Wednesday, August 1, 2007

منظمة سرية تعامل معاملة الدولة.. "فرسان مالطة"أداة الحقد الصليبي.. لا أرض لها ولا سكان

منظمة سرية تعامل معاملة الدولة.. "فرسان مالطة"أداة الحقد الصليبي.. لا أرض لها ولا سكان
الكاتب: علي عبد العال

جمعه ورتبه للنشر / علي عبد العال ليست سفارة الصهاينة بالقاهرة هي النشاز الوحيد في هذه المدينة الإسلامية العتيقة، لأن هناك أيضاً "فرسان مالطة".. القادمون من قلب العصور الوسطى والحروب الصليبية إلى قلب القاهرة.. اسم غامض، له دور كبير في احتلال العراق، وتتحدث تقارير عديدة عن علاقتها المشبوهة والغامضة بأمريكا وإسرائيل، وأخرى ترصد تحركاتها وأهدافها التبشيرية في بلاد المسلمين.. آخر ما تبقى من هياكل الحروب الصليبية على العالم الإسلامي. كيان له تمثيل دبلوماسي رسمي في 96 دولة من دول العالم، رغم أنها ليست دولة إذ لا أرض لها، ولا سكان، ولا حكومة، ولا موقع على الخريطة. مواطنوها عبارة عن مجموعة متطوعين (من دول عدة) في أنشطة غير معروف حقيقتها. تتمتع بالسيادة، وتقوم بإصدار جوازات السفر، وطباعة الطوابع التي تدر عليها دخلاً تستخدمه في أنشطتها. يحكمها رئيس يبقى مدى الحياة ويلقب بـ "السيد الأكبر" ويظل وحده صاحب السلطات الأوسع ويمنح لقب "كاردينال" من قبل الكنيسة الرومانية المقدسة. إذ تتحكم الكاثوليكية في عمل جميع الهيئات التابعة لفرسان مالطة. وهو اسم قديم فما الذي يدعو الذاكرة إلى استرجاعه الآن؟!. ربما لأن أفعال هذه المنظمة السرية أخذت تتكشف، ما دعا مجموعة من كبار الكتاب والباحثين العرب لإلقاء الضوء عليها، وفضح ممارساتها أمام القاريء العربي. على رأس هؤلاء الكاتب الصحفي المصري، محمد حسنين هيكل، الذي أوضح في لقائه مع قناة "الجزيرة" أن وجود مقاتلي شركات المرتزقة الأجنبية بالعراق ليس مجرد تعاقد أمني مع البنتاجون، تقوم بمقتضاه هذه القوات بمهام قتالية نيابة عن الجيش الأمريكي، بل يسبقه تعاقد أيديولوجي (عقائدي) مشترك بين الجانبين يجمع بينهما، ألا وهو دولة "فرسان مالطة" الاعتبارية، آخر الفلول الصليبية التي تهيمن على صناعة القرار في الولايات المتحدة والعالم. وتابع هيكل: "لأول مرة أسمع خطاباً سياسياً في الغرب واسعاً يتحدث عن الحروب الصليبية.. هناك أجواء حرب صليبية"، مشيراً إلى حقائق كشف عنها الصحفي الأمريكي جيرمي سكيل في كتابه عن "بلاك ووتر" أكبر شركات المرتزقة المتعاقدة مع الإدارة الأمريكية في العراق، حيث أظهر العلاقة "الدينية" التي تجمعهما. وفي مقال له كشف الكاتب الفلسطيني الدكتور إبراهيم علوش، عن وجود بعثات دبلوماسية وسفارات للمنظمة المسيحية المتطرفة في عدد كبير من الدول العربية والإسلامية، على رأسها : مصر والأردن و لبنان وموريتانيا وإرتريا والمغرب والسودان وتشاد، ( 8 دول عربية، 16 إسلامية، 94 دولة أجنبية) ويذكر أن لفرسان مالطة تمثيلاً دبلوماسياً في مصر منذ العام 1980، رغم أن المنظمة السرية ليست دولة بأي حال. ويقول هيكل: "إن شيمون بيريز ــ الرئيس الإسرائيلي الحالي ــ طلب من مصر الاعتراف بدولة فرسان مالطة، واعترفت مصر"، متعجباً من اعتراف البلد غير الكاثوليكي في العالم بهذه الجماعة الكاثوليكية الرومانية. وليس من المستبعد أن يكون ضغطاً أمريكياً قد أسهم بتحقيق الاعتراف الدبلوماسي بها، ضمن رؤية "صراع الحضارات" للمحافظين الجدد! وسوف تبقى مثل هذه السفارات ضمن إرثهم الذي يخلفونه في المنطقة على شكل "خلايا نائمة". وقد لا يعلم البعض أن العلاقة بين مصر وفرسان مالطة عمرها قرون، حيث أن أمر بناء أول كنيسة لهم في القدس جاء بموافقة حاكم مصر عام 1048 والتي ألحق بها مستشفى (هوسبيتال) القديس يوحنا 1080 قرب كنيسة القيامة لخدمة الحجاج المسيحيين وكان النواة الحقيقية لانتشارهم ومساعدة الاحتلال الصليبي في السيطرة على البلاد. تقدم المنظمة نفسها رسمياً كجمعية خيرية، تعمل في المجال الطبي، وتبرر إصرارها على إقامة علاقات دبلوماسية بالدول بهذا الغرض، حيث يوجد لها مستشفىً قديمٌ للولادة في مدينة بيت لحم. إذ كانت قد تشكلت في البداية كجمعية لإغاثة المرضى من الحجاج النصارى القادمين إلى القدس، في القرن الحادي عشر قبيل غزوات الفرنجة، إلا أنها تحولت سريعاً إلى قوة عسكرية مقاتلة، ومن ثم إلى جماعة يمينية متطرفة. البداية التاريخية بدأ ظهور فرسان مالطة عام 1070م، كهيئة خيرية، أسسها بعض التجار الإيطاليين لرعاية الحجاج، في مستشفى (القديس يوحنا) قرب كنيسة القيامة ببيت المقدس، وظل هؤلاء يمارسون عملهم في ظل سيطرة الدولة الإسلامية، حيث أطلق عليهم "فرسان المستشفى" Hospitallers تمييزاً لهم عن هيئات الفرسان التي كانت موجودة في القدس آنذاك مثل "فرسان المعبد". وعندما قامت الحروب الصليبية الأولى 1097 م، وتم الاستيلاء على القدس أنشأ رئيس المستشفى (جيرارد دي مارتيز) تنظيماً منفصلاً أسماه "رهبان مستشفي قديس القدس يوحنا" وهؤلاء بحكم درايتهم بأحوال البلاد قدموا مساعدات قيمة للصليبيين، وخاصة بعد أن تحولوا إلى نظام فرسان عسكريين بفضل (ريموند دو بوي) الذي أعاد تشكيل التنظيم على أساس عسكري مسلح باركه البابا (أنوست الثاني) 1130، حتى قيل : إن الفضل في بقاء مدينة القدس في يد