Saturday, July 26, 2008

الأصولية الإنجيلية

الأصولية الإنجيلية
إسم الكتاب: الأصولية الإنجيلية

إسم المؤلف: د. فيكتور سحّاب

يحضرني أمر يعود تاريخه إلى أواخر سنة 1987، إذ التقى في أحد مقاهي بيروت رجلان، الأول يتعاطى الترجمة ويهتم لمسألة المسيحيين وأحوالهم في مجتمعهم، والثاني عضوٌ في مجلس كنائس الشرق الأوسط. وكان هذا الأخير يحمل معه هذه الأوراق المكتوبة باللغة الانجليزية.
وهمس الثاني إلى الأول، طالباً منه أن يترجم هذه الأوراق وينشرها في بيروت، من غير أن يُفصح عن مصدرها في شكلٍ من الأشكال.
وقلّب الأول صفحات التقرير الذي تسلمه من صديقه، واستبدّ به القلق وأخذ به الاهتمام، وبعد أشهر كان هذا الكتاب يصدُرُ عن دار الوحدة ويثير القلق والاهتمام اللّذَين أثارهما أولاً في المترجم: الحرب بين الكنائس العربية والأمريكية.
ماذا في هذه الورقات؟
كنائس صهيونية مسيحية
إنها تقرير سري لم يكن مجلس كنائس الشرق الأوسط ينوي نشره، لو لم يُسرَّب تسريباً. وفي السنة التي تلت نشر هذا الكتاب، بعنوانه المعبِّر هذا، نشر الصديق الأستاذ محمد السماك كتابين في الموضوع ذاته، واحداً مترجماً وآخر موضوعاً.
خلاصة القول في هذه الكتب التي أثارت القلق والاهتمام لدى الناس، هي أنّ في الولايات المتحدة الأمريكية كنائس إنجيلية مسيحية هي أقرب إلى الصهيونية، وأن هذه الكنائس تمتلك محطات تلفزة تبشيرية يستمع إليها الملايين من الأمريكيين، بلغوا في أواسط الثمانينات نحواً من خمسة وأربعين مليون أمريكي في بعض التقديرات. وأن الرئيس الأمريكي السابق "رونالد ريغان" من أتباع هذه الكنائس والمؤمنين بتعاليمها.
ما الذي يهمنا من تعاليم هذه الكنائس؟
إن معظم زعماء هذه الكنائس التي اصطلح على تسميتها بالمسيحية الصهيونية، يؤمنون ويبشّرون بفكرة "هَرْمَجِدّون"، وهي فكرةٌ مؤسسة على نص لا مثيل له، يرِدُ مرة واحدة في إنجيل "يوحنا"، تلميذ السيد المسيح. وبناءً على تفسير هؤلاء فإن النص المذكور هو نبوءة تؤكد أن حرباً نووية ستقع على أرض فلسطين، في سهل مجدّو جنوب شرق حيفا، وأن هذه الحرب النووية ستحرق مئات الملايين من جنودالعرب والاتحاد السوفياتي وأوروبا الموحّدة، وستكون انتصاراً للمسيح العائد الذي سينقذ من بقي من يهود ومسيحيين متجدّدين، ويقيم مملكةً على الأرض فيعمّ السلام ألف عام.
يتضح من هذا أن معتقدات الكنائس المسيحية الصهيونية مؤسسة على هلوسات متطرفة، وأنها فقدت الكثير من وسائل إقناعها على أي حال حين زال الاتحاد السوفياتي، وهو الذي كان في عقيدة هذه الكنائس مملكة الشيطان المتجسدة في هذا العالم. ومع هذا فإن استخفاف هذه الكنائس وأثرها خطرٌ جداً، لثلاثة أسباب على الأقل:
أولاً: إن هذه الهلوسات المتطرفة لا تزال إلى الآن تتحكم باتجاهات التصويت لدى ملايين الأمريكيين، وقد نبّه كتّابٌ أمريكيون مراراً، إلى الوضع الحرج الذي اتّسم به التوازن السياسي في العالم حين كان "ريغان" رئيساً، على مدى ثماني سنوات، وهو كما قيل يؤمن بأن الحرب النووية حتمية، وأنها إرادة الله، وأن الضغط على الزر النووي لتدمير العالم، إنما هو امتثال لمشيئة إلهية، بجب ألا تُعصى. ولكم لاحظنا في عصر "ريغان"، كيف كان السوفيات يتنازلون في مفاوضات نزع السلاح، فيما تمسّك "ريغان" بنظام حرب النجوم الشهير، بإلحاح وعنادٍ مدهشين.
