Saturday, July 26, 2008

كيف تحقق ثروة وتطور الدول النامية في آن معا

كيف تحقق ثروة وتطور الدول النامية في آن معا


اسم الكتاب: كيف تحقق ثروة وتطور الدول النامية في آن معا
المؤلف: سي كي باراهالاد
عدد الصفحات: 263
الناشر : الدار العربية للعلوم، بيروت
الطبعة الأولى : 2005
عرض : إبراهيم غرايبة

يعطي عنوان الكتاب انطباعا للوهلة الأولى بأنه واحد من تلك الكتب الموجهة التي تعد بالثراء والإبداع والمعجزات بمجرد قراءتها، ولكنه في الحقيقة غير ذلك.
فهو دراسة علمية معززة بالتجارب والمشاهدات حول فكرة أن فرص الاستثمار مع الفقراء يمكن أن تعود على أصحابها بأرباح كبيرة، وفي الوقت نفسه فإنها تساعد الفقراء على تحسين مستوى معيشتهم.
ويتحدى هذا الكتاب الفكرة السائدة عن ارتباط الربح باستهداف الأغنياء فقط، ويؤكد مقولة أن الفقراء يحتاجون إلى شراكة وكرامة أكثر مما يحتاجون إلى صدقات ومعونات.
ويبدو أن الناشر العربي اختار هذا العنوان المغري للترجمة العربية بدلا من "الثروة في قاعدة الهرم" المقابلة لعنوان الكتاب الأصلي:
"The fortune at the Bottom of the Pyramid"
السوق بقاعدة الهرم
توفر قاعدة الهرم الاقتصادي بوصفها سوقا، فرصة جديدة للقطاع الخاص لتحقيق النمو، ويتعين عليها (قاعدة الهرم) أن تصبح جزءا مكملا للقطاع الخاص وأن تكون جزءا من الأعمال التجارية للشركات، لا أن تؤول إلى مجرد مجال لمبادرات المسؤولية الاجتماعية المشتركة.
وفي تجربة الهند تغير المنطق السائد لدى صانعي السياسة من كون الفقراء هم المشكلة إلى أنهم يمثلون سوقا يمكن القطاع الخاص المشاركة فيه بفعالية، وأن يكونوا مستهلكين.
وفي المقابل فإن المنطق السائد لدى المنظمات الخيرية والحكومات ووكالات الغوث مفاده أن القطاع الخاص ليس موضعا للثقة للمشاركة في التنمية، وأن الحلول المعتمدة على السوق لا يمكنها تحقيق التنمية وتخفيض معدلات الفقر.
ولكن التجربة العملية والدراسة النظرية أيضا تكشف أن لسوق الهرم طبيعتها وخصائصها المميزة.
ومن هذه الخصائص أن هناك فرصة لجني المال في قاعدة الهرم، فالصين والهند والبرازيل والمكسيك وروسيا وإندونيسيا وتركيا وجنوب أفريقيا وتايلند تملك ناتجا محليا مقداره 12.5 تريليون دولار، وهو يفوق إجمالي الناتج المحلي لليابان وألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا مجتمعة.
أي أنها تشكل سوقا لا ينبغي تجاهلها، وثبت أن الفقراء ينفقون كثيرا في شراء السلع مثل أجهزة التلفزيون والاتصالات.
ويشكل جمهور قاعدة الهرم 35–40% من سكان المدن في العالم أي أن الوصول إليهم ليس صعبا، وتبين أن الفقراء يعرفون عن الماركات العالمية والعلامات التجارية للسلع ويقدرونها بدرجة كبيرة، ويستثمرون مزايا شبكة المعلومات للتواصل مع الأسواق العالمية.
فعدد الهواتف الجوالة في الهند تجاوز مائة مليون، وفي الصين تجاوز 250 مليونا، ويوجد في البرازيل حوالي 40 مليون جوال، كما أن أجهزة الحواسيب منتشرة بفعالية في أوساط الفقراء، وهم يستوعبون التكنولوجيا المتقدمة بسرعة.
ولكن لتحويل قاعدة الهرم إلى سوق يجب مخاطبة المستهلكين بطريقة مختلفة، مثل عرض السلع بأحجام صغيرة وأثمان معقولة، كما أن العبوات التي تستخدم لمرة واحدة تلائم هذه الشريحة من السكان، وكذلك البيع بالتقسيط.
فباستطاعة قاعدة الهرم شراء الأجهزة الكهربائية بهذه الطريقة كما أثبتت تجارب كثيرة، وطرح منتجات بصيغ جديدة مثل آيس كريم بمزايا غذائية.
إن تحويل الفقراء إلى مستهلكين ضمن إمكانياتهم يتيح لهم أيضا الحصول على الكرامة وحق الاختيار، بدلا من أن ينظر إليهم وينظروا هم إلى أنفسهم على أنهم متلقون للإعانات والصدقات.
"تحويل الفقراء إلى مستهلكين ضمن إمكانياتهم يتيح لهم الحصول على الكرامة وحق الاختيار بدلا من أن ينظر إليهم وينظروا هم إلى أنفسهم على أنهم متلقون للإعانات والصدقات"
منتجات وخدمات قاعدة الهرم
يحدد المؤلف اثني عشر تحديا يجب التعامل معها عند التعامل مع أسواق الفقراء:
1- التركيز على أداء سعر المنتج والخدمات.
2- توفير مزيج من الحلول.
3- القابلية للنقل وملاءمة الثقافات.
4- الاقتصاد في استخدام الموارد.
5- تطوير المنتج بناء على فهم عميق للغاية منه.
6- افتراض التعامل مع بنى تحتية رديئة عند التسويق والخدمة.
7- مراعاة مستويات المهارة المنخفضة والبنية التحتية الضعيفة عند تصميم السلع والخدمات.
8- تعليم المستخدمين كيفية استخدام المنتجات.
9- يجب أن يكون المنتج قادرا على العمل في البيئات الصعبة.
10- التعامل مع قضايا اللغات