الصليبيين واستمرار الحيوية في الجيوش الصليبية يعود بالأساس إلى الهوسبتاليين أي (فرسان مالطا) بجانب فرسان المعبد. لم يلبث أولئك أن دخلوا تحت لواء النظام الديري البندكتي المعروف في غرب أوروبا، وصاروا يتبعون بابا روما مباشرة بعد أن اعترف البابا (باسكال الثاني) بتنظيمهم رسميًا في 15 فبراير 1113 م. منحهم البابا صلاحيات عديدة ولم يكن يتدخل في سلطاتهم الدينية. إذ جاءت موافقة البابا على رعايتهم بعد أن جهزوا أسطولاً بحرياً في شرق البحر الأبيض المتوسط ضمن الحروب الصليبية للدفاع ـ كما يزعمون ـ عن آخر معاقل المسيحية التي بدأت تتساقط في الدول الإسلامية، وبذلك شنوا هجمات على مصر وسوريا وحاولوا استرداد رودس، وبعد ستة أشهر من الحصار والقتال الشرس ضد الأسطول وجيش السلطان سليمان العظيم استسلم الفرسان. بعد هزيمة الصليبيين في موقعة حطين عام 1187 م، على يد صلاح الدين الأيوبي، هرب الفرسان الصليبيون إلى البلاد الأوروبية.. وبسقوط عكا 1291 م وطرد الصليبيين نهائيًا من الشام اتجهت هيئات الفرسان إلى نقل نشاطها لميادين أخرى. وبينما نزح "فرسان المعبد" إلى بلدان جنوب أوروبا وخاصة فرنسا، حيث قضى عليهم فيليب الرابع فيما بعد (1307: 1314 م) ظل فرسان الهوسبتالية موجودون حتى اليوم. ظلوا يتنقلون إلى أن استقروا في قبرص 1291 م، ومن قبرص استمروا في مناوشة المسلمين عن طريق الرحلات البحرية، ومارسوا أعمال القرصنة ضد سفن المسلمين، إلا أن المقام لم يطب لهم هناك فعمد رئيسهم (وليم دي فاليت) للتخطيط لاحتلال (رودس) وأخذها من العرب المسلمين وهو ما قام به أخوه وخليفته (توك دي فاليت) في حرب صليبية خاصة (1308 - 1310) ليصبح اسم نظام الفرسان الجديد يسمى (النظام السيادي لرودس) أو (النظام السامي لفرسان رودس). وفي (رودس) أنشأ تنظيم الهوسبتاليين مراكزه الرئيسة وازدادت قوته ونفوذه خاصة بعد أن تم حل تنظيم فرسان المعبد وآلت بعض ثرواته للهوسبتاليين. وفي مرحلة لاحقة، وبعد أن ضاقت بهم الأرض بما رحبت منح الملك (شارك كنت) للهوسبتاليين السيادة على جزيرة مالطة في 24 مارس 1530. وقد صدق البابا (كليمنت السادس) على ذلك في 25 إبريل 1530 ومن ثم أصبح النظام يمتلك مقرًا وأقاليم جديدة أدت إلى تغيير اسمه في 26 أكتوبر 1530 م إلى "النظام السيادي لفرسان مالطة" ومنذ ذلك الوقت أصبحت مالطة بمثابة وطنهم الثالث، ومنها استمدوا أسمهم "فرسان مالطة" . استطاع رئيسهم (جان دي لافاليت) أن يقوي دفاعاتهم ضد الأتراك العثمانيين مصدر خوفهم وأن يبني مدينة (فاليتا - عاصمة مالطا حاليا) التي أطلق عليها اسمه وكان مما ساعد على ترسيخ وجودهم في مالطا وقوع معركة (ليبانتوا) البحرية 1571م، بين الروم والأتراك مما أبعد خطر الأتراك ووفر لنظام الفرسان جواً من الهدوء. وقد تميز هذا النظام منذ إقامته في مالطة بعدائه المستمر للمسلمين وقرصنته لسفنهم حتى كون منها ثروة (ينفقون منها حاليا على أعمالهم) ولاسيما في الحصار التاريخي 1565 الذي انتهى بمذبحة كبيرة للأتراك. وظل النظام في مالطا تحت حماية إمبراطور الدولة الرومانية والكرسي الرسولي وفرنسا وإسبانيا وانتشر سفراؤه في بعض الدول وهو ما كان يعني اعترافًا بالسيادة الشخصية للسيد الكبير للنظام أو "رئيس الفرسان". مع قيام الثورة 1789 وغزو الفرنسيين إيطاليا فقد الفرسان الصليبيون ممتلكاتهم وامتيازاتهم في فرنسا وإيطاليا، وانتهى بهم الأمر بفقد مقرهم في جزيرة مالطا نفسها وطردهم منها على يد نابليون أثناء حملته على مصر عام 1798 م. وبحلول 1805 أصبح الفرسان بلا رئيس حاكم، ومنذ 1834 ونظام الفرسان يمارس شؤونه من روما بصفة رسمية باسم "العمل الخيري" وفي نطاق المستشفيات حتى أصبح نظامهم أشبه بهيئة طبية لكن تسيطر عليها الروح الصليبية، وقد أخذوا في التوسع حتى فتحوا جمعية لهم في الولايات المتحدة 1926م. استقرت المنظمة نهائيًا في الفاتيكان، وأصبح رمزها (صليب أبيض معلق بحبل أسود) ولذلك عرفوا بفرسان الصليب الأبيض. ودائماً ما يرتدي أعضاؤها ملابس بيضاء عليها صليب أحمر، ويضعون على رؤوسهم أقنعة لا يظهر منها سوى العينين والأنف والفم، ويشعلون مشاعل نارية. تمثلت دعوة المنظمة السرية في العودة إلى الأصول الكاثوليكية، حتى أن تحالفهم مع منظمة (الكو ـ كلوكس ـ كلان) الإرهابية العنصرية، التي كانت تطالب بالدفاع عن المذهب الكاثوليكي وعن سيادة الرجل الأبيض ومنع مساواة المواطنين السود مع البيض في أمريكا. كان بدوافع الاضطهاد الديني قبل أن يكون (اضطهاد عنصري) على اعتبار أن أصل هؤلاء السود والآسيويين (الذين تم جلبهم إلى أمريكا عن طريق تجارة الرقيق) يعود إلى أفريقيا وآسيا حيث غالبية السكان يدينون بالدين الإسلامي (قبل حملات التبشير فيما بعد) هذا فضلاً عن أن هؤلاء السود والآسيويين جاؤوا من المناطق التي سبق أن طُرد منها هؤلاء المهووسون دينيًا وعنصريًا، وهو سبب كافٍ لاضطهادهم وتفريغ شحنات الغضب فيهم. الفرسان الصليبيون يُعيدون تنظيم أنفسهم ومع أن تنظيم الفرسان اختفت أخباره منذ العصور الاستعمارية الغربية تقريبا، ولم يعد أحد يسمع عنه بعدما استقروا في روما والبعض الآخر في أمريكا، عادوا بقوة في أوائل التسعينيات ( الفترة التي شهدت تزايد