ثانياً: إن عقيدة المسيحية الصهيونية تشكّل احتياطياً "استراتيجياً" لإسرائيل لدى الرأي العام الأمريكي، يسمح لها بإتيان ما تشاء من أفعال وبطلب ما تشاء من أموال، طالما أن تأييدها هو امتثالٌ لأمر الله، وأن أعداء إسرائيل هم أعداء الله، الذين يجب ألا يُحسب لهم أي حساب.
ثالثاً: لا تكتفي المسيحية الصهيونية بالتحرك السياسي في داخل الولايات المتحدة الأمريكية، بل أنها مدت شبكتها العاملة إلى فلسطين المحتلة ولبنان وقبرص، ولها في لبنان على ما يبدو محطتان للتلفزة، إحداهما تعمل في الجنوب والأخرى تعمل في شمال بيروت.
ولن يفيدنا الآن الاسترسال في تعداد وجوه عمل هذه التيار الخطِر ومؤسساته العديدة، فذلك بعضه في الكتب التي صدرت في هذا الشأن، وبعضه الآخر نراه على شاشات التلفزة، ابتداءً بالأفلام عن التوراة، للأطفال، وانتهاءً بأفلام لا تخلو من يهودي وادِع ذكي جميل، غالباً ما يكون هو الضحية، مروراً بتشويه اللغة المتعمّد والمدروس.
وإذا اكتفينا من عناوين خطورة التيار المسيحي الصهيوني، بأن هذا التيار يعمل الآن بدأبٍ وجدٍ لهدم المسجد الأقصى وإعادة بناء هيكل سليمان مكانه، فحسبُنا هذا لنُدرك أن الهلوسات إذا أُهمِلت يمكنها أن تصبح حقيقة واقعة، بقوة المال والسلاح والتآمر.
علاقة المسيحية باليهودية
الواقع أن هذه العلاقة قديمة قِدَم المسيحية نفسها. واعذروني إذا تحدثت في الأمر من موقع الباحث التاريخي، لا من موقع العقيدة الدينية. السيد المسيح ظهر واليهودية يتجاذبها تياران كبيران: التيار الفريسيّ، وهو تيار الكهنة الرجعيين الذين تمسكوا بظاهر النص التوراتي، لا بروحه. والتيار الثاني، وهو تيار الصدُقيين وهم طبقة الأغنياء المتعصبين للثقافة الهلينية. وكان ثمة طائفة ثالثة من المتنسكين الذين كرهوا الزواج وعاشوا متقشفين، فكان منهم يوحنا المعمدان. وليس من دليل على أن المسيح أيّد أياً من هؤلاء، إنما كان سلوكه المعادي للفريسيين، المُطري بالزهد والعفة يوحي أنه مال في تعاليمه إلى هؤلاء المتنسكين. وقد قال في أي حال، إنه لم يجىء لينقض بل ليُكمل.
ومثل أي ثورة أو تجديد أصيل، خرجت الفراشة من الشرنقة. فلا هي غريبة عن الشرنقة، ولا يعيش الجديد إن لم يقطع حبل السرة.
ولقد نشأت المسيحية وفي داخلها هذا التنازع الشديد بين النـزوع إلى الأصل اليهودي، والرغبة في العقيدة الجديدة المتحررة من نص الماضي.
فقال الميّالون إلى الأصل اليهودي أن المسيح لم يولد في الناصرة، بل في بيت لحم. ومع أن هؤلاء لم يستطيعوا أن ينفوا نشوء السيد المسيح في الناصرة، فاكتفوا بالقول إن ولادته في بيت لحم حدثت خلال مكوث مؤقت، إلا أنهم أرادوا بهذا أن ينسبوا السيد المسيح إلى بيت داود.
وفيما قال أنصار الأصل اليهودي للمسيحية إن السيد المسيح من نسل يوسف النجار، حتى ينسبوه إلى داود الملك، عبر سلسلتي النسب المعروفتين في الأناجيل، كان أنصار الدين الجديد يقولون بأن مريم حملت بمشيئة الله، لا بمعاشرة طبيعية اعتيادية.
