الأصولية.. رد الكنيسة على العصرية والحداثة.
11 - إبريل - 2004 على رغم التوضيحات التي عبرت من خلالها مؤلفة كتاب "هدم الإسلام بالمصطلحات المستوردة" عن وعي
عميق بمدى الحساسيات التي تكتنف موضوع كتابها، فإن الدكتورة زينب عبدالعزيز، أستاذة الحضارة في جامعتي الأزهر والمنوفية،
تحاول إلقاء الضوء على بعض الخلفيات التي "تم استبعاد معالمها من الخطاب العربي خاصة"، ذلك أن كل ما كتب باللغة العربية من بحوث حول العصرية أو الحداثة أو الأصولية "كله.. يؤدي في نهاية مطافه إلى العلمنة والتغريب أي فرض النمط الغربي". ومن الجوانب التي ترى المؤلفة أن أحدا لم يتطرق إليها في تلك البحوث، أن كلمات مثل العصرية والحداثة والأصولية إنما "وجدت أساسا للتعبير عن المعركة الدائرة في الكنيسة الكاثوليكية في صراعها ضد التقدم العلمي وضد سلطة الدولة".
ويعتمد الكتاب على مئات الوثائق والمراجع الفرنسية، باعتبار أن أهم المعارك في هذا الخصوص إنما "دارت بين قطبي السلطة الدينية والمدنية، أي بين الكنيسة الكاثوليكية البابوية وفرنسا"، إضافة إلى المكانة التي تحتلها هذه الأخيرة ليس فقط باعتبارها "الابنة الكبرى للكنيسة"، ولكن أيضا للدور القيادي الذي "أخذته على عاتقها في تبني ثلثي مهام عمليات التبشير في العالم نظير إعلانها العلمانية وفصل الدين عن الدولة".
وتفرد المؤلفة لكل واحدة من الكلمات، أو المصطلحات الثلاثة التي يتركز حولها اهتمام الكتاب، وهي "العصرية" و"الحداثة" و"الأصولية"، فصلا كاملا من فصوله الستة. فالعصرية التي تتضمن معنى التقدم المادي، ترتبط خلفيتها بعصر التنوير والثورة الفرنسية والليبرالية، إلا أنها تشير في جانبها الكنسي إلى "كشف التحريف الذي تغص به نصوص الكتاب المقدس، حيث تشير الموسوعة البريطانية مثلا إلى مئة وخمسين ألف تناقض". وفي هذا السياق تقول المؤلفة إنه تم اعتماد المضمون الديني لمصطلح "العصرية" في عام 1909 لدى إعادة استخدامه مرة أخرى في خضم المعركة الطاحنة بين الحداثة والأصولية، لكنه "توارى عن الخطاب الديني عند استتباب كلمة الحداثة". ومن هنا توضح المؤلفة أنه لا توجد قوانين للعصرية ولا ملامح ثابتة في كل مجال، فالعصرية "ليست تحولا لكل القيم، وإنما هي هدم للقيم السائدة دون أن تتخطاها؛ لأن ما تطرحه من بدائل لا أساس له، وهي أيضا لا تعني الثورة". ذلك في مجتمعاتها الأصلية، أما في المجتمعات التي كانت خاضعة للاستعمار، فإن العصرية تشير إلى "عملية هدم وتغيير متناقض تواكبه عملية تنازلات وامتصاص للهوية، أي أنها إحدى عمليات التغريب وإحدى الوسائل المؤدية إليه".