العداء للإسلام كدين والحديث عن استهدافه كعدو جديد بدل الشيوعية التي اندثرت !! ) وعقدت منظمات الفرسان الصليبية اجتماعًا في جزيرة مالطة في أوائل ديسمبر 1990، هو الأول من نوعه، منذ أخرجهم نابليون بونابرت منها، وكان الاجتماع مثيراً للغاية - كما قال (روجر جيورجو) أحد أولئك الفرسان الذين اجتمعوا بالجزيرة - وبلغ عدد الحاضرين حوالي خمسمائة ـ معظمهم من القساوسة ـ ينتمون إلى اثنين وعشرين دولة . ولوحظ أن الفرسان الصليبيين المجتمعين اعتبروا هذا اللقاء خطوة باتجاه إحياء وإنعاش تلك المنظمة الكاثوليكية ذات الجذور الصليبية، حتى إنهم قرروا ــ بعد جولة واسعة في القلاع والقصور والتحصينات التي أقامها أسلافهم لتصفية الحسابات مع المسلمين في الماضي ــ التفاوض مع الحكومة المالطية لاستئجار واحدة من تلك القواعد في ميناء "فالتا" العاصمة ليتخذوا منها مركزًا لنشاطهم. وقد روت صحيفة "هيرالد تبيون" الأمريكية تفاصيل هذا الاجتماع في حينه قائلة : إن "الفرسان" توافدوا على الاجتماع، وقد ارتدى كل واحد منهم ملابس كهنوتية سوداء، يزينها صليب أبيض مزدوج الأطراف، ورأس الجلسات "الأستاذ الأعظم" الذي يقود المنظمة، وهو أول بريطاني يرأس المنظمة منذ عام 1277، كما أنه الرئيس الثامن والسبعون للمنظمة منذ تأسيسها، ويرأس مجلسًا يتألف من ستة وعشرين "فارسًا" يساعدونه على تسيير شؤون المنظمة وتدعمه أمريكا بقوة !! فرسان مالطا الآن يقع المقر الرئيس للمنظمة حالياً في العاصمة الإيطالية روما، ويحمل اسم "قصر مالطا". وقد أصبح لهذه المنظمة علاقات دبلوماسية مع العالم الرسمي، كما أن مقرها الرئيس في روما، له العديد من الامتيازات كدولة الفاتيكان، إذ أن لهم محاكمهم الخاصة وجوازات سفرهم الخاصة، كما أن للمنظمة التي تشبه الدولة ثلاثة أعلام رسمية لكل علم استخدامه ودلالاته، رغم أنه لا أرض لها ولا سكان. ويقدر عدد أعضاء "فرسان مالطة" بحوالي عشرة آلاف فارس وسيدة كما تقول المواقع المخصصة لهم على الانترنت. بينما يقدر عدد المتطوعين الذين يعملون معهم بحوالي نصف مليون شخص، منهم زهاء مائة ألف في فرنسا وحدها، ومثلهم في ألمانيا الغربية والولايات المتحدة، وغير المتطوعين في الولايات المتحدة وحدها ألف وخمسمائة فارس، وقد انضم إلى عضويتها عدد من أصحاب الملايين خصوصا أن نشاطهم الحالي طبي ويختص بالمستشفيات مما يغري بالتبرع لهم . وهم مهتمون بإقامة علاقات دبلوماسية مع مختلف الدول حتى إن رئيسهم (بيرتي) يقول : "إن الدبلوماسية بحد ذاتها ليست من أهدافنا ولكن إقامة علاقات مع الدول تساعد في تسهيل أعمالنا". ولا ينفي تاريخهم الصليبي إذ يقول : "نحن لا نخفي شيئاً، فنحن منظمة دينية قديمة، ولنا تقاليدنا وشعائرنا، لذلك فالجانب البروتوكولي والدبلوماسي في غاية الأهمية بالنسبة لنا، والقسم الأكبر منا رجال دين وقساوسة". والملفت أن منظمة الفرسان الجديدة تعتمد في دخلها على تلقي التبرعات بحجة إنشاء المستشفيات، وعلى بيع طوابع بريدية خاصة بها، وتستفيد أيضاً من الشهرة التي تجنيها من خلال توزيعها تبرعات كبيرة على المستشفيات وسيارات الإسعاف والأدوية على الدول المناطق المحتاجة ويمكنهم الاستفادة منها. ومع أننا لا نستبعد أن يكون هذا الموقف الجديد للصليبيين الجدد (أي التركيز على العمل الطبي) ــ حسب أحد المتابعين لنشاطهم ــ هو وليد الظروف الدولية المعاصرة وقيام غيرهم من الغربيين بحمل السلاح لإبادة المسلمين نيابة عنهم، فالمؤكد أنهم ــ باعترافهم ــ لا يتنكرون لتاريخهم الصليبي القديم الذي لا يزالون يفخرون به حينما حاربوا المسلمين ونهبوا قوافلهم في البحار. وبالتالي فخطر الفرسان الحالي ليس أقل خطراً من الماضي، ويكفي أن نعرف أن منظمات الإغاثة الصليبية التبشيرية في مناطق ملتهبة مثل جنوب السودان، كانت ولا تزال تشكل عنصر الدعم للمتمردين على الحكومات العربية، وهم الذين فصلوا (تيمور) عن إندونيسيا الإسلامية، والأخطر أن دورهم التبشيري لا ينفصل عن الدور الطبي، والأموال لا تُدفع بغير مقابل تبشيري!! ويكشف من جهتهما الباحثان الأيرلندي (سيمون بيلز) والأمريكية (ماريسا سانتييرا) اللذان تخصصا في بحث السياق الديني والاجتماعي والسياسي للكنيسة الكاثوليكية الرومانية، عن أن أبرز أعضاء جماعة "فرسان مالطة" من السياسيين الأمريكيين (رونالد ريجان) و(جورج بوش الأب) رئيسا الولايات المتحدة السابقان، وهما من الحزب الجمهوري، كما يشير موقع فرسان مالطة أن من بين الأعضاء البارزين في الجماعة (بريسكوت بوش) وهو الجد الأكبر للرئيس الحالي جورج بوش الابن. ولا يمكن ــ بحسب الباحثين ــ انتزاع تصريحات الرئيس بوش عقب هجمات 11 سبتمبر من هذا السياق حين أعلن شن "حرب صليبية" على الإرهاب وذلك قبيل غزوه لأفغانستان عام 2001. تقول مصادر عدة أن "فرسان مالطة" تزود شركة بلاك ووتر، وغيرها من شركات المرتزقة الدولية، بمقاتلين تحركهم الحمية الأصولية المسيحية ليستخدموا في الأماكن الخطرة التي يتردد باقي المرتزقة في دخولها، وتذكر بعض هذه المواقع أن هذه العناصر استخدمت في معركة الفلوجة في العراق عام 2004، وأنهم مسؤولون عن الكثير من الفظائع والانتهاكات التي جرت فيها.هذا الموضوع منشور في "محيط"