إن كثيراً من تاريخ المسيحية اللاحق لا يمكن فهمه إذا لم نُدرك هذا الصراع الأول بين التيارين، ولقد كانت للمسيحية الصهيونية بذورها منذ ذلك الزمن.
وفي وقت لاحق ظهرت عوامل جديدة بدّلت شيئاً من هذا الصراع بين التيارين، وقد بدت بذور هذه العوامل في رواية الأناجيل لمحاكمة السيد المسيح، ففيما ألقت بعض الروايات التبعة بصلب المسيح على اليهود الذين قالوا: دمه علينا وعلى أولادنا، ألقتِ الروايات الأخرى التبعة على الحكومة الرومانية. ولا يخفى ما لغسل "بيلاطس البنطي" يديه من دم هذا الصدِّيق، من معنى سياسي واضح، إن هذه الرواية تجرّم اليهود وتبرىء روما. لكن روايات لاحقة ناقضت هذه النزعة وألقت على الرومان، وبالأخص على الامبراطور "نيرون" تهمة التنكيل بالمسيحيين الأوائل. لقد كان الصراع بين روما واليهود يقتضي من كل منهما أن يتقرب من الفرقة المسيحية المتنامية القوة، باتهام الآخرين في حادثة الصلب.
ولهذا نشأ في داخل المسيحية الأولى نفسها حزبان: حزبٌ ميّالٌ إلى اليهودية والتوراة وأصولها، وحزبٌ روماني كان مقدراً له فيما بعد أن يصبح حاكماً في الامبراطورية، على استحياء أولاً في القرن الثالث الميلادي، ثم علناً في أوائل القرن الرابع في عهد الامبراطور قسطنطين الأول.
وكان انتصار المسيحية، في الامبراطورية الرومانية، هزيمةً تاريخية للمسيحية اليهودية، التي يبدو أنها انزوت في جحور خفية، فيما كانت بيزنطة تشنّ حروباً ضروساً على أحزاب مسيحية مشرقية أخرى، منها الأريوسية والنسطورية واليعقوبية. لكنّ كُمون المسيحية اليهودية كان إلى حين.
نظرية أرض الميعاد
فما أن أخذ المسيحيون الأوروبيون يتململون تحت وطأة السلطة البابوية، من تأثير حركة النهضة الأوروبية وظهور النوازع القومية في انجلترا وألمانيا، على الأخص، حتى سارعت المسيحية اليهودية، وربما اليهودية نفسها، إلى تأييد هذه الحركات القومية، وساندت التمرد الانجليكاني على الكثلكة، ونصرت حركة لوثر الألمانية و(كالفن/ جانسينوس).
وقد كانت هذه الفرصة التاريخية هي المنفذ الذي تسلّلت منه النزعات التوراتية إلى المذاهب الجديدة في أوروبا.
وقد صدف في الوقت ذاته أن الأوروبيين اكتشفوا القارة الجديدة "أمريكا" وأخذوا يستعمرونها. وكانوا بحاجة إلى عقيدة تضفي على هذا الاستعمار الصفة الشرعية، فكانت نظرية أرض الميعاد، هي العقيدة المنشودة التي أباحت لجحافل "الانجلوساكسون" و"الجرمانيين"، أن يستوطنوا أمريكا، ويبيدوا شعبها وحضارتها وضميرهم مطمئن إلى صواب فعلتهم. فأي شرعية يمكن أن تسمو على شرعية وعد صريح من الله، أن يهب شعبه المختار تلك الأرض الجديدة.
ولقد لاحظ الدكتور سميح فرسون، الباحث الفلسطيني في الجامعة الأمريكية في واشنطن بحصافةٍ، أن كلا من المجتمع الأمريكي، والمجتمع الإسرائيلي، والمجتمع الأبيض في جنوبي أفريقيا، استخدم ذريعة أرض الميعاد في إضفاء صفة شرعية على اغتصاب أرض الغير.