أما فيما يتعلق بكلمة "الحداثة"، فتكشف الدكتورة زينب عبدالعزيز أنها ظهرت لأول مرة حين عرفها قاموس لاروس الصادر في عام 1874 باعتبار أنها "تعني من يقوم بتقدير الأزمنة العصرية أكثر من الأزمنة الحديثة"، أو أنها تشير إلى "فيلسوف أو مؤرخ ينكر الأزمنة القديمة للحضارات الصينية والهندية والمصرية، بينما ينظر إلى اليونانيين على أنهم المؤسسون الحقيقيون للحضارة العالمية". أما قاموس اللاهوت الكاثوليكي الصادر في عام 1962، فيعرف الحداثة بوصفها "تيارا لنقد الدين والمطالبة بضرورة إصلاح التعليم الكاثوليكي"، أو كما قال البابا بويس العاشر في أواخر القرن التاسع عشر واصفا إياها بأنها "ملتقى كل الهرطقات". وتلك في نظر المؤلفة هي أوضح عبارة لبيان الصلة التي لا انفصال فيها بين مفهوم الحداثة وأزمة الكنيسة في مطلع القرن العشرين. بل إن الحداثة تمثل "قمة الصراع الكنسي من أجل الإبقاء على تراث منسوج عبر المجامع على مر العصور". لكن رغم إدانة الكنيسة للحداثة فإن الأخيرة بدأت تخرج عن الإطار الكنسي لتتسرب إلى مجالات أخرى كالأدب وعلم الاجتماع والقانون وعلم الأخلاق وغيرها.. لذلك تشدد المؤلفة على ضرورة عدم إغفال الملابسات التاريخية والدينية التي كونت الحداثة واكتنفت صيرورتها الخاصة، وأهم هذه الملابسات كونها، أي الحداثة، نشأت في صراع مع الأصولية، فماذا يعني المصطلح الأخير؟ تبحث المؤلفة في الأصل البعيد لكلمة الأصولية في اللغة اللاتينية ثم تطورها في اللغة الفرنسية، إذ تشير في الأصل إلى "الشخص الذي يريد إخضاع الدولة للكنيسة"، بينما تعني في اللغة الفرنسية تيارا دينيا يتمسك بالتفسير الحرفي للنصوص الإنجيلية كما هي في الأصل.
وإلى ذلك يتناول الكتاب آثار أزمة الحداثة، مركزا على الكيان الكنسي وما نجم عن تقدم البحث العلمي من إحباط ويأس أديا إلى الإلحاد ومزيد من الضياع والكفر بكل القيم. وفي معرض حديثها عن الآثار التي ترتبت على التحولات العلمية والفكرية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، تلقي المؤلفة ضوءاً على هذه الفترة عبر ثلاثة محاور: أولها الأناجيل وتاريخها، حيث كان من شأن تيارات الحداثة ومنهاجها النقدية إثارة قضيتين أساسيتين لا رجعة فيهما: مصداقية النص الإنجيلي وكيانه المعرفي، ومصداقية معنى ذلك النص وصياغته عبر الزمان. أما المحور الثاني فهو الانقسامات التي ألمت بالكنيسة، وأهمها ذلك الانقسام التاريخي الذي أدى في القرن الحادي عشر إلى انفصال الغرب الروماني عن الشرق البيزنطي والكنيسة اللاتينية عن الكنيسة اليونانية، ثم الانقسام الكبير الذي حدث في القرن الخامس عشر وثورة مارتن لوثر كينج، إضافة إلى الانقسام الراهن في الكنيسة الفرنسية والمرتبط بالنزعة البابوية التي تدعو إلى الخضوع التام للبابا كرئيس أعلى للكنيسة. فيما يتعلق المحور الثالث بالهرطقة، وهي الكلمة التي استخدمتها الكنيسة لصد كل الذين حاولوا كشف التحريف منذ أولى خطواته.
كذلك يتعرض الكتاب إلى الأزمة التي ارتبطت بمرحلة ما بعد الحداثة، وآثارها بالنسبة لعدد من المؤسسات الكنسية، سواء تلك المعادية للكرسي الرسولي، مثل الماسونية، أو تلك التي تواليه مثل مؤسسة "عمل الرب". ومن تمعنها في الوضع الراهن، تخلص الدكتورة زينب عبدالعزيز إلى أن أزمة الكنيسة إزاء الحداثة "لم تكن مجرد أزمة عابرة، وإنما لا تزال مستمرة ومتفاقمة"، لذلك تتناول أيضا نتائج أهم البحوث التي أنجزها علماء الحداثة، فيما يتعلق بالنصوص الإنجيلية وبموقف الكنيسة من قضايا مثل تحريم الزواج والعلم.
ولعل ما يدهش قارئ الكتاب في النهاية هو كونه لم يحتوِ على أي فصل له علاقة بالعنوان، وذلك إذا ما استثنينا إشارة في الفصل الثالث تقول إن الأصولية هي "مصطلح مرتبط بالكنيسة أولا وأخيرا"، إضافة إلى قول المؤلفة في مقدمة الكتاب إن الإسلام "لم يعرف أية معركة من المعارك بين النص المنزل وبين التقدم العلمي". لذلك فإن "استخدام نفس الكلمات وإقحامها في الخطاب العام للعالم الإسلامي، يعد تخريبا مرفوضا لابد من التصدي له"! أما كيف يتم "هدم الإسلام بالمصطلحات المستوردة"، فذلك هو الموضوع المفتقد والذي لم يتطرق إليه الكتاب إطلاقا!