فضيحة الأقصى.. إلى أين؟




فضيحة الأقصى.. إلى أين؟



بقلم: الدكتورة زينب عبد العزيز
استاذة الحضارة الفرنسية





لقد وصل الوضع فى فضيحة المسجد الأقصى ، أولى القبلتين وثانى الحرمين ، إلى درجة تضعنا جميعا على حافة الهاوية ، هاوية لا يعرف مداها إلا الله سبحانه وتعالى ، إذ ستكون جد كاسحة .. فإن كنا نتمسك بديننا وثوابتنا و رموزنا فلا بد من مواجهة الموقف بكل أبعاده ، واتخاذ القرارات التى يمكنها ان تحد من ذلك الطوفان الذى يدفعوننا إليه .. و على الرغم من أن الرؤية العامة متشابكة مظلمة ، فإن تناول مفرداتها ، كل منها على حدة ، قد يكسب الوضع شىء من الوضوح .
ان ما كشفت عنه حرب العراق وصارت تتناقله الفضائيات بعبارات متفاوتة ، هو تبعية كل أصحاب القرار فى العالم الإسلامى والعربى ، فى مختلف المجالالت ، للسياسة الأمريكية ، وكل ما أصبحت تحمله وتفرضه من كيل بمكيالين وتعنت يخرج عن جميع الأعراف والموازين . بل لقد وصلت هذه التبعية إلى درجة الهرولة والتسابق فى الإعلان وتقديم فروض الولاء والطاعة ، و كل ما تفرضه من تنازلات ، حفاظا على المقاعد .. وكلها تمس – فى نهاية المطاف بالإسلام والمسلمين . ومن آخر هذه النماذج تلك الهرولة التى تمت من جانب ستة بلدان عربية إسلامية بالموافقة على طلب قادة السياسة الأمريكية بزيادة الوجود العسكرى فى العراق تحسبا لهجمة عسكرية فاصلة .. والمؤسف ان يتم الإعلان عن هذه الموافقة أو الهرولة قبل حتى أن يتم عرض هذا المشروع على الكونجرس الأمريكى أى أننا صرنا – على حد قول المثل ، إنجليز أكثر من الإنجليز ، وندافع عن السياسة الأمريكية قبل الأمريكان وأكثر منهم ولاءً ، بدليل إن الكونجرس قد اعترض على المبدأ كما اعترض على المليارات من الدولارات الإضافية المطلوبة لتلك الهجمة الإجرامية بكل المقاييس ..
ذلك هو الوضع العام الذى ننتقل منه إلى النقاط الأساسية فى هذا الموقف ، وهى :