ولم يكن غريباً إذن أن ألمانيا "لوثر" صعّدت مسارها المسيحي التوراتي إلى ذروة بلغت إلى التسبّب عمداً أو عفواً، في تهجير اليهود الأوروبيين إلى فلسطين، ولا كان غريباً أن تتسلّم الولايات المتحدة مهمة رعاية الدولة اليهودية بالمساعدات العسكرية والمالية السخية، التي ما كان يُمكن لإسرائيل أن تبقى لولاها، ولا كان غريباً ذلك التحالف "الاستراتيجي" بين "بريتورية" و"تل أبيب". ذلك أن يهوَه في توراته، أباح إبادة الكنعانيين لأخذ أرضهم ونسائهم وأبنائهم، فلماذا يكون الهنود الحمر والزنوج والفلسطينيون أفضل مصيراً.
نقول هذا، لنخلُص إلى أن مسيحية اليوم مسيحيات متعددة، لا تختلف فحسب، بل تتناقض وتتقاتل. وليس الصراع في يوغوسلافيا بين الصرب والكروات، إلا صراع بين الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية في واحدٍ من أهم جوانبه. وهو صراعٌ يتشعّب ويمتد داخل الاتحاد السوفياتي السابق، ويكاد أن يظهر إلى العلن. وإذا أضفنا إلى هذه الصورة التاريخية فإن روما، المعادية عداءً تاريخياً لليهود، لم تكن في معظم الحالات مع ذلك ودودةً مع العرب والمسلمين. وما الحروب الصليبية إلا دليل على ما كان يمكن للعرب أن ينتظروه ويتوقّعوه من الكنيسة الكاثوليكية، بل إن مجزرة الأندلس التي ذهب ضحيتها ملايين المسلمين قبل خمسمائة سنة تماماً، ذهب ضحيتها أيضاً العديد من اليهود المستعربة التي نزحت بقاياها إلى المغرب العربي.الصورة إذاً ليست أسود وأبيض.
مواجهة التأثير الصهيوني
وإذا كان الكتاب القيّم الذي نحن بصدده، قد نبّه إلى خطر الصهيونية المسيحية، فإنني أنبّه إلى خطرٍ آخر؛ وهو أن نتصور الآن أن هذه المسيحية الصهيونية قد حوّلت أمريكا كلها إلى دمية في يد اليهود.
إن هذا التخيّل قد يرقى بنا إلى درجة الهلوسة، وهلوسة المسيحيين الصهيونيين لا تعالج بهلوسة معاكسة. إذ إن في المجتمع الأمريكي ألواناً لا بدّ من أن نراها، ولا بد إذن من أن نتجنّب عمى الألوان.
لقد قُيّض لي قبل ثلاث سنوات أن أمكث في واشنطن، حيث تابعت نقاشاً في داخل الحزب الديمقراطي، إثر هزيمة المرشح الديمقراطي "مايكل دوكاكيس". كان تفسير بعض الديمقراطيين النافذين لهزيمة حزبهم أن "دوكاكيس" استخفّ بالمرشّح الديمقراطي الآخر، زعيم الأمريكيين السود "جيسي جاكسون"، قال هؤلاء الزعماء: لو أنّ "دوكاكيس" اتّخذ من "جاكسون" مرشحاً لنيابة الرئاسة معه، لضَمِن أصوات السود والعرب.
إذن، أخذت المحافل النافذة في السياسة الأمريكية تحسب حساب العرب الأمريكيين، وهذا حلمٌ لم يكن يخطُر ببالنا قبل سنوات أنه واقعيٌ أو ممكن.
وخير ما يرشدنا إلى معرفة المجتمع الأمريكي وبورصته السياسية وصعودها وهبوطها، كتاباتٌ متعمّقة منها كتابات الدكتور "إدوارد سعيد"، من جامعة "كولومبيا" في "نيويورك"، وخصوصاً تلك المقالات التي شرح فيها نظرية المجتمع المدني الأمريكي والمجتمع السياسي الأمريكي.
وقد حضرتُ، وكان ذلك من حسن حظّي ولا شك، ندوةً سياسيةً مرموقةً في جامعة "جورجتاون" في واشنطن، اشترك فيها الدكتور سعيد ووجوهٌ فلسطينية أخرى، وبعض الإسرائليين. كذلك أدلى ممثلٌ لوزارة الخارجية الأمريكية بوجهة نظر رسمية في الندوة، التي استمرّت ثلاثة أيام، وكانت الندوة دعايةً ممتازة للانتفاضة الفلسطينية والحق العربي.