محمد ولد المنىـــــــــــــــــــــــــــــــــــــالكتاب: هدم الإسلام بالمصطلحات المستوردة
المؤلفة: د. زينب عبدالعزيز
الناشر: دار الكتاب العربي
تاريخ النشر: 2004 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر : جريدة الاتحاد الإماراتية / http://www.wajhat.com
ويعتمد الكتاب على مئات الوثائق والمراجع الفرنسية، باعتبار أن أهم المعارك في هذا الخصوص إنما "دارت بين قطبي السلطة الدينية والمدنية، أي بين الكنيسة الكاثوليكية البابوية وفرنسا"، إضافة إلى المكانة التي تحتلها هذه الأخيرة ليس فقط باعتبارها "الابنة الكبرى للكنيسة"، ولكن أيضا للدور القيادي الذي "أخذته على عاتقها في تبني ثلثي مهام عمليات التبشير في العالم نظير إعلانها العلمانية وفصل الدين عن الدولة".
وتفرد المؤلفة لكل واحدة من الكلمات، أو المصطلحات الثلاثة التي يتركز حولها اهتمام الكتاب، وهي "العصرية" و"الحداثة" و"الأصولية"، فصلا كاملا من فصوله الستة. فالعصرية التي تتضمن معنى التقدم المادي، ترتبط خلفيتها بعصر التنوير والثورة الفرنسية والليبرالية، إلا أنها تشير في جانبها الكنسي إلى "كشف التحريف الذي تغص به نصوص الكتاب المقدس، حيث تشير الموسوعة البريطانية مثلا إلى مئة وخمسين ألف تناقض". وفي هذا السياق تقول المؤلفة إنه تم اعتماد المضمون الديني لمصطلح "العصرية" في عام 1909 لدى إعادة استخدامه مرة أخرى في خضم المعركة الطاحنة بين الحداثة والأصولية، لكنه "توارى عن الخطاب الديني عند استتباب كلمة الحداثة". ومن هنا توضح المؤلفة أنه لا توجد قوانين للعصرية ولا ملامح ثابتة في كل مجال، فالعصرية "ليست تحولا لكل القيم، وإنما هي هدم للقيم السائدة دون أن تتخطاها؛ لأن ما تطرحه من بدائل لا أساس له، وهي أيضا لا تعني الثورة". ذلك في مجتمعاتها الأصلية، أما في المجتمعات التي كانت خاضعة للاستعمار، فإن العصرية تشير إلى "عملية هدم وتغيير متناقض تواكبه عملية تنازلات وامتصاص للهوية، أي أنها إحدى عمليات التغريب وإحدى الوسائل المؤدية إليه".
أما فيما يتعلق بكلمة "الحداثة"، فتكشف الدكتورة زينب عبدالعزيز أنها ظهرت لأول مرة حين عرفها قاموس لاروس الصادر في عام 1874 باعتبار أنها "تعني من يقوم بتقدير الأزمنة العصرية أكثر من الأزمنة الحديثة"، أو أنها تشير إلى "فيلسوف أو مؤرخ ينكر الأزمنة القديمة للحضارات الصينية والهندية والمصرية، بينما ينظر إلى اليونانيين على أنهم المؤسسون الحقيقيون للحضارة العالمية". أما قاموس اللاهوت الكاثوليكي الصادر في عام 1962، فيعرف الحداثة بوصفها "تيارا لنقد الدين والمطالبة بضرورة إصلاح التعليم الكاثوليكي"، أو كما قال البابا بويس العاشر في أواخر القرن التاسع عشر واصفا إياها بأنها "ملتقى كل الهرطقات". وتلك في نظر المؤلفة هي أوضح عبارة لبيان الصلة التي لا انفصال فيها بين مفهوم الحداثة وأزمة الكنيسة في مطلع القرن العشرين. بل إن الحداثة تمثل "قمة الصراع الكنسي من أجل الإبقاء على تراث منسوج عبر المجامع على مر العصور". لكن رغم إدانة الكنيسة للحداثة فإن الأخيرة بدأت تخرج عن الإطار الكنسي لتتسرب إلى مجالات أخرى كالأدب وعلم الاجتماع والقانون وعلم الأخلاق وغيرها.. لذلك تشدد المؤلفة على ضرورة عدم إغفال الملابسات التاريخية والدينية التي كونت الحداثة واكتنفت صيرورتها الخاصة، وأهم هذه الملابسات كونها، أي الحداثة، نشأت في صراع مع الأصولية، فماذا يعني المصطلح الأخير؟ تبحث المؤلفة في الأصل البعيد لكلمة الأصولية في اللغة اللاتينية ثم تطورها في اللغة الفرنسية، إذ تشير في الأصل إلى "الشخص الذي يريد إخضاع الدولة للكنيسة"، بينما تعني في اللغة الفرنسية تيارا دينيا يتمسك بالتفسير الحرفي للنصوص الإنجيلية كما هي في الأصل.
