاف ما عندنا، إذ لا تعرف لغتنا إلا أداة تعريف واحدة للمذكر والمؤنث إفرادًا وتثنيةً وجمعًا، أما التنكير فليس له لدينا أداة. كما أن لتأنيث الأسماء والصفات فى لغة فولتير قواعد متعددة حسبما هو معروف. لكن البعض قد يعترض بأن المنطق كان يقتضى اتفاق العدد عندنا فى التذكير والتأنيث مع الاسم المعدود فنقول: "تسعة نساء، وتسع رجال"، لا العكس. ولا أحب أن أضيع وقتى ووقت القارئ ووقت المعترض فى مناقشة مثل هذا الاعتراض، بل أختصر الكلام اختصارا وأقول: هذا الذى كان، وهذا الذى حصل، ويستوى من حيث الصعوبة أو السهولة أن نخالف بين العدد والمعدود أو نوافق. المهم أن هناك قاعدة تحكم هذا، وأن الأمر ليس فوضى. وليس من المعقول أن نأتى للغتنا كل فترة فنعبث بها حتى تصير كالخرقة الممزقة. وبالمناسبة فليست هناك لغة فى الأرض أهلُها راضون عنها تمام الرضا حتى ولا الإنجليزية، التى تعانى من عيوب كثيرة جدا على عكس ما يوحى به كلام الأستاذ الكاتب. وكما أكرر دائما، فالعبرة بالتكرار والتعود، وكل صعبٍ لا بد أن يَذِلّ ويُسْلِس قيادَه لمن يَرُوضه بالاهتمام والجِدّ والحرص على الإتقان. وقد أُثيرت مسألة إطلاق كلمة "أستاذ" بصغتها المذكَّرة هذه على بعض دكتورات الجامعة، ودافع الدكتور تليمة عن هذا الصنيع. لكنى أرى أنه مجرد تقليد ممسوخ للغة جون بول، التى لا يصح اتخاذها هى أو غيرها مثالا أعلى للغتنا الدقيقة الأنيقة المصفاة من كل أثر للخشونة الموجودة فى الإنجليزية أو غير الإنجليزية. إن هذا يذكّرنى بما صنعه بنو إسرائيل فور نجاتهم من بطش فرعون، الذى رَأَوْه بأم أعينهم يغرق مع جنوده ومَلَئه لكنهم لم يتعظوا، إذ ما إن أتَوْا فى سيناء على قوم يعكفون على أصنام لهم حتى صاحوا بنبيّهم قائلين: "يا موسى، اجعلْ لنا إلهًا كما لهم آلهة. قال: إنكم قوم تجهلون* إن هؤلاء مُتَبَّرٌ ما هم فيه، وباطلٌ ما كانوا يعملون"(الأعراف/ 139ـ 140). كذلك أذكر أنه كانت لجيراننا بنتٌ حلوةٌ جدا حباها الله شعرًا وَحْفًا ناعمًا جميلاً يصل إلى خَصْرها ويضفى عليها مزيدا من الفتنة والبهاء، لكنها بنَزَقها وقلة عقلها أبت إلا أن تقصّه آلاجَرْسُون تقليدا لصديقة لها شعرُها شائك كالليفة الجديدة ظلت تزنّ عليها وتغريها بذلك غيرةً من شعرها الفاتن الجميل. وعبثا حاولت أمها أن تبصّرها بسوء رأيها، فقد كانت، كما قلت، قليلة العقل عنيدة. ثم رأيناها بعد أن نالت مرادها وقد فقدت شيئا كثيرا من حلاوتها وفتنتها. ولكنْ على من تقرأ مزاميرَك يا داود؟ومن بين ما أخذه المؤلف على الفصحى وجودُ التثنية فيها. ولست فى الحق أدرى كيف يمكن أن تكون هذه السمة مَعَابة تؤخذ على لغة القرآن، إذ هى دليل على الدقة، فبدلا من أن تتعامل مع ما يزيد على واحد نفس المعاملة نراها تفرق بين الاثنين وما هو أكبر من ذلك. والأستاذ المؤلف يتخذ من اللغات الأوربية هنا أيضا معيارا يعاير به لغتنا، ناسيا أن لكل لسان شخصيته وأوضاعه، فضلا عن أن الحياة ذاتها قد أفردت المثنى بوضع خاص، فالكون كله قائم على التقابلات الثنائية: فاليمين يقابله الشمال، والأعلى يقابله الأسفل، والأمام يقابله الوراء، والذكر تقابله الأنثى، والسماء تقابلها الأرض، والجنة تقابلها النار، والماضى يقابله المستقبل، والبحر يقابله البر…وهكذا. وفى الإنجليزية ما زالت هناك كلمة "both: كلاهما" فى مقابل "all: كلّهم"، وكذلك عبارة "one another: كلاهما الآخر" فى مقابل "each other: كل منهم الآخر"، وهو أمر له دلالته التى لا ينبغى أن تفوتنا. سيقول الأستاذ: لكن الطلبة يضيقون بهذا، فأقول له: ليس للكسالى الحق فى فرض كسلهم على الحياة. إن سقوط الهمة والكسل مسؤولان عن الكوارث المتلاحقة التى تنزل على رؤوسنا منذ قرون، ولا تكاد تترك لنا فرصة لنتنفس ونقبّ على وجه الدنيا. كفانا بلادة وجمود‍‍‍! ولنكن، ولو مرة واحدة، كأجدادنا الذين فتحوا العالم، وليس فى أيديهم غير هذه اللغةِ التى لا تعجب البعضَ والكِتَابِ الذى نزل بها، والذى لا يستطيع أقوام أن يناموا ملء أعينهم رغم كل ما فى أيديهم من سلطان وثروة وقوة وجبروت ما دام هناك من يقرؤه ويؤمن به! أما مبدأ "كله عند العرب صابون" فلا محل له من الإعراب. وهنا ينبغى أن نشير إلى ما جاء فى نهاية كلام المؤلف حول هذه القضية من أن اللهجات العامية قد تخلصت من المثنى تلقائيا وأصبح الاثنان جمعا كما يقتضى المنطق (ص 174). فأما أن المنطق يقتضى هذا فغير صحيح كما سبق أن وضحنا، وأما أن العاميات قد تخلصت من المثنى، فإن كان المقصود أنها تخلصت منه تماما فهذا لم يحدث، إذ ما زلنا نقول فى لغتنا اليومية: ولدين وبنتين وكتابين وورقتين وأستاذين ومدرّستين... إلخ، لكنه صحيح فى مجال الضمائر رغم ذلك.وقد حاول مقدم البرنامج التلفازى الذى نوقش فيه كتاب الأستاذ المؤلف أن يسوّغ ما نادى به من معاملة المثنى معاملة الجمع، فاستشهد بقوله تعالى: "وداودَ وسليمانَ إذ يحكُمان فى الحرث إذ نَفَشَتْ فيه غنمُ القوم، وكنا لحكمهم شاهدين"(الأنبياء/ 78)، وبقول أمير الشعراء مخاطبًا النبى عليه السلام: فإذا رَحِمْتَ فأنتَ أُمٌّ أو أبٌ هذان فى الدنيا هما الرُّحَماءُحيث استعمل القرآن ضمير الجمع فى كلمة: "حكمـهم" لداود وسليمان، وهما اثنان فقط، واستخدم شوقى صيغة الجمع: "الرحماء" فى وصف الوالدين، وهما اثنان أيضا فقط. وكان جوابى أن ذلك ليس بلازم، فكلمة "حكمهم" يدخل فيها أيضا "القوم" الذين احتكموا إلى النبيين الكريمين ، ومن ثم يكون ضمير الجمع عائدا على أكثر من اثنين: داود وسليمان وأولئك القوم. كما أن فى بيت شوقى غرضا بلاغيا مؤدّاه أن رحمة الأبوين هى الرحمة الحقيقية أو تَعْدِل جميع الرحمة الموجودة فى العالم، فكأنهما كل الرحماء فى الدنيا. أى أن الكلام هنا على المجاز لا على الحقيقة. ويمكن أن أزيد أيضا بعض ما أورده المرحوم محمد خليفة التونسى فى كتابه "أضواء على لغتنا السمحة" (كتاب العربى/ 15 أكتوبر 1985م/ 32ــ 35، 178ــ 180) من شواهد تبدو وكأنها تجرى عكس ما أقول، فقد أورد مثلا قوله عَزَّ من قائل: "هذان خَصْمان اختصموا فى ربهم: فالذين كفروا قُطِّعَتْ لهم ثياب من نار... * إن الله يُدْخِل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجرى من تحتها الأنهار..." (الحج/ 19ــ 23)، حيث قال سبحانه: "خَصْمان اختصموا" واصفًا المثنى بالجمع. والرد هو أن الخصمين هنا ليسا فردين كما يُظَنّ، بل جماعتين: هما جماعة الكافرين، وجماعة المؤمنين كما هو واضح من بقية الكلام. وبالمثل احتج، رحمه الله، بالآية الكريمة التالية التى تتحدث عن قصة الخلق والحوار الذى دار بين الله سبحانه وبين السماء