ولن نقفز على الفور إلى الاحتفال بالنصر، ولن نستخلص قطعاً أن إسرائيل انتهت في السياسة الأمريكية، فالصراع مفتوحٌ والحرب سجالٌ، ولا بد من الاعتدال في تقييم الوضع، والحذر حيال أي ظاهرة جديدة.
فالمؤشرات تؤكد حتماً أن الكنائس المسيحية الصهيونية التي بلغت ذروة قوتها في الثمانينات، فقدت الكثير من نفوذها وسمعتها وقوتها، وقد شهدت في صيف1989 محاكمة أحد زعماء هذه الكنائس "جيم بيكر"، الذي اتهم باختلاس خمسة ملايين دولار من أتباعه، وكان مشهد زوجته "تامي" وهي تبكي كلما رأت "كاميرا التلفزيون"، مسخرةً مذلة، وكان "جيري فولول" قد سبق زميله "جيم بيكر" إلى فضيحة أفدح، إذ اتّهمته أمينة سرّه باغتصابها، ثم امتهنت التوضّع في مجلات الخلاعة.
إن أخذ الأمور بالحذر والاعتدال حاجةٌ ماسة في مثل هذه الأمور، ولدينا دروس تستفاد من التاريخ؛ ففي أواخر القرن الماضي، كانت الحركة الماسونية العلمانية تحقق انتصاراً آخر لها على الكنيسة الكاثوليكية، في فرنسا، وتقضي على سلطتها في المدارس والممتلكات العقارية ومواضع النفوذ الأخرى، ومع ذلك قال "غامبيتا" رئيس الوزراء الفرنسي كلمته الشهيرة: "كراهة الإكليروس ليست للتصدير". إذن كان يجب أن يبقى للإكليروس دوره في خطط الاستعمار خارج فرنسا، ولو لم يبق له داخلها أي نفوذ يذكر.
وغداً، حين تضعف الكنائس الصهيونية المسيحية الأمريكية، في ميزان السياسة الأمريكية الداخلية، فلا شيء يضمن لنا ألا يقوم رئيسٌ أمريكي ليقول: "إن كراهة الأصوليين الإنجيليين ليست للتصدير".
ولا بد إذن من عين على بنية المجتمع السياسي الأمريكي، وهي بنيةٌ متحركة، وعينٍ أخرى على منظمات الصهيونية المسيحية الناشطة في مشرقنا العربي وجواره.
مـا العمـل؟
إن أغراض المنظمات المسيحية الصهيونية هي التي تعيّن لنا ما يجب أن نعمله.
في فلسطين، يريد المسيحيون الصهيونيون أخذ الأرض الفلسطينية لإعطائها إلى اليهود، وعلينا إذن أن نؤيّد الانتفاضة الفلسطينية بما لدينا من مالٍ وقوةٍ وفكرٍ ومكرٍ وخُدعةٍ وتصميم وتضحية.
في لبنان، يريد المسيحيون الصهيونيون استلحاق المسيحيين اللبنانيين لجعلهم طابوراً خامساً لإسرائيل خدمةً لأغراضهم، وتفتيتاً للمجتمع اللبناني، تمهيداً لزرع بذور تفتيت كل مجتمع عربي، قد يقاوم التوسّع الإسرائيلي.
ويتعيّن إذن على المسيحيين العرب أن يرفضوا محاولات الاستلحاق، وأن يُبدوا رغبةً واضحة لا شك فيها، في الانتماء إلى المجتمع العربي قلباً وقالباً، لا دفاعاً عن العرب والمسلمين فقط، بل دفاعاً عن المجتمع المسيحي العربي نفسه، ولقد قلنا قبل الاجتياح الإسرائيلي، إن الغرب وإسرائيل لا يبغيان حماية المسيحيين العرب، بل استخدامهم مخلبَ قط لمصالحهما، وجاء الاجتياح الإسرائيلي وكارثة التهجير في الجبل. وها هم الذين رفضوا نصيحتنا بالأمس يقولون قولنا اليوم، بعدما دفعنا ثمناً باهظاً بهذا الدرس.
وفي أية حال، يجب أن يكون الالتزام هو المعيار، وأن تكون وحدةُ مجتمعنا نصب أعيننا في كل آن. وهذا ليس كلاماً جديداً.. لكننا لا نزال في حاجةٍ إلى قوله مراراً وتكراراً.
و كل ذلك بحسب رأي الكاتب في المصدر المذكور نصا و دون تعليق.