وإلى ذلك يتناول الكتاب آثار أزمة الحداثة، مركزا على الكيان الكنسي وما نجم عن تقدم البحث العلمي من إحباط ويأس أديا إلى الإلحاد ومزيد من الضياع والكفر بكل القيم. وفي معرض حديثها عن الآثار التي ترتبت على التحولات العلمية والفكرية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، تلقي المؤلفة ضوءاً على هذه الفترة عبر ثلاثة محاور: أولها الأناجيل وتاريخها، حيث كان من شأن تيارات الحداثة ومنهاجها النقدية إثارة قضيتين أساسيتين لا رجعة فيهما: مصداقية النص الإنجيلي وكيانه المعرفي، ومصداقية معنى ذلك النص وصياغته عبر الزمان. أما المحور الثاني فهو الانقسامات التي ألمت بالكنيسة، وأهمها ذلك الانقسام التاريخي الذي أدى في القرن الحادي عشر إلى انفصال الغرب الروماني عن الشرق البيزنطي والكنيسة اللاتينية عن الكنيسة اليونانية، ثم الانقسام الكبير الذي حدث في القرن الخامس عشر وثورة مارتن لوثر كينج، إضافة إلى الانقسام الراهن في الكنيسة الفرنسية والمرتبط بالنزعة البابوية التي تدعو إلى الخضوع التام للبابا كرئيس أعلى للكنيسة. فيما يتعلق المحور الثالث بالهرطقة، وهي الكلمة التي استخدمتها الكنيسة لصد كل الذين حاولوا كشف التحريف منذ أولى خطواته.
كذلك يتعرض الكتاب إلى الأزمة التي ارتبطت بمرحلة ما بعد الحداثة، وآثارها بالنسبة لعدد من المؤسسات الكنسية، سواء تلك المعادية للكرسي الرسولي، مثل الماسونية، أو تلك التي تواليه مثل مؤسسة "عمل الرب". ومن تمعنها في الوضع الراهن، تخلص الدكتورة زينب عبدالعزيز إلى أن أزمة الكنيسة إزاء الحداثة "لم تكن مجرد أزمة عابرة، وإنما لا تزال مستمرة ومتفاقمة"، لذلك تتناول أيضا نتائج أهم البحوث التي أنجزها علماء الحداثة، فيما يتعلق بالنصوص الإنجيلية وبموقف الكنيسة من قضايا مثل تحريم الزواج والعلم.
ولعل ما يدهش قارئ الكتاب في النهاية هو كونه لم يحتوِ على أي فصل له علاقة بالعنوان، وذلك إذا ما استثنينا إشارة في الفصل الثالث تقول إن الأصولية هي "مصطلح مرتبط بالكنيسة أولا وأخيرا"، إضافة إلى قول المؤلفة في مقدمة الكتاب إن الإسلام "لم يعرف أية معركة من المعارك بين النص المنزل وبين التقدم العلمي". لذلك فإن "استخدام نفس الكلمات وإقحامها في الخطاب العام للعالم الإسلامي، يعد تخريبا مرفوضا لابد من التصدي له"! أما كيف يتم "هدم الإسلام بالمصطلحات المستوردة"، فذلك هو الموضوع المفتقد والذي لم يتطرق إليه الكتاب إطلاقا!
محمد ولد المنىـــــــــــــــــــــــــــــــــــــالكتاب: هدم الإسلام بالمصطلحات المستوردة
المؤلفة: د. زينب عبدالعزيز
الناشر: دار الكتاب العربي
تاريخ النشر: 2004 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر : جريدة الاتحاد الإماراتية / http://www.wajhat.com