والأرض حينذاك قائلةً: "ثم استوى إلى السماء وهى دُخَان فقال لها وللأرض: ائتيا طَوْعًا أو كَرْهًا. قالتا: أتينا طائعِين"(فُصِّلَتْ/ 11)، حيث قال تعالى عن السماء والأرض: "طائعِين" لا "طائعتين". لكن توجيه ذلك سهل غاية السهولة، فالمقصود السماء والأرض وسكانهما أيضا لا السماء والأرض فحسب، ولذلك استخدمت الآية الكريمة جمع المذكر السالم الذى لا يستخدم لغير العاقل إلا فى غرض بلاغى كما هو الحال هنا. ومما يعضد هذا أن القرآن الكريم قد يصف الاسم المفرد من هذا النوع أو يخبر عنه بصيغة الجمع أيضا مما يدل على أن المسألة ليست من باب معاملةً اللمثتى معاملة الجمع. وهذه بعض الشواهد على ما أقول: "فإن حزب الله هم الغالبون" (المائدة/ 56)، ألا إن حزب الله هم المفلحون" (المجادلة/ 22)، "وهل أتاك نبأُ الخَصْم إذ تَسَوَّروا المحراب" (ص/ 21)، "وَدَّتْ طائفةٌ من أهل الكتاب لو يُضِلّونكم"(آل عمران/ 69)، "ولْتَأْتِ طائفةٌ أخرى لم يُصَلّوا فَلْيُصَلّوا معك" (النساء/ 102). والذى أريد أن أقوله من خلال هذا التوضيح أن القواعد النحوية ينبغى أن تكون مُطَّرِدة ما أمكن حتى لا يرتبك من يستعملونها.ومما يعيب به المؤلف اللغةََ الفصحى أيضا الجملةُ الفعلية. وهو متأثر فى هذا باللغات الأوربية التى لا تعرف إلا الجملة الاسمية، مما يذكّرنى بأيام الفقر والعزوبة حين كان طعامنا فى غالب الأحيان شطائر الفول والفلافل وما إليها. فهل هناك عاقل يعرف ما يُصْلِح صحته ويريد أن يستمتع بأذواق الطعام المختلفة التى أنعم الله بها على عباده يستمر على هذه الخطة القَشِفة حتى بعد أن تتيسر أحواله وتتسع قدراته المادية؟ إن وجود لونين من الجُمَل فى "لغتنا الجميلة"، على حد وصف فاروق شوشة لها، هو نعمة من النعم العظيمة، إذ يتيح لنا أن ننوِّع أساليبنا على ما نحب بدلا من أن نسير دائما على وتيرة واحدة كما سبق القول عندما أشرت إلى المرونة التى تتمتع بها الجملة العربية الفصيحة، فهل نرفس هذه النعمة لأن الأوربيين محرومون منها فى لغاتهم، ونفعل كما فعل بنو إسرائيل حين أرادوا أن يكون لهم إله آخر مع الله كما للوثنيين الذين مَرُّوا بهم فى سيناء آلهة، أو كالبنت صاحبة الشعر الحريرى الطويل الجميل التى لم تهدأ إلا بعد أن قصّته تقليدا أعمى لما فعلته صديقتها بشعرها الليفىّ الأكرت؟ إننى أربأ بأنفسنا أن نكون كرؤساء القبائل الهمجية فى غابات أفريقيا أيام الهجمة الأوربية المسعورة على تلك القارة حينما كان طلائع الاستعمار من شياطين الإنس يضحكون على أولئك الزعماء فيُغْرونهم بقِطَع الزجاج الملونة التى لا قيمة لها على الإطلاق فى مقابل الألماس والذهب وغيرهما من المعادن والأحجار الكريمة. لكننا، والحمد لله، لسنا من التخلف والانخداع بهذه البهرجات الزائفة الرخيصة والفرح بها وإيثارها على الألماس والياقوت واللؤلؤ إلى هذا الحد! والأستاذ الشوباشى ينتمى إلى بيت علم وأدب، وكان أبوه من كبار الأدباء والنقاد والمترجمين، فكيف يقع فى هذا الشَّرَك؟ إننا جميعا نريد للغتنا انتعاشا وازدهارا كما كان حالها أيام مجدها العظيم، لكن السبيل الذى ينتهجه كاتبنا ليس هو السبيل المؤدى إلى هذه الغاية. وثَمَّةَ نقطة لا بد من توضيحها فى هذا السياق، وهى أن الفصحى، رغم كل شىء، قد نهضت نهوضًا عظيمًا ورائعًا من عثارها الطويل الذى كانت مرتكسة فيه أيام الحكم العثمانى حيث كانت الأمية والجهل ضاربين بأطنابهما فى أقطار العرب، والدليل على ما أقول أن الأمية قد انحسرت إلى حد ملموس وانتشر التعليم، وأصبح عندنا الآن ذخيرة من الأساليب قد يصعب أن نعثر على مثلها حتى فى أيام الازدهار الثقافى للأمة العربية أيام العباسيين. وقد سبق أن أعطيت بعض الأمثلة على أصحاب الأساليب الفخمة فى عصرنا بما يغنى عن إعادة القول فيها هنا. لكننا، مع ذلك، نريد لهذه اللغة الكريمة أن تنتعش وتزدهر أكثر وأكثر، وأن يشعر الناس جميعا بحلاوتها وروعتها وفتنتها ويتذوقوا النعمة التى أنعم بها المولى عليهم فى شخصها، وبخاصة أن التفوق العام فيها مرتبط بالتفوق العلمى والأدبى والثقافى مما نحتاجه للخروج من تخلفنا الحالى الذى أوردنا مورد العجز والذل وأطمع فينا من يساوى ومن لا يساوى من دول العالم، فلم يعد أحد يحترمنا أو يقيم لنا وزنا حتى إن الفيلبين وهندوراس ولا أدرى من أيضا من الدول التى لا يعرف أحد مكانها على الخريطة تشترك فى احتلال العراق مساندة للأمريكان، وحتى إن أحدا فى الأمم المتحدة لا يبالى بما يحدث لإخواننا الفلسطينيين الأبطال على يد عصابات بنى صهيون المدعومين ماليا وعسكريا وسياسيا من أمريكا والغرب كله من مجازر لا تتوقف يوما ولو ساعةً من نهار، على حين أنه لو تألم شخص واحد من الأقليات فى بلد إسلامى أو عربى لوجعٍ فى ظفر خنصره الشمال من قدمه الحافية الجرباء لقام مجلس الأمن فى الأمم المتحدة بهيله وهيلمانه يدعو إلى استقلال صاحب الظفر بدولة قائمة برأسها ومعاقبة العرب والمسلمين جميعا بسبب ما حدث لظفره! وبالمناسبة فالإنجليزية والفرنسية مثلا تقدِّمان الفعل، فى بعض الأحيان، على الاسم بما يشبه الجملة الفعلية عندنا، وتسميان هذا اللون من التركيب: "inversion"، وإن كانت الإنجليزية تتوسع فيه أكثر من الفرنسية. ويعيب الأستاذ المؤلف كذلك لسان العرب بما يسميه "النقص الغريب فى حروف العلة"(ص 168). يقصد أننا لانعرف إلا الفتحة والكسرة والضمة الصافية ومدّاتها، بخلاف الفرنسية مثلا، التى تعرف حروف علة أخرى بالإضافة إلى ما تعرفه العربية من مثل e, u, y, ai, eu, eau, ou"، إلى جانب الــ"accent"، الذى يوضع على بعض هذه الحروف بأشكاله الثلاثة المعروفة. وهو عيب موهوم، إذ من ذا الذى يشعر أن ذلك يقيده فى التعبير عما يشاء؟ ثم إن هذه الحركات كثيرا ما تختلط وتتداخل من كلمة لأخرى، وأحيانا ما يكون وجودها صوريا. ونفس الملاحظة تصدق على الإنجليزية، التى ينبغى عليك أن تحفظ نطق كل كلمة من كلماتها تقريبا بالسماع رغم ذلك، إذ الكتابة فى كثير جدا من الحالات شىء، والنطق شىء آخر. وبالمثل فتانك اللغتان ينقصهما من حروف لغتنا "الثاء والحاء والخاء والعين والغين والقاف والهاء"، ومع ذلك فإننا لا نشغل أنفسنا كثيرا بمثل هذا الأمر ما دام أصحابهما لا يشعرون بأنه يشكل عبئا عليهم فى الإفصاح عما يريدون. وما دمنا قد دخلنا فى هذا الموضوع، فما رأى كاتبنا فى وجود الـ"ph" مع الـ"f" فى الفرنسية والإنجليزية؟ هل يرى له أى لزوم؟ وهل هو راض عن تبدل طريقة النطق للـ"d" والـ"t" والـ"s" فيهما من موضع إلى موضع ما بين ترقيق وتغليظ، فضلا عن عدم نطق بعض الحروف المكتوبة ؟ وهل يرى داعيا لوجود تركيبة الـ"th" فى الفرنسية ما دامت الــ"t" وحدها تكفى؟ وذلك علاوة على اختلاف نطق الــ"c" والــ"g" فيها وفى الإنجليزية حسب الحرف الذى يأتى بعدهما... إلخ. وبالمناسبة فقد أخطأ المؤلف هنا حين أراد أن يعلل السبب فى تسمية اللغة العربية بــ"لغة الضاد"، إذ حسب أن ذلك راجع إلى أنها هى اللغة الوحيدة فى العالم التى تفخّم "الدال" وتضخّمها فتقلبها "ضادا"(ص 149). فأما أنها، على الأقل فى نطاق علمنا، هى اللغة الوحيدة فى العالم التى تعرف نطق "الضاد" فهذا صحيح، لكن بمعنى غير المعنى الذى شرحه سيادته، لأن "الضاد"، كما جاء فى كلامه، ليست هى "الضاد" العربية الأصيلة بل "الضاد" حسبما ننطقها هنا فى مصر، وهذه موجودة فى الفرنسية والإنجليزية متمثلة فى تفخيم حرف الــ"d" فى كثير من الكلمات على ما هو معلوم، مثل "dogue" فى الأولى، و"double" فى الثانية. أما "الضاد" العربية فهى شىء بين "الضاد" المصرية و"الظاء". كذلك يعيب الأستاذ شريف لغة العرب بأن غالبية الكلمات والأفعال فيها تتكون من حروف ساكنة فقط، على عكس كل لغات العالم الحديثة (ص 169)، وهى دعوى غير صحيحة، إذ الغلبة فيها إنما هى للحروف المتحركة لا الساكنة كما يعرف كل من له أدنى إلمام بلغتنا. أما إن كان يقصد الإملاء وأننا عادة ما نهمل تشكيل الكلمات فملاحظته تكون عندئذ فى محلها. ولكن لا بد مع هذا من المسارعة إلى القول بأن السياق والتعود والإلمام بقواعد اللغة يعوّض عن هذا إلى حد كبير، علاوة على أن كثيرا من المؤلفين يحرصون على تشكيل ما يَرَوْن أنه بحاجة لذلك. بل إن القارئ فى كثير من الأحيان لا يحتاج إلى التشكيل على الإطلاق، وهاهو ذا كتاب المؤلف بين أيدى القراء، وهو غير مشكَّل، فهل وجد أحدهم صعوبة فى قراءة أية كلمة فيه؟ لقد أورد سيادته مثالا على الالتباس الذى يجده القارئ فى هذه الحالة كلمةَ "قتلت" إذا لم يتم تشكيلها، لأنها يمكن أن تُنْطَق بعَشْر طُرُق. وأنا معه فى أن الكلمة المذكورة تقبل النطق فعلا بكل هذه الصُّوَر، لكنْ على المستوى النظرى فقط، أما على أرض الواقع العملى فالسياق والتعود والخبرة والإلمام بالقواعد يسهّل الأمر، كما قلت، إلى حد كبير، بل يعوّض كذلك عن غياب التشكيل تمام التعويض فى كثير من الأحيان، وإلا فكيف كان يقرأ الناس ما يقرأون كل لحظة من نهار منذ أن انتشرت الكتابة فى حياة العرب حتى هذه الساعة؟ أكانوا يتهتهون قليلا ثم يتركون ما يقرأونه وينصرفون عنه إلى شىء آخر أم ماذا؟ ثم إنه إذا كانت الكلمة المذكورة تحتمل عشر طرق فى النطق فإن معظم الكلمات لا تحتمل إلا طريقة أو اثنتين لا غير كما هو معروف. وعلى أية حال فإن التشكيل، كما وضّحْتُ، يُعَدّ ركنا أساسيا فى إملائنا، بَيْدَ أن عبقرية لغة القرآن وانتظامها الشديد فى قواعد صرفها ونحوها يغنيان عن هذا التشكيل فى كثير جدا جدا جدا من الحالات، وبخاصة إذا كان القراء على شاكلتى أنا وأمثالى ممن يعرفون تلك القواعد جيدا. هذا، ولا يفوتنى أن أنبِّه إلى الخطإ الذى وقع فيه الكاتب حين قال إن "غالبية الكلمات والأفعال فى العربية تتكون من حروف ساكنة فقط"، إذ جعل "الكلمات" قسيمة لـ"الأفعال"، وهذا غير صحيح، فالأفعال قسم من أقسام "الكلمة". وعلى هذا فالصواب أن نقول: "الأسماء والأفعال والحروف"، أو أن نكتفى بذكر "الكلمات" فحسب، لأن الكلمات فى لغتنا تنقسم إلى "اسم وفعل وحرف" حسبما هو معروف.وقد نال المترادفاتِ أيضا من هجوم الكاتب وزرايته نصيبٌ كافٍ، فأخذ يتألم من اتساع هذه الظاهرة فى لغتنا داعيا إلى الاكتفاء منها بالقليل. وأنا فى الواقع لا أدرى كيف يمكن أن تكون هذه السِّمَة مَسَبَّةً فى لغة القرآن. ترى هل يمكن أن نجىء إلى رجل شديد الثراء بجِدّه وعمله ودأبه وذكائه وحيويته وطموحه فنقول له موبّخين: لماذا كل هذا الغنى والنعمة التى أنت فيها؟ لم لا تكون فقيرا؟ أم هل يمكن أن نذهب إلى إحدى الجميلات الفاتنات ونبكّتها قائلين: لماذا كل هذا الجمال الذى وَهَبَكِيه الله؟ لم لا تكونين قبيحة؟ وبالنسبة للمترادفات، فليقل لنا الأستاذ الفاضل كيف يمكن أن نتخلص من هذا الفائض اللغوى؟ هل نعمل له محرقة؟ لكن أيضمن ألا يطلع علينا أحد المستشرقين فيتهم العرب والمسلمين بالتخلف والوحشية وحرق الكتب، وبخاصة أننا لم نستطع بعد أن نخلص من التهمة الظالمة السخيفة بحرق مكتبة الإسكندرية رغم تفنيد عدد من الكتاب الغرب أنفسهم لها بأدلة علمية لا يخرّ منها الماء؟ وهبْ أننا دمَّرنا الكتب، ولا أدرى كيف، لأن هذه المترادفات ليست موجودةً فى مكان واحد بحيث يمكن أن نرسل طائرة فتدك المكان فوق رؤوس هذه الكلمات اللعينة التى هى علة كل تخلفنا وذلنا، وتريحنا إلى الأبد منها ومما جلبته لنا من عار وشنار، فما الذى سنستفيده من هذا؟ إن تلك الألفاظ موجودة فى بطون القواميس ولا تسبب لنا أية مشكلة، فلماذا نشغل أنفسنا بها؟ أهى مجرد الرغبة فى إثارة عاصفة فى فنجان؟ أما من يريد أن يستعملها فلسنا نملك له شيئا! أم ترى المؤلف الكريم يقترح إصدار تشريع بإعدامه أو سجنه مثلا؟ لكن المشكلة أن مثل هذا القانون سوف يكون فرصة رائعة لأنصار حقوق الإنسان فى الغرب كى يؤلّبوا علينا أمريكا (دستور يا أسيادى الأمريكان، دستور! اللهم اجعل كلامى خفيفا على الأسياد!) فتحتلنا رغم أنهم يكرهون لغتنا ويعملون على القضاء عليها، وذلك على طريقتهم الشيطانية فى الإفادة من الشىء ونقيضه، كما فعلوا مع صدام حسين وبه، إذ استفادوا منه فى ضرب إيران، وشجعوه على غزو الكويت، ثم انقلبوا عليه واتهموه بالعدوان على هذين البلدين وبحيازة الأسلحة النووية التى اشترى معداتها من أوربا تحت سمعهم وبصرهم وهم ساكتون ما دامت النتيجة هى نزح ثروات العراق إلى بلاد الغرب! إن كثرة المترادفات لهى دليل على الدقة الهائلة التى تتمتع بها لغة العرب، فتراها تسمِّى الشىء أسماء مختلفة حسب الزاوية التى تنظر منه إليها، فالسيوف مثلا تسمى: "هندوانية" للدلالة على أنها صناعة هندية، وكانت الهند وقتها مشهورة بصناعة السيوف، فهذه التسمية لون من الافتخار، كما يقول الواحد منا الآن إن حاسوبه مثلا صناعة يابانية لا صينية. وقد تسمَّى أيضا بـــ"البِيض" للإشارة إلى ناصع لونها، وقد يسمَّى الواحد منها: "جُرَازا" للإيحاء بمقدرته الرهيبة فى القطع من ضربة واحدة لا غير...وهكذا. على أن هناك سببا ثانيا وراء كثرة المترادفات عندنا، ألا وهو اختلاف القبائل قبل الإسلام فى تسمية بعض الأشياء، مثلما نقول فى مصر الآن: "كرنب"، على حين يقول الشوام: "ملفوف"، ومثلما نقول: "طماطم"، ويقولون هم: "بندورة"...