1 )
– المسلمون والعرب : لقد وصل بنا الحال ، بعد أن فُرضت علينا المذلة واالتفريط فى أساسيات و ثوابت ديننا وبلداننا ،
وقبلنا التلفع بعباءة الخيانة والطاعة العمياء ، مرضاة للغرب المسيحى المتعصب ، أنه لم يعد من حقنا المطالبة بأى إنصاف أو إحترام من جانب نفس أولئك الذين فرضوا علينا ذلك الوضع ، فهم أول من يحتقر موقفنا ولا يعنيهم إنصافنا فنحن فى نظرهم " خونة " أو "عملاء" ولا نستحق الإنصاف ..

2 )
– الغرب المسيحى المتعصب : على الرغم من صراعات القوى الواضحة بين البلدان الغربية فهم جميعا ينساقون ، بصورة أو أخرى ، للقرارات التعسفية التى تتبناها السياسة الأمريكية.. وكلها مواقف لم تعد بحاجة إلى براهين وأدلة ، وتكفى الإشارة إلى موقفها المتعنت ، والمعلن بكل قحةٍ ، مساندتها الكيان الصهيونى المحتل لأرض فلسطين ، أو تلك الأكاذيب التى تلفعت بها لإحتلال العراق ، على مرأى ومسمع من العالم أجمع ، وما من أحدٍ يتحرك بصورة حاسمة ، وكأن ذلك العالم الغربى قد أصيب بالشلل واللامبالاه طالما التحطيم والإقتلاع فى الأغيار ، اللذين وُصموا بالإرهاب والإرهابية

3 ) –
المؤسسة الكنسية الكاثوليكية الفاتيكانية : إن كانت محاربتها للإسلام قد بدأت منذ أول إنتشاره ، بصورة غير معلنة أو بأساليب ملتوية ، فقد تم إتخاذ قرار إقتلاع الإسلام – بغير قناع ، فى مجمع الفاتيكان الثانى سنة 1965 ، كما تم الإعلان أكثر من مرة بأنه قرار لا رجعة فيه . وهو ما أكده البابا الراحل يوحنا بولس الثانى ، وهو نفس ما أعلنه البابا الحالى بنديكت السادس عشر .. ومن العار علينا ألا نأخذ كل هذه التصريحات والوثائق الرسمية بعين الإعتبار فى تعاملاتنا مع مثل هذه المؤسسة ، التى لا تكف حتى اليوم ، عن الإعلان عن ضرورة تنصير العالم وفقا لكاثوليكية روما و لا يخفى أن غرس الكيان الصهيونى قد تم بسبب التنازلات المتلاحقة التى فُرضت على المسلمين والعرب ، ولا يخفى ، من جهة أخرى ، الدور الذى لعبته المؤسسة الكنسية الفاتيكانية فى إقرار هذا الكيان ومباركته و تثبيت غرسه بمثل قرار تبرأتها لليهود من دم المسيح ، وكل ما لحق بذلك القرار من تنازلات تُخرج عن تعاليم المسيحية التى نسجتها وتفرضها على العالم قسراً ، بما فى ذلك الكنائس الأخرى ، منذ القرن الميلادى الرابع ، حتى سُمى بعصر الظلمات .. ولا تزال هذه المؤسسة تقدم للصهاينة تنازلات متتالية على أيدى عاهلها الجديد ، وما خفى كان أعظم ..


4 ) –
الكيان الصهيونى : لم تعد عربدة ذلك الكيان المحتل لأرض فلسطين بخافية على أحد ، كما لم يعد ضربه بكافة القرارات
الدولية والشرعية عرض الحائط ، أيا كانت وأيا كان مصدرها . أى أنه أصبح كيان يسود ويتحكم بالفعل لا فى مصير الفلسطينيين فحسب ، وإنما فى مصير العالم أجمع . وذلك لا يتأتى إلا إن كان يمتلك من النفوذ و السلطة القهرية و القمعية ما يسمح له بالتحكم والسيطرة على كلٍ من السياسة الأمريكية والفاتيكانبة فى آن واحد .. والمتابع لتاريخ عملية إكتشاف مخطوطات قمران وكل ما واكبها من أحداث وتصريحات قضت على كل من نطقوا بها ، يدرك تماما أنهم يمتلكون بالفعل وثائق ، من هذه المخطوطات ، ما يسمح لهم بهدم المسيحية الحالية تماما ، مثلما أعلنها فى مطلع الخمسينيات العالم الفرنسى ديبون سومير، الذى أُقيل بسببها من منصبه الجامعى والكهنوتى .. لذلك يعتمدون على المساومة الكبرى لتحقيق مآربهم ، ولذلك يرضخ لهم الغرب المسيحى المتعصب حفاظا على كيانه أمام الأتباع وأمام العالم أجمع .. ويالها من لعبة
و لا يمكن مواجهة هذا الموقف إلا بصورة صارمة شاملة تمس مصالح أولائك الذين لا يخشون إلا إفتضاح أمرهم والمساس بمصالحهم المباشرة . وأقل ما يجب أن نبدأ به جماعة ، كمسلمين وعرب هو :