إلخ، علاوة على أن كثيرا من هذه المترادفات ليست فى الحقيقة تسميات مختلفة للشىء بل نُعُوتًا له استعملها الشعراء والكتاب دون موصوفاتها فظن المتعجلون أنها إسراف فى الترادف. لكن ذلك كله لا يمثل لنا أية مشكلة، فهذه التسميات الكثيرة لا تتعدى بطون المعاجم كما قلنا، أما عند الكتابة فلا أحد منا يستطيع أن يتذكر عادةً إلا اسمين أو ثلاثة أو أربعة مثلا لأى معنى كان فى يوم من الأيام يحظى بوفرة فى التسميات. ويظل الباقى هناك مخزونا إستراتيجيا نستعمله عند اللزوم: إما لمسمّاه الأول، وإما فى معنى مجازى جديد، وإما لشىء مستحدَث لم يكن للعرب به عهد من قبل...إلخ. ويشيد د.عثمان أمين بهذه الخصيصة من خصائص لغة الضاد قائلا إنها تتفوق بها على لغات العالم، إذ لا توجد فى أى من هذه اللغات مثل تلك الوفرة من الألفاظ الدالة على الشىء منظورا إليه فى مختلف درجاته وأحواله، ومتفاوت صوره وألوانه. ثم ينقل عن حسن الشريف المثال التالى: "فالظمأ والصَّدَى والأُوَام والهُيَام كلمات تدل على العطش، إلا أن كلا منها يصور درجة من درجاته: فأنت تعطش إذا أحسست بحاجة إلى الماء، ثم يشتد بك العطش فتظمأ، ثم يشتد بك الظمأ فتَصْدَى، ويشتد بك الصَّدَى فتَؤُوم، ويشتد بك الأُوَام فتَهِيم... وواضح أن هذه الخاصية العربية...تغنينا باللفظ الواحد عن عبارة مطوَّلة تحدد المعنى المقصود، وتجعلنا نقول عن المشرف على الموت عطشا إنه "هائم"، حين لا يستطيع الفرنسى مثلا أن يؤدى هذا المعنى إلا فى ثلاث كلمات، إذ يقول : "مائتٌ من الظمإ: mourant de soif"، أو فى سبع كلمات ليكون المعنى أوضح فيقول: "على وشك أن يموت من الظمإ: sur le point de mourir de soif"، ثم يعقّب على هذا النقل قائلا إن "هذا المثال المتقدم يشير إلى خصيصة عربية أخرى لا نكاد نجد لها نظيرا فى غيرها من اللغات التى نعرفها، وهى الإيجاز فى اللفظ والتركيز فى المعنى دون الإخلال بما درجت عليه من الوضوح والتمييز"(فلسفة اللغة العربية/ المكتبة الثقافية/ أول نوفمبر 1965م/ 58ــ 59). كذلك أثنى والد المؤلف على هذه الخصيصة فى اللغة الفصحى قائلا إن أية لغة غير العربية لا تعرف إلا كلمة واحدة للتعبير عن المشى للرجل والمرأة على السواء، أما لغتنا فتقول عن المرأة: "تتَأوَّد" و"تتبختر" و"تَرْفُل" وغير ذلك من الكلمات التى تصور تأنق المرأة فى مشيتها وتنطق بما كان لذلك من أهمية(العرب والحضارة الأوربية/ المكتبة الثقافية/ 15 أغسطس 1961م/ 62). ومرة أخرى نقول: لم يجدوا فى الورد عيبا، فقالوا له: يا أحمر الخدين! على كل حال لا ينبغى أن تضيق منا الصدور، فمصيرها أن تروق وتحلو! والمهم أن يفيق "أولاد الإيه" العرب من هذا الخُمَار الذى هم فيه، وعندئذٍ، لا قبلئذٍ، لن نسمع مثل هذه التصايحات التى تحاول التشكيك فى كل شىء من تراثنا العظيم! لكن متى؟ "تلك هى المسألة" كما يقول سيدنا شكسبير! أما الآن فواضح أنه "لا حياة لمن تنادى"!وبهذا نكون قد انتهينا من مناقشة فكرة المؤلف الرئيسية بتفصيلاتها المختلفة، وتبقى بعض النقاط الفرعية التى تحتاج إلى شىء من التريث إزاءها. ومن ذلك قوله إن اللغة العربية "هى اللغة الوحيدة فى العالم التى لم تتغير قواعدها الأساسية منذ 1500 سنة كاملة. قد يرى البعض فى ذلك رسوخًا واستمراريةً ودليلاً على رصانة اللغة، لكنى أرى فيه جمودًا وتحجرًا ينعكس سلبيًّا على العقل العربى"(ص 13). وهذا كلام لا نوافق المؤلف عليه بعدما بيّنّا كيف أن كل ما قاله عن عيوب هذه اللغة هو مجرد دعاوَى قائمةٍ على الشبهات المتعجلة، ولا أزيد. والواقع أن من الصعب الاقتناع بأن طول عمر العربية دليل على التحجر، وبخاصة بعدما رأينا أنها لم تكفّ يوما عن التطور كما وضّحْتُ فى هذا البحث، وأن التأليف بها فى شتى المجالات والعلوم والفنون مستمر على الدوام. إن طول عمر لغة القرآن إنما هو برهان جلىّ على أصالتها التى لم تستطع لغة أخرى أن تجاريها فيها. ولقد دفعت هذه الأصالة العجيبة كبار الأدباء العرب النصارى المتمكنين من لغتهم والغيورين عليها والعارفين بفضلها وعبقريتها إلى الإشادة بذلك السر الذى حمى تلك اللغة من الاندثار أو التغير الجذرى الذى من شأنه أن يقيم حاجزا صَلْدا ما بين ماضيها وحاضرها أو التحلل وإفساح المجال للهجاتها المختلفة مثلما حدث لغيرها من اللغات، ولم يمنعهم عدم إيمانهم بدين محمد من القول بأن ذلك السر هو القرآن. ومن هؤلاء سليمان البستانى مترجم الإلياذة الذى كان يعرف عددا من اللغات الأجنبية، ومنها اليونانية القديمة (إلياذة هوميروس/ دار إحياء التراث العربى/ بيروت/ 1/ 113ــ 115)، وجرجى زيدان (مختارات جرجى زيدان/ مطبعة الهلال/ القاهرة/ 1937/ 187ــ 189). وإلى القرآن الكريم أيضا تعزو مىّ زيادة النصرانيةُ اللبنانيةُ المتمصِّرةُ فصاحةَ المسلمين العربِ واستقامةَ لفظهم وجمالَ نطقهم وفخامةَ أسلوب الكاتبين منهم (باحثة البادية وعائشة التيمورية/ كتاب الهلال/ يونيه 1999م/ 60). وبالمناسبة لقد أحدث الأتراك فى لغتهم تغييرات كثيرة وعنيفة عامدين متعمدين كى يبتعدوا عن مدار العربية ظنا منهم أن ذلك هو المفتاح الذى سيلحقهم بأوربا فى التفوق والتحضر والتقدم الاقتصادى والعسكرى، بَيْدَ أن تركيا ما زالت دولة من دول العالم الثالث، وتعانى من كل ما تعانى منه دول ذلك العالم، ولم يشفع لها ما فعلته بلغتها أو بدينها فى هذا السبيل بشىء! بل إن أوربا لا تزال تقف منها موقف المتربص الكاره، وتأبى عليها أن تلتحق بالاتحاد الأوربى بسبب أنها دولة مسلمة! بعد كل الذى فعلته؟ إى وربى بعد كل الذى فعلته! فما رأى مؤلفنا الفاضل؟ وعلى الناحية الأخرى هاهى ذى دول النمور الآسيوية قد أحرزت فى الفترة الأخيرة نهضة اقتصادية عظيمة من دون أن تحدث فى لغاتها أو دينها هذا الذى فعلته تركيا الكمالية! فما رأى مؤلفنا الفاضل فى هذه أيضا؟ كذلك يقول سيادته إن "ظاهرة رفض المساس باللغة العربية هى جزء من ظاهرة أعم أصبحت مسيطرة على المجتمعات العربية، فقد استشرى منذ الثلث الأخير من القرن العشرين تيار جارف يعتبر كل بدعة مكروهة، ويرى فى أى فكر حرّ متطور محاولةً شيطانية لتقليد الغرب ونَبْذًا للدين والثقافة العربية الأصيلة"(ص/ 58). ويؤسفنى أننى لا أستطيع أن أتفق معه فى هذا التعليل، وإلا فأين مكان والده والشدياق وبطرس وسليمان البستانى وناصيف وإبراهيم اليازجى وجرجى زيدان وخليل مطران وابن باديس وشكيب أرسلان ومحمد كرد على والبشير الإبراهيمى والطاهر والفاضل ابنى عاشور والرافعى والعقاد وطه حسين والزيات وعثمان أمين وحسن الشريف ومحمد محمد حسين ومحمود شاكر وبنت الشاطئ وشوقى ضيف ومحمد شوقى أمين ومحمد خليفة التونسى وعلى الطنطاوى ومحمد الغزالى وحسين نصار ونجيب محفوظ وعبد الصبور شاهين وفاروق شوشة وغيرهم من الكتاب والأدباء العرب الفطاحل من هذه النزعة، وهم قد جاؤوا قبل ظهورها بزمن طويل، ولهم رؤية للدين وللحياة تختلف عن رؤية أصحابها؟ وأين مكان واحد مثلى لا تربطه أية رابطة بالجماعات الدينية التى يرمى المؤلف بكلامه ناحيتها، وأرى أنهم كثيرا ما يسيئون لدين محمد عليه السلام، وإن ظنوا بحسن نية أنهم يحسنون صنعا، إذ هم يحبون هذا الدين العظيم حُبًّا جمًّا لكنهم قد يخطئون السبيل لخدمته؟ بل أين منهم أيضا مكان أحمد لطفى السيد، الذى كان، رغم كل ما هو معروف عنه من أفكار لا تعجب كثيرا منا، يحمل على العامية حملة شعواء واسِمًا إياها بأنها ممسوخة الألفاظ، منحطة التراكيب، ملحونة الإعراب؟ (المنتخبات/ طبعة المقتطف/ 1945م/ 123). ثم من قال إن الجماعات الدينية المشار إليها تهتم أصلا بمسألة كهذه؟ إن كل ما تهتم به لا يكاد يخرج عن قضية الحلال والحرام بالمعنى الضيق لهذين المفهومين، أما اللغة فخارج دائرة اهتمام أفرادها. إن المسألة فى وضعها الصحيح هى أن سيادته يتبنى قضية خاسرة، فضلا على أنه لم يستطع أن يربحنا، ولو بالباطل، إلى صفّه. لكنه للأسف لا يريد أن يعترف بهذا، فما العمل؟ نحن مقتنعون مثله، بل أشد منه، أننا متخلفون، وأن الغرب أقوى منا، وأن لديه أشياء كثيرة فى العلوم والصناعات والفنون والنظام والتخطيط والتنسيق والتعاون والجَلَد على العمل والصبر على مشقات الحياة...إلخ لا بد لنا من الاستفادة منها والتتلمذ عليه فيها، وبخاصة أن كثيرا من القيم التى عنده هى مما يدعو إليه الإسلام أيضا، مع تفوقها فى الإسلام وخلوها من الشوائب والأوضار التى تمازجها لديه. لكن هناك شيئين لا نفكر فى التخلى عنهما ولا فى مطاوعة الغرب فى التفريط فيهما أبدا: اللغة والدين! فإن وافقَنا الكاتبُ على هذا فنحن أحباب، وإلا فهو فى طريق، ونحن فى طريق، ومعنا والده أو بالأحرى روح والده ترفرف علينا وتشجعنا على مخالفة ابنه وتنكر عليه هذا الموقف تمام الإنكار!وزرايةً من الكاتب أيضا على اللغة العربية يزعم أن عشق العرب الأول يتمثل فى التلاعب بالكلمات. يريد أن يقول إنهم لم يكونوا ينظرون إلى اللغة على أنها وسيلة للتفاهم بل للعبث وإضاعة الوقت جريا وراء سجعة أو جناس أو طباق، أو لتحبير رسائل تقرأ فى ذات الوقت من اليمين للشمال وبالعكس... إلى غير ذلك من ألوان الزينات الشكلية التى يؤكد أنها لا تفيد فى شىء. وهو يشير فى هذا المقام إلى ما كان يفعله واصل بن عطاء، الخطيب والمفكر المعتزلى المشهور الذى كان فى لسانه لثغة، فكان يتجنبها فى خُطَبه مستبدلا كل كلمة فيها "راء" بكلمة أخرى ترادفها تخلو من هذا الحرف (ص 84ــ 85) رغم أن هذا المثال إنما يدل على عكس ما يريد الكاتب، إذ لا أظن لغةً أخرى تستطيع أن توفر مثل هذه الإمكانية العجيبة لأحد من أبنائها بأى حال! كذلك فإننى، وإن كنت فى ذوقى الكتابى كأبناء عصرى من الكتاب والأدباء ممن لا يتبعون فى أساليبهم سبيل المحسّنين المزخرفين، لا أستطيع أن أنكر أن هذه التزيينات إنما تدل رغم ذلك على مدى ما تتمتع به هذه اللغة العجيبة من إمكانات صوتية ومعنوية، وعلى ما كان هؤلاء الأدباء يملكونه من موهبة أسلوبية وعقلية تتيح لهم هذه السيطرة الرائعة على لغة أمتهم. صحيح أن بعضهم كانت تستغرقه النزعة الشكلية إلى حد مبالغ فيه بحيث لا يقدم لنا ما يكتبه شيئًا فكريًّا ذا قيمة كبيرة، بيد أن كثيرًا جدًّا أيضًا من النصوص التى تزخرفها البديعيات كانت تحتوى فى ذات الوقت على مضمون عقلى وأدبى رائع، ومنها "رسالة الغفران" لأبى العلاء المعرِّىّ، ومقامات الهمدانى والحريرى التى يرى فيها نقادنا المحدثون حتى من اليساريين أنفسهم الأساسَ الأولَ للقصة القصيرة العربية، وكذلك "ألف ليلة وليلة" التى بهرت المستشرقين وكتبوا عنها البحوث المطوَّلة ورَأَوْا فيها إبداعا أدبيا قل أن يوجد له ضَرِيب! ومع ذلك كله فإن العرب لم يكونوا كلهم من عشاق التلاعب بالكلمات، وإلا فهل كان عبد الحميد الكاتب أو ابن المقفع أو سهل بن هارون أو الجاحظ أو ابن سلاّم أو ابن قتيبة أو أبو الفرج الأصفهانى أو ابن المعتز أو أبو حيان التوحيدى أو ابن جنى أو القالى أو القاضى الجرجانى أو عبد القاهر أو أسامة بن منقذ أو ابن حزم أو الغزالى أو الفارابى أو ابن سينا أو ابن رشد أو ابن مسكويه أو الطبرى أو القرطبى أو الزمخشرى أو القُشَيْرى أو السيوطى أو ابن خَلْدون أو جابر بن حيان أو ابن الهيثم أو أبو بكر الرازى وغيرهم، وهم بالألوف، كانوا يتلاعبون بالكلمات؟ لقد كان هذا الاتجاه يا أ.شوباشى محصورا فى بعض العصور فحسب، وحتى فى هذه العصور لم يكن كل الكتاب يجرون عليه فى مؤلفاتهم، ولا كان الذين يجرون عليه يتّبعونه فى كل ما يؤلفون. ولست أظن أن مثل هذه الحقائق الدامغة كانت غائبة عمَّن أحسب، صوابًا أو خطأً، أنهم أمدّوك بالنصوص القديمة وعناوين الكتب التى أُخِذت منها وأسماء مؤلفيها ممن لا أظنك على معرفة بهم إلى الحد الذى يعكسه كتابك، نظرا لثقافتك الفرنسية التى أقدّرها رغم هذا! وعلى أية حال فقد كان ينبغى أن ينبهك إلى ذلك الأمر الأستاذُ الذى ذكر لى قُبَيْل دخولنا إلى الأستوديو لمناقشة كتابك أن دوره انحصر فى قراءة مخطوط الكتاب وإجازة نشره، وذلك عندما سألتُه عما إذا كان هو الذى أمدَّك بالمعلومات الخاصة بالأدب العربى التى لا يعرفها عادة إلا أهل الاختصاص مما استبعدتُ معه أن تكون قد توصلت إليها وحدك فى مظانّها التى تستعصى إلا على خبير فى الموضوع.ومن النقاط التى يثيرها الأستاذ الشوباشى دون أى داع مسألة قدسية اللغة العربية، التى قال، وأنا معه فى هذا الذى قال، إنه لا يوجد فى القرآن أو الأحاديث النبوية ما يدل على صحتها رغم ما ذكر من أن بعض المتحجرين، حسب وصفه، يرون أنها مقدسة فعلا(ص 71 وما بعدها). وهو يرمى من وراء هذا إلى أنه لا مانع من الأخذ بما يدعو إليه فى كتابه من تغيير اللغة على النحو الذى يقترحه ونرى نحن أنه سيكون له عواقب وخيمة إذا تحقق ما يريد. ثم إنه لا يكتفى بهذا، بل يتساءل عما إذا كان هناك نص فى كتاب الله أو سنة رسوله يؤكد أفضلية العرب على سائر الأمم. وهو يرمى هنا أيضا إلى نفس الغاية فيما أظن. وأنا معه هنا أيضا فى أنْ ليس فى القرآن المجيد أو الحديث النبوى الشريف ما يدل على أن العرب هم أفضل الأمم. بل إن فى كلام النبوة أنه لا فضل لعربى على عجمى إلا بالتقوى والعمل الصالح. وأزيده من الشعر بيتا حسبما يقول إخواننا السعوديون فأقول له ما أكرره دائما من أن العرب فى هذا العصر هم عنوان الهوان والمذلة والبلادة والضياع. لكن هذا كله لا يوصّل، فيما أرى، إلى شىء مما يريد بلوغه من تغيير اللغة على النحو الذى يرمى إليه. فلغتنا، وإن لم تكن مقدسة، تستحق منا أن نهيم بغرامها ونفاخر أصحاب اللغات الأخرى بها ونرى أنها لغة مباركة لأنها هى الوعاء الذى اصطفاه الله تعالى لحفظ كتابه الكريم إلى يوم الدين! والواقع أنه إذا لم يكن هذا الاصطفاء كافيا لهُيَامنا بتلك اللغة وحرصنا على الاعتزاز بها فلا أدرى كيف يمكن أن يكون هناك سبب للاعتزاز بأى شىء فى الحياة! وعلى أية حال لقد ذكر سيادته أن من الأمم الأخرى من ينظر نظرة تقديس إلى لغته، وعلى هذا فحتّى لو قدَّسنا لغتنا فلن نكون بدعا فى ذلك. لكن العرب الآن لا يقدسون كلهم لغتهم أيًّا كان معنى التقديس، وإلا لكانوا أتقنوها كما ينبغى أن يكون إتقان اللغة القومية، ولم يكن معظم طلابهم ومثقفيهم بهذا المستوى المتدنى فيها وفى غيرها. إن الذين يعتزون بلغة القرآن، أو إن شئت فقل: إن الذين يقدّسونها، إنما هم الذين اطَّلعوا على أسرارها ويستطيعون من ثَمَّ أن يحسّوا بما فيها من عبقرية، أما العامة، وكذلك أشباه العامة ممن لا يمكنهم تذوق جمالها حتى لو كانوا حاصلين على أعلى الشهادات الجامعية، فليسوا من تقديسها فى شىء. هذا، وقد تناقض المؤلف فى تحديد الزمن الذى يزعم أن نزعة تقديس اللغة العربية قد بدأت فيه: فمرة يقول إنه العصر الأموى بما كان سائدا فيه من اتجاه عروبى يجعل الأولوية فى الدولة للعرب مُؤْثِرًا إياهم على بقية الأجناس المسلمة(ص 87ــ 88)، ومرة يقول إنه العصر العباسى، وبخاصة منذ عهد المعتصم حين أطلت الشعوبية برأسها وأخذ المسلمون من غير العرب يزايدون، كما يقول، على اللغة العربية ويبالغون فى تبجيلها رغبةً منهم فى إثبات حسن إسلامهم (ص 95ــ 96). وهنا نجد الكاتب يُدْخِلنا فى قضية جانبية لا علاقة لها، فيما نرى، بموضوع الكتاب الذى هو المناداة بإصلاح اللغة العربية، إذ يقفز فجأة فيخصص فصلا يتحدث فيه عن الدور الذى قام به النصارى العرب قديما منذ العصر الجاهلى حتى العصر الحديث فى مجالات الأدب والعلم(ص 96 وما بعدها)، وهو ما لا نريد المشاحّة فيه، اللهم إلا حين يتنكبّ سبيل الحقيقة زاعما أن نصارى العهد العباسى ، عندما رأَوْا أنفسهم وقد أُبْعِدوا عن مجالات الإبداع الأدبى بسبب من تقديس المسلمين للغتهم وكراهيتهم لمشاركتهم إياهم فى ميادينها، قد انكبوا على العلوم الطبيعية تاركين للمسلمين التفوق فى الأدب وإبداعاته. وهذا نص كلامه: "وعندما اكتملت سيطرة العناصر غير العربية على الدولة فى العصرالعباسى كادت دراسة اللغة تقتصر على المسلمين وحدهم نظرا لأنها تتم فى المساجد والمدارس الدينية، وارتبطت بحفظ القرآن. ولجأ المسيحيون إلى العلوم فبرعوا فيها وظهرت أجيال من الأطباء والفلاسفة وعلماء الرياضيات استعان بهم الخلفاء والأمراء، أما المسلمون فكادوا يغيبون عن ساحة العلم ودراسته فى مناخ من التردى الحضارى"(ص 97). فالمعروف أن النصارى فى تلك العهود قد استأثروا بترجمة العلوم، أما الاشتغال بالعلم ذاته فكان نصيب المسلمين فيه هو الأعظم، والأسماء المشهورة فى هذا المجال هى أسماء جابر بن حيان والحسن بن الهيثم وابن سينا والرازى وعلى بن عيسى والزهراوى وابن البيطار ورشيد الدين الصورى وابن رشد وابن أبى أُصَيْبِعَة وأبى جعفر الغافقى والبيرونى وأبى معشر البلخى والفرقانى والبوزجانى والخوارزمى وعبد اللطيف البغدادى وابن النفيس وعلى بن رضوان وابن الجزار وعمار بن على... إلخ؟ وهو نفسه يعود فيذكر أسماء بعض العلماء العرب المسلمين هادما بذلك ما قاله قبلا عن انفراد النصارى تقريبا بالعلوم فى مقابل انفراد المسلمين بالأدب واللغة(ص 100).ومما لا نوافق سيادته عليه أيضا اتخاذُُه من استحالة إلمام أى شخص بجميع مفردات العربية وأشعارها تكأةً للهجوم على الفصحى وقواعدها والدعوة إلى هجرانها والاستعاضة عنها بلغةٍ لا إعرابَ فيها ولا مترادفاتِ ولا تثنيةَ ولا تأنيثَ مما أفضنا فى مناقشته من قبل(ص115)، إذ إن هذا العجز غير خاص بلغتنا وشعرها، بل يصدق على حميع اللغات. وهذه هى طبيعة الحياة كلها لا الأدب والشعر فحسب، فلكلٍّ منا من أىّ شىء فى الدنيا نصيب محدود لا يعدوه رغم ترامى أطراف الأرض وكثرة الخيرات الإلهية. ترى هل يمكن أن يملك أى إنسان جميع السيارات مثلا أو جميع البيوت أو جميع الحقول أو جميع الكتب أو جميع المصانع أو جميع الأحذية التى فى الدنيا؟ فلماذا يحاول الكاتب أن يوهمنا بأن فى عجز العربى، مهما كان نصيبه من الثقافة اللغوية، عن استيعاب مفردات لغته كلها فى عقله ما يدعو إلى الاستغراب وما يستلزم فوق ذلك أن نهجر هذه اللغة إلى لغة أخرى ليس فيها كل هذه المفردات التى تتضمنها الفصحى والتى تصل، كما يقول، إلى مليونَىْ كلمة؟ وهنا نراه ينعَى على العربية خلوها من المعاجم العملية السهلة الموجودة فى اللغات الأخرى(ص 115). ولست فى الحقيقة أعرف ماذا يقصد مؤلفنا بخُلُوّ لغتنا من هذا اللون من المعاجم، فالمعروف أن هناك معاجم عربية كثيرة، لكن المشكلة تكمن فى أن العرب لا يهتمون بالثقافة والقراءة عموما، وبخاصة فى ميدان اللغة، اللهم إلا المتخصصين، أما سائر أفراد الشعب فهم فى عمومهم فى واد، والاهتمامات الثقافية فى واد. وحتى إذا كان يقصد بالمعاجم السهلة العملية تلك التى تُرَتَّب فيها الكلمات بناء على رسمها لا على جذرها اللغوى كما هو متبع فى المعاجم العربية الأصيلة، فهذا الضرب من المعاجم موجود عندنا أيضا. ولدىَّ فى مكتبتى الخاصة عدد منها رغم أنى أفضِّل الطريقة المعجمية التقليدية لملاءمتها لطبيعة لغتنا، لكنى اشتريتها من باب اقتناء كل ما أستطيع اقتناءه من الجديد فى ميدان اللغة والأدب، ولتكون أيضا فى متناول أولادى الصغار إذا ما أرادوا أن يبحثوا عن معنى كلمة دون أن يرهقوا أنفسهم فى البحث عن أصل مادتها. ومن هذه المعاجم "منجد الطلاب" و"الرائد" و"لاروس" وغيرها. وتتجاوز المعاجم ودوائر المعارف التى فى مكتبتى فى كل ما يخطر على البال تقريبا من العلوم والفنون مائتين رغم أنها ليست من المكتبات الغنية التى أراها أو أسمع بها عند بعض العلماء. إلا أننى حريص أشد الحرص على امتلاك أكبر عدد ممكن من هذا الضرب من الكتب لأنها تسهل الوصول إلى المعلومات التى أبغيها فى أسرع وقت وبأوجز عبارة. لكن كم من خريجى أقسام اللغة العربية، ودعنا من خريجى الأقسام الأخرى، يهتم بأن يكون فى بيته معجم، أو أن يفتح أى كتاب أصلا؟ هذه هى المشكلة لا اللغة العربية وصعوبتها المزعومة! وأنتهز الآن الفرصة لأُعِيد القول هنا بصوتٍ عالٍ وبملء فمى إن مثل هذه المزاعم والشكاوَى سوف تختفى وتصبح فى خبر "كان" يوم يُقْبِل العرب على القراءة ويهتمون بترقية عقولهم وأذواقهم كما يهتمون ببطونهم وتسلياتهم التافهة، وكما كان أجدادهم يهتمون بالعلم والأدب وشؤون الفكر والثقافة أيام مجدهم الحضارى!ومن آراء المؤلف الغريبة أيضا التى لا أدرى من أين عنّت له قوله إن عندنا نحن العرب منذ قرون طوال شيزوفرانيا لغوية، إذ عندما نترك أنفسنا على سجيتها فإننا نستعمل اللهجة العامية، أما عندما نكتب أو نقرأ أو نستمع إلى نشرات الأخبار فإننا نتحول إلى اللغة الفصحى(ص 125). وهو رأىٌ فطيرٌ لا ينهض على أى أساس، فنحن لا تتغير شخصيتنا عندما ننتقل من مستوى لغوى إلى مستوى لغوى آخر حسب السياق الذى نجد أنفسنا فيه، وإلا لكان البشر جميعا مصابين بألوان وألوان من الشيزوفرانيا لأنهم دائمو التنقل من حالة لأخرى فى كل وقت من النهار والليل: ففى البيت نرتدى المنامة والشبشب، أما عندما نخرج إلى الشارع فنلبس القميص والسراويل، وفى الحفلات والمناسبات الرسمية نأخذ كامل زينتنا ونلبس البدلة ورباط الرقبة والحذاء والجورب...إلخ. ونحن حين نكون فى الشارع فى عجلة من أمرنا فإننا نسكت صراخ بطوننا بشطيرة كيفما اتفق، على حين أننا لو كنا بالبيت فلن نرضى من زوجاتنا بأقل من الطبيخ واللحم والسَّلَطات والجبن والفواكه... وهلم جرًّا. كذلك فالواحد منا يكون خارج البيت مجاملا مع الآخرين، بينما يترك نفسه على طبيعته مع أهل بيته فيصرخ وينفعل، وقد يكون وَعْرا شديد الوعورة...وهكذا، وهكذا. ترى أيخطر فى بال أحدنا أن يسمّى شيئًا من هذا شيزوفرانيا؟ وعلى كل حال فهذا الانتقالُ من مستوى لغوى إلى مستوى لغوى آخر موجودٌ فى كل اللغات، وليس مقصورا على لغة القرآن، إذ الحياة فى كل مجالاتها ومظاهرها مرتبةٌ درجاتٍ بعضُها فوق بعض. والفصحى، كما سلف القول، تشبه ارتداء الملابس الرسمية كاملة، أما عامية المثقفين فتشبه القميص والسراويل، وأما عامية غير المتعلمين فتشبه مباذل العمل، وتبقى عامية الدهماء والغوغاء، وهى أشبه ما تكون بملابس الكناسين وكاسحى المجارى. ولست أقصد بهذا تحقيرا لأى أحد أو لأية مهنة. إنما هو مَثَلٌ ضَرَبْتُه لأبين للقراء الأفاضل أن المؤلف لا يقول كلاما سليما حين يتهم العرب من دون سائر خلق الله بأنهم مصابون بداء "الشيزوفرانيا"! وليس الفرق بين اللغة الفصحى واللهجة العامية كالفرق بين لغتين مختلفتين كما يزعم خطأً، وإلا فكيف يفهم العامىُّ المغرقُ فى الأميةِ والجهلِ كلامَ الخطيب يوم الجمعة والآيات القرآنية والأحاديث النبوية وأقوال الصحابة وأبيات الشعر التى تتضمنها الخطبة عادة؟ وقل مثل ذلك فى نشرات الأخبار والتحليلات السياسية والكلمات التى تلقى فى الندوات العامة. كذلك كيف يفسر الكاتب مقدرة ابنتى الصغيرة التى لا تزال فى المرحلة الابتدائية على فهم القصص والمجلات والكتب التى أشتريها لها لتقرأها وتستمتع بها، حتى إنها لتفاجئنى بترديد بعض عباراتها الفصحى كما فعلت الليلةَ مثلا حين كنت أهدهدها وهى بجوارى تقرأ فى إحدى مجلات "ميكى"، إذ انطلق لسانهاقائلةً: "لماذا تُرَبِّتُ على كَتِفى يا أبى ؟": هكذا بالنص كما شكَّلتُ الجملة، مما جعلنى أهتف بصوت مسموع وأنا أقهقه: "تعال يا أستاذ شوباشى، اسمع!"، وهو ما دفعها إلى السؤال باستغراب: "من الأستاذ الشوباشى هذا يا بابا؟"، فضحكتْ زوجتى، التى تعرف الأمر وتتابعه معى أَوَّلاً بأَوَّل… والطريف أن هذه الصغيرة نفسها كثيرا ما تسألنى عن بعض الكلمات والعبارات العامية التى لا تدرك معناها فيما أحب الاستماع إليه من أغانٍ مثل أغنية "غُلُبْت أصالح فى روحى" لكوكب الشرق، التى لم تفهم منها عبارة "صعبان علىّ اللى قاسيته، فى الحب من طول الهجران"؟ ثم كيف يفسر سيادته استطاعتى أثناء طفولتى الأولى فى الكُتّاب فهم قصص الأنبياء التى كانت تقع فى يدى بين الحين والحين فى خمسينات القرن الماضى حين كانت القرية المصرية غارقة فى ظلمات الأمية إلى حد كبير، وكل ما كان فى جَعْبتنا من الفكر والثقافة فى ذلك الحين قواعدُ الإملاء وعملياتُ الحساب الأولية وحفظُ بعض السُوَر القرآنية؟ وماذا يقول فى القراء الذين لم يحصلوا على أية شهادة علمية، لكنهم يحبون القراءة ويستطيعون أن يفهموا ويتلذذوا بمطالعة الكتب الراقية التى ألفها فطاحل الكتاب والأدباء كالعقاد والمازنى وطه حسين وأحمد أمين وفريد أبو حديد مثلا؟ وكيف يا ترى يفهم هذا النوعُ من القراء بوجهٍ عامٍّ آياتِ القرآن وأحاديثَ النبىّ، وكتب التفسير والفقه وغيرها من المؤلفات التراثية؟ إن الكاتب يبدو وكأنه يتحدث عن مخلوقات تعيش فى الفضاء الخارجى لا نعرف عنهم شيئا إلا ما تحكيه الأساطير والقصص الخرافية، فهو يأخذ راحته تماما فى الحديث عنهم وعن غرائب أحوالهم مطمئنًّا إلى أن أحدا لن يستطيع أن يعقِّب على ما يقول! ثم بالله عليكم أيها القراء، هل يُعْقَل أنه إذا ذهب واحد مثلى إلى البقال وأصابه خَبَلٌ فى عقله (بعد الشر!) وقال له: " أعطنى يا بُنَىَّ رغيفا من الخبز، وزِدْ عليه قطعة من الجبن"، أن البقال لن يفهم من هذا الكلام شيئا كما يزعم أ.الشوباشى؟ طيب ما رأيك يا أ.شوباشى أنى أنا نفسى قد فهمت هذه الجملة من أول وهلة؟ تَصَوَّرْ! ألست أستحق منك جائزة؟ لا تضحكوا من فضلكم أيها القراء الكرام من منطقى هذا فى الرد، فإن مثل تلك الدعوى لا يُرَدّ عليها إلا بذاك المنطق! والواقع أن هذا الكلام هو من عيّنة الزعم المضحك بأن المجمع اللغوى يقول فى تسمية الساندويتش: "شاطر ومشطور وبينهما طازج"! ومن الغرائب فى هذا السياق قول المؤلف إن العربى فى كل العصور والأزمنة كان يهجر الفصحى ويلجأ إلى العامية يعبر بها عما فى صدره حتى إنه لو ذهب لحبيبته وقال لها: "أنا هائم فى غرامك" أو "وجهك الصبوح يهز كيانى" لانتهت العلاقة بينهما بهذا الغزل البليغ (ص 135). وطبعا لو أنه، بدلا من هذا، غازلها بالفرنسية التى لا تعرف منها حرفا فلسوف ترتمى على صدره من فورها وتُكَلْبِش فيه واقعةً لشوشتها فى هواه، ولن يستطيع أحد عندئذ أن يفكّه منها ولو بالطبل البلدى! لكن ماذا تقول يا أستاذ فى كل الغزل العربى طوال الخمسة عشر قرنا الماضية وزيادة، وقد كان كله بالفصحى، اللهم إلا الأغانى العاطفية فى العقود الأخيرة، بل كانت رسائل بعض الشعراء إلى حبائبهم بهذه اللغة كما فعل بشار والعباس بن الأحنف وابن زيدون والبهاء زهير، لا بالعامية كما تظن أنت؟ ملعوبة هذه ؟ أليس كذلك؟ وما رأيك فى أن المحبين والمحبّات، حتى فى عصرنا هذا، حين يكتب بعضهم لبعض رسائل غرامية إنما يكتبونها عادة بالفصحى، ويبكون إذا استمعوا إلى الأغانى الفصيحة من مثل: "أيظن؟" أو "لا تكذبى"، أو "رسالة من امرأة مجهولة" أو "لستَ قلبى" أو "حبيبَها" أو "قصة الأمس" أو "أراك عَصِىَّ الدمع" أو "فَجْر" أو "جبل التَّوْباد" أو "عُدْتَ يا يوم مولدى" أو "أشواق" أو "لا تُوَدِّعْنى حبيبى"؟ بل إنهم حينما يبكون إنما يبكون بالفصحى! ما رأيك فى هذه أيضا؟ ملعوبة؟ ألا توافقنى على هذا؟ حتى أحمد رمزى فى الفِلْم المشهور الذى لا أعرف عنوانه ، والذى كان يقوم بدور السّنّيد فيه كالعادة الأستاذ غراب (عبد السلام النابلسى)، كان يستعين بسعد عبد الوهاب فى كتابة الخطابات الملتهبة للممثلة إيمان باللغة الفصيحة مما لا تُعَدّ الجملتان اللتان استشهدتَ بهما سيادتك بجانبه شيئا بالمرة! أتستطيع أن تنكر هذه الواقعة أيضا؟ إنك إن فعلت فسوف أرفع دعوى قضائية وأطلب شهادة الممثلَيْن المذكورَيْن، ولا أظنهما يجحدان الشهادة، وإلا فهناك نسخة الفلم، وهى لا يمكن أن تغير ذمتها! وقِسْ على ذلك الفلم غيره من الأفلام!وبعد، فقد آن لنا أن نلقى القلم ونستريح، ولكن قبل أن نفعل لا بد أن نبين للقراء ماذا نقصد بكلمة "عبقرية" حين نصف بها لغتنا الفصحى: أول شىء أنها لغة طويلة العمر، إذ يبلغ عمرها أكثر من ستة عشر قرنا بكثير، وهذه الخصيصة دليل على أصالتها وعلى أن فيها سرًّا وبركة، وإلا ما استطاعت أن تقوم بحاجات أجدادنا وآبائنا ثم حاجاتنا نحن أيضا على مدار هذا التاريخ الطويل الذى لم يهبه اللهُ للغةٍ غيرها. لكن أ.الشوباشى لا يستطيع أن يدرك هذا المعنى، ونحن ندعو الله له بالاهتداء إلى إدراكه حتى لا يتجنى على هذه اللغة العبقرية. وثانى شىء أنها تخلو من التنافر فى حروف كلماتها بحيث لا تجد فيها مثلا كلمة تحتوى على "دال" يوجد قبلها أو بعدها "طاء" أو "ظاء"، أو كلمة تحتوى على "جيم" يجىء قبلها أو بعدها "غين"، أو كلمة تحتوى على "سين" يأتى قبلها أو بعدها "شين"... إلخ. وعلى هذا فأنت حين تقرؤها أو تتكلمها لن تجد فيها ما يثقل على لسانك أو أذنك أو ذوقك. بل إنها لا تقبل أن تكون فيها كلمة تبدأ بحرف ساكن. وهذا وذاك مما لا يتوفر لغيرها مما نعرفه على الأقل من اللغات الأوربية التى يفاخرنا بها كل من فى قلبه شىء تجاه العربية الفصيحة! وثالثا فهذه اللغة كل كلماتها موزونة، والأوزان التى تجرى عليها تلك الكلمات معروفة ومعدودة ويمكن أن يُلِمّ بها أى شخص فى عجالة: فالأفعال الماضية مثلا إذا كانت مكونة من ثلاثة أحرف لا تخرج عن أن تكون على وزن "فَعَلَ" أو "فَعِلَ" أو "فَعُلَ". والمضارع من الوزن الأول يكون إما على وزن "يَفْعَلُ" أو "يَفْعِلُ" أو "يَفْعُلُ". أما من الوزن الثانى فهو إما على وزن "يَفْعِلَ" أو "يَفْعَل"، ولا ثالث لهما. ويبقى الوزن الثالث، والمضارع منه ليس له إلا صورة واحدة هى "يَفْعُل"... وهذا مجرد مثال. ولهذا كانت اللغة الفصحى لغة مُوَقَّعَة تمتع الأذن، وهذه قيمة يهتم بها ذوّاقو اللغات. كذلك فكل وزن من أوزان الكلمة له معنى أو أكثر، ومن ثم كان من السهل فى كثير من الأحيان معرفة المعنى الإضافى للكلمة بسهولة: فمثلا المصادر الثلاثية التى على وزن "فُعَال" تدل عادة على مرض أو ألم مثل: "دُوَار، زكام، صداع، كُبَاد، كساح، قراع، خُنَاق"... إلخ. كما أن اسم الآلة لا يخرج فى صِيَغه القياسية عن الأوزان التالية: "مِفْعَل، مِفْعال، مِفْعَلة، فَعّال، فَعّالة، فاعُول"...وهلم جرا. ثم إن الإعراب الذى يزعج بعض الناس هو أيضا سر من أسرار هذه اللغة العجيبة التى انبثقت من قلب الصحراء، لكنْ ما إن نزل بها كتاب الله حتى انطلقت من عزلتها إلى آفاق العالمية وصارت لغةَ إمبراطوريةٍ متراميةِ الأطراف. وهذا الإعراب يعطيها مرونة وحرية وحيوية ليست للغةٍ غيرها. إن كاتبنا يبدى ضيقة بهذه السمة مفضلا عليها أن تجىء الجملة على وتيرة واحدة لا تتغير، كالذى لا يعرف من ألوان الأطعمة إلا " السميط والجبن"، فيظل طول النهار يأكل "سميطًا وجبنًا، سميطًا وجبنًا، سميطًا وجبنًا" حتى مشّّشَتْ بطنه من الجبن وتكلَّس السميط فيها، مع أن خيرات الله فى ميدان الأكل لا حَصْر لها ولا حدّ لتنوعها. لكن ماذا نقول فيه وفى أمثاله ممن لا يريدون أن يعرفوا أن نعم الله كثيرة وأن فى الدنيا أشياء غير "السميط والجبن"؟ وفضلا عن هذا فإن الفصحى تمتاز بالثراء الفاخر فى معجمها اللفظى، فما من شىء أو صفة أو معنى مهما كان من دقته إلا وَضَع له العرب عدة كلمات تنظر إليه من كل زواياه مثلما رأينا فيما قاله حسن الشريف فى مثال "العطش"، وكذلك ما قاله محمد مفيد الشوباشى فى "مشى المرأة"، وما قلته أنا فى بعض أسماء "السيف". وهناك مزايا أخرى كثيرة ليس هنا موضع تبيانها، فتُطْلَب فى مظانّها.ونصل الآن إلى خط النهاية، ولكن قبل أن نطوى أوراقنا لا بد من كلمة حق نقولها فى سيبويه، الذى نادى مؤلفنا بسقوطه. لقد أسدى هذا الرجل إلى لغة القرآن يدًا جُلَّى بتأليف أشهر كتاب فى النحو العربى حتى ليكفى أن يقال: "الكتاب" ليعرف السامع للتوّ أن المقصود كتاب هذا العالم الجليل. ويزيد الرجلَ فضلا أنه فارسى، على حين أن من العرب الآن من يدعون إلى خنق اللغة العربية زاعمين عليها المزاعم مهوّلين فى أمر صعوبتها، وكأنها هى الشىء الصعب الوحيد فى العالم، مع أن الحياة كلها صعوبات. إن الأمم القوية هى التى تفرض كلمتها وشخصيتها على الدنيا لا التى تفرّ منهزمة أمام أول عقبة تصادفها فى طريقها. لقد مضت عدة قرون على العرب والمسلمين وهم موتى أو أشباه موتى، بينما تقتحم أمم أخرى بلادهم اقتحامًا وتملى كلمتها عليهم وتريد أن تُُكْرِههم على أن يعيشوا بالأسلوب الذى تريده هى لا الذى يريدونه هم، ومنه التخلى عن لغة القرآن. وهو الحلم الذى يراودهم منذ أجيال، ولا يريدون أن يكفّوا عن محاولة جعله حقيقة! فكيف نقبل أن يهان سيبويه، وهو رمز من رموزنا العلمية والدينية، وكذلك القومية رغم أن الرجل فارسى الأصل؟ إن العرب هم الذين يتشرفون بسيبويه، وليس هو الذى يتشرف بهم، وإن كان شرفه نابعا من خدمته للّغة التى اختارتها السماء لحمل رسالة الدين الأخير، الدين الذى أتى به محمد صلى الله عليه وسلم والذى تعهد الله بحفظ كتابه. وعلى هذا فإننا نهتف من أعماق قلوبنا وبأعلى حِسّنا: يعيش سيبويه! ويعيش معه محمد فريد الشوباشى عاشق اللغة الفصحى التى عشقها سيبويه وخدمها بنور عينيه وعقله! ولا عاش من يكره الفصحى ويعمل على تدميرها رغم أنه، بمشيئة الله تعالى وحوله وطوله، لن يكون أبدا من المفلحين! وأرجو ألا يكون الأستاذ شريف الشوباشى من هؤلاء الكارهين، إن لم يكن من أجل شىء فلأنه وكيل وزارة الثقافة فى أكبر دولة عربية، ووكيل الثقافة فى مصر ينبغى أن يكون من المتدلهين فى هوى لغة القرآن!