1
- سحب سفراء نا لدى الكيان الصهيونى
2
- طرد سفراء الكيان الصهيونى من بلداننا
3
- إلغاء ما تم توقيعه من معاهدات مع ذلك الكيان الإستعمارى
4
- وقف أية معاملات كشحن أو تفريغ بضائع أرضاً وبحراً وجواً
5
- نفيذ نفس هذه القرارات مع من يساندون ذلك الكيان ،
فالكوبرى الذى يقومون ببنائه حاليا ، عند باب المغاربة ، يقام من أجل تحمل مدرعات ومصفحات حربية ، وعمليات تهويد القدس المتتالية ، وبناء سور العار الذى ينهى الوجود الفلسطينى بالتصوير البطىء ، ومنع عودة اللاجئين ، ومحاصرة الموجودين بفرض ظروف حياتية لا إنسانية عليهم ، وتجميد أرصدتهم ، وغيرها كثير ، كلها مسائل لن تُحل إلا بفرض إرادتنا دفاعا عن بلادنا وديننا ، فنحن لسنا ضعفاء ، كما يبدو ، وإنما أصحاب حق مفروض عليهم الخيانة والتواطوء ، وحينما يصل الحال إلى مثل هذا الهوان فلا بد من صحوة جماعية حاسمة ، وإلا فعلينا السلام

دفاع عن صحيح البخاري أمام أوهام فؤاد سزكين

هذا البحث كتبته في بعض الدوريات وأحب أن أنقله هنا لعله يفيدني رأيكم في بعض جوانبه ولكم الشكر والتقدير
دفاع عن صحيح البخاري أمام أوهام فؤاد سزكين

=====================================

ليس من الأمر الثابت الدائم أن يكون الهجوم على السنة من اناس مأجورين اوحاقدين عليها ، فأحيانا يشكل الجهل بجزئيات تاريخها ، أو دقيق عناصر علومها الفذة المتشعبة ركنا ركينا من أسباب التخليط في دراستها ، وتتبع قواعدها في الرواية والدراية ، ودراسة مشاهير رواتها وعلمائها الذين صاغوا علومها ، وتحملوا مهمة تبليغها للدنيا على مر العصور 0فقد قام بعض الناس قديما وحديثا باقتحام الميدان الصعب ، وهو الهجوم علي السنة النبوية ، وهم لم يلتفتوا إلي أن حفظ السنة فرع علي الذكر ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) {1} ، وأن نصرها هو فرع علي نصر النبي صلي الله عليه وسلم( فاصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا ){2} وأن المستهزئين صنف واحد شرقوا أم غربوا ، تقادموا أم تحادثوا ، وهم جميعا مدحورون ( فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين ، إنا كفيناك المستهزئين ) { 3 }ومن أجل أعمدة السنة ، وأرسي جبالها ، ذلك الكتاب الأغر الذي صنفه زين المحدثين وأمير المؤمنين في الحديث ، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ، والذي سماه ( الجامع الصحيح المسند المختصر من حديث رسول الله صلي الله عليه وسلم وسنته وأيامه ) {4} 0وكان البخاري طبيب الحديث حقا وصدقا ؛ فقد شهد بذلك الفضل معاصره وقرينه مسلم بن الحجاج صاحب الصحيح ، إذ أهوى علي قدمه ، وقال : " دعني أقبل قدمك يا أستاذ الأستاذين ويا طبيب الحديث في علله ولعل أحسن ما وصف به الصحيح قول القائل :صحيح البخاري ـ لو أنصفوا لما خُطَ إلا بماء الذهب قال العلامة العقيلي معارضاً : صحيح البخاري لو أنصفوا لما خُطَ إلا بماء البصروما ذاك إلا لضبط الأصول وعدل الرواة بنقل الخبروقد فاق فضلا علي غـيره فأضحي إماما لكتب الأثروالشهادات التي جمعها الإمام الحافظ ابن حجر في مقدمة شرحه للصحيح دليل علي رسوخ الكتاب وصاحبه والتي لا تذكرمنها إلا هذه الشهادة للبخاري من شيخه الجليل علي بن عبد الله المدني إذ يقول : " هو ما رأى مثل نفسه " {6} سزكين والدقة العلمية :فالإمام البخاري ـ إذن ـ أضحي صخرة تهزأ بالناطحين ، ومنهجه في كتابة الصحيح ، يعد مفخرة علماء الحديث قاطبة ، بل علماء الدنيا بأسرها ، ولذلك نعجب من سلسلة الاتهامات التي ساقها الأستاذ سزكين في كتابيه :1 ـ الأول الذي صنفه ـ بالغة التركية ـ عن البخاري 0 2 ـ الثاني " تاريخ التراث العربي " الذي صنفه بالتركية ، وترجم إلي العربية في مصر سنة 1971م 0 {7} ومصدر عجبنا أن الأستاذ سزكين مشهور بدقته وتحريه ، ومثل هذا النوع يستغرب منه إلقاء القول علي عواهنه ـ الأمر الذي يجعلنا نتساءل بأي قياس علمي ادعى سزكين دعاواه الجديدة ، فقد قرر فؤاد سزكين في كتابه عن البخاري : 1 ـ أن كتابه ( الصحيح ) " ليس إلا جمعا ملخصا للمؤلفات السابقة " 2 ـ وأنه ليس رائدا في ميدان التصنيف علي أبواب الفقه 03 ـ وأنه استخدم الكتب السابقة دون انتقاء ، ودون توفيق 04 ـ وأنه لم يكن موفقا أيضا في جمع المواد اللغوية والتاريخية والفقهية 05 ـ تم ختم ذلك بأن البخاري في كتابه " الجامع " قد " برهن علي أنه ليس عالم الحديث الذي طور الإسناد ، بل هو أول من بدأ معه انهيار الإسناد " {8} 0ومثل هذه الاتهامات المتلاحقة تجعلنا لا نتردد في اتهامه بالتسرع الذي يستغرب من أمثاله في سياقه الأحكام غير المفسرة ولا المبرهن عليها ، بل التي تخالف كل المعطيات التاريخية والمنهجية ، وإذا كانت هذه الاتهامات غير المدققة جديرة بأن يفرد لها دراسة ـ من خلال هذا الرد علي اتهامات الأستاذ سزكين لكثير من المحدثين في مقدمته التي كتبها عن علوم الحديث (من ص 225 إلي ص 249) وفي غيرها من صفحات كتابه الضخم " تاريخ التراث العربي- الذي طبع في مصر ثم أكملت طباعته في المملكة العربية السعودية ، وأصبح مفزع الباحثين في تاريخ العلوم أو معينا لهم في تبين ملامحها0لهذه ( الحيثيات ) جميعا ينبغي تناول مجهود البخاري في كتابه الجامع الصحيح بالذات من هذه الزوايا التي طرحها سزكين - رحمه الله وعفا عنا وعنه - مع معرفتنا بقدر الأستاذ في الدفاع عن التراث اللإسلتمي والتأريخ له ، ولكن تكون الزلة أحيانا أمرا لا مفر من إظهاره لما وراءها من مغبات لا تحمد 0فقد اتفقت كلمة العلماء علي أن الإمام البخاري هو أول من صنف في الصحيح ، خاصة وأن كتابه هو أصح الكتب بعد كتاب الله تعالي ، وقد قال الإمام البخاري عن نفسه " أحفظ مائة ألف حديث صحيح ، ومائتي ألف حديث غير صحيح " {9} غير أن أحاديث " الجامع الصحيح هي طائفة منتقاة من محصول البخاري الحديثي ، فهي لا تتجاوز السبعة آلاف حديث بالمكرر.{10} الدقة في الانتقاء : والذى يطلع علي هذا المنهج الذي اتبعه البخاري في انتقاء أصح الأحاديث ليجعلها في كتابه الصحيح لا يستطيع أن يكتم العجب ، فقد أتاحت له خبرته العميقة بطبقات الرجال وتبين الملامح الدقيقة في عملية الضبط والتثبت ، وتمييز الفروق الدقيقة بين تلاميذ الشيخ الواحد حين تجمعهم صفة الصدق والأمانة ـ أقول : أتاح له ذلك كله منهجا فذا في اختيار أصح الصحيح ؛ فهو لم يكتف بشرط الصحة الذي اكتفي به غيره ، وإنما اختار من أحاديث كل شيء أحسنها ـ علي أساس التمييز بين الثقات الذين رووا عنه ، ويوضح الحافظ أبو بكر الحازمي ذلك بقوله :" فلنوضح ذلك بمثال ؛ وهو أن نعلم أن أصحاب الزهري {11} مثلا علي خمس طبقات ، ولكل طبقة منها مزية علي التي تليها ، فمن كان في الطبقة الأولي فهو الغاية في الصحة ، وهو مقصد البخاري 0 والطبقة الثانية شاركت الأولي في التثبت ، إلا أن الأولي جمعت بين الحفظ والإتقان وبين طول الملازمة للزهري ، حتى كان منهم من يزامله في السفر ، ويلازمه في الحضر ، والطبقة الثانية لم تلازم الزهري إلا مدة يسيرة فلم تمارس حديثه ، فكانوا في الإتقان دون الأولي وهم شرط مسلم 000 " {12}هل يصح بعد هذا أن يقال أن البخاري استخدم الكتب السابقة عليه دون انتقاء ودون توثيق ؟ وأن كتابه ليس إلا جمعا ملخصا للكتابات التي سبقته ؟ وأن هذا يدل علي أن الإسناد قد بدأ يفقد قيمته ، ومكانته عند البخاري ؟! أفلا يصح أن يستنتج من هذا المنهج حقا أن الناحية العلمية الراقية الموفقة لاستخدام الإسناد كانت علي يد البخاري رحمه الله ؟ ( التعليق ) وانهيار الإسناد :ويصرح الأستاذ سزكين - رحمه الله ـ بغير تحفظ ـ مشايعا جولد زيهر وغيره من المستشرقين ـ أن الأسانيد ناقصة في حوالي ربع المادة ، وقد أطلق علي هذا الأمر ـ ابتداء من القرن الرابع ـ اسم ( التعليق ) {13 } ، وبهذا يفقد كتاب البخاري كثيرا من سمته مصنفا جامعا شاملا ، أما البخاري فقد برهن علي أنه ليس عالم الحديث ـ الذي طور الإسناد إلي الكمال 000 بل هو أول من بدأ معه انهيار الإسناد 0 {14 }وقد تطرق مثل هذا الوهم السابق إلي بعض الرواة ، حيث سأل الإمام البخاري عن خبر حديث ، فقال له البخاري : " يا أبا فلان : تراني أدلس ؟ وأنا تركت عشرة آلاف حديث لرجل لي فيه نظر ، وتركت مثله أو أكثر منه لغيره لي فيه نظر ؟ {15 } قال الحافظ ابن حجر : " يعني إذا كان يسمح بترك هذا القدر العظيم ، كيف نشره لقدر يسير ؟ فحاشاه من التدليس المذموم " {16}مع أن الذي يقرأ ما قاله الحافظ في كتابه ( تغليق التعليق ) أو في ( هدى الساري ) يدرك أن موضوع ( التعليق ) في صحيح البخاري هو وسام آخر علي صدر الإمام رحمه الله ، إذ أنه يكشف ـ لمن اجتهد في دراسته ـ عن خبرة واسعة وفقه ثاقب 0ولقد أدرك هذه الحقيقة المهمة رجال الحديث منذ القرن الرابع ـ الذي يجعله سزكين تاريخا لمصطلح ( التعليق ) ، وتأصلت ضوابط ذلك عند ابن حجر العسقلاني ، أحسن سراج الصحيح فيما نعلم ، وإنما نلخص أهم الدواعي التي جعلت الإمام البخاري يذكر الحديث معلقا فيما يلي :أولا : الأحاديث الموقوفة علي الصحابة ومن بعدهم ـ وإن صحت ؛ لأن ذلك ليس من شرط الصحيح المند 0ثانيا : الحديث الصحيح الذي في إسناده بعض من لم يرق إلي شرطه في الكتاب ـ وإن كان ثقة عنده ، وحديثه علي شرط غيره من جهابذة النقد ، وذلك مثل قوله في كتاب الطهارة : " وقالت عائشة : كتان النبي صلي الله عليه وسلم يذكر الله علي كل أحيانه " 0 وهو حديث صحيح علي شرط مسلم ، وقد ذكره في صحيحه ، وشاركه في روايته مسندا غير معلق الإمام أحمد وأبو داود والترمذى وغيرهم 0 {17}ونظن أن الذي جعل البخاري يعلقه ـ مع صحة إسناده ـ هو تفرد ( زكريا ابن أبي زائدة) به ، فكل هؤلاء الذين ذكرنا رووه من طريقه فقط ، وقد نبه الترمذي إلي هذا التفرد حيث قال : " هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي زائدة " {18 } وهو يعني من حديثه عن أبيه ، فتعليق البخاري له تنبيه منه علي أن هذا الحديث ـ وإن صح ـ ليس من شرطه الذي اشترطه في كتابه 0 ثالثا : الحديث الصحيح الذي ساقه في موضوع موصولا بإسناده التام ، ثم احتاج إلي ذكره في موضع آخر لفائدة فقهية ، وليس له عنده أسانيد أخرى غير السابق ، فحينئذ يسوقه معلقا إشعارا بأن هذا الحديث ليس له إلا هذا الإسناد 0ولهذ التعليق فوائد حديثيه متعلقة بالإسناد ، لو اطلع عليها فؤاد سزكين ـ والله ـ ما شرع فيما صنع ، ولولا أن موضوع التعليق ليس هو موضوع المقالة أصلا لاستطردنا فيه فليراجع علي سبيل المثال مقدمة كتاب ( التغليق ) لإبن حجر ( 1/ 283: 308 ) ولقد كان بودنا أن يتروى المحقق الذي خدم التراث العربي خدمات لا تنكر ـ في أحكامه قبل إنفاذها ، خصوصا إذا كانت هذه الأحكام تتعلق بشخصية وكتاب أعطاهما الفكر الإسلامي قبلنا كل تقدير تنبيه خطير :إن الكتابة في السنة تاريخا أو اصطلاحا او مدونات هي مسئولية دينية قبل ان تكون مهمة عللمية لها أدواتها التي لا يجوز الجرأة على الإقدام على دراستها أو الجرأة في استخلاص نتائجها قبل التحقق من تحصيلها 0 ومن ثم اضحى من أوليات المور الخطيرة في هذا الصدد ان ينتبه الباحثون في هذا الحقل الكريم إلى التحلي بالصدق والتسلح بالعلم الدقيق والفهم الواعي قبل الخوض في غمارها - بخاصة الموسوعيين الذين يكتفون م نكل علم بقشوره ، فالأمر بالنسبة لهم اشق لأن علم السنة ليش كأي علم ، وإنما هو علم البناء الفقهي والأخلاقي والتربوي لأمة الإسلام 0والله من وراء القصد ،،،

الحواشي{1} سورة الحجر / 9 0{2} سورة الطور / 48 0{3} سورة الحجر / 94، 95 0{4} هدى الساري 0 ابن حجر ط / بولاق : ص 6 0{5} إتحاف القاري بمعرفة شروح البخاري 0 محمد عصام عرار ط / اليمامة ص 13 .{6} تهذيب التهذيب : ابن حجر ط / صادر ـ بيروت 9/50 .{7} نشرته دار الكتاب العربي (جزءين فقط منه ) بترجمة د 0 فهمي أبو الفضل ، القاهرة سنة 1971 م .{8} سزكين ـ 1/307 0{9} التقييد والإيضاح 0 العراقي : ص 27 {10} المرجع السابق ص 26 وانظر : فتح المغيث للسخاوى ص 18 { 11} الزهرى : هو محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهرى ، وينسب أحيانا إلي جده شهاب : وهو الفقيه العالم الحافظ الثقة الحجة ـ أحد الأئمة الأعلام ت 123 هـ { 12} شروط الأئمة الخمسة ـ للحازمي ص 43 ، 46 {13} التعليق : هو اختصار الإسناد بحذف بعض شيوخ المصنف ، وربما وصل الحذف إلي الصحابي 0{14} سزكين : 1/307 {15} تاريخ بغداد : الخطيب : 2/25 0{16} تغليق التعليق 0 ابن حجر 2/10 0 {17} صحيح مسلم : كتاب الحيض 1/282 ،المسند : 6/70 ، 153 0 سنن أبي داود : كتاب الطهارة : 1/5 ، الترمذى : كتاب الدعوات : 5/ 4630{18} سنن الترمذى : 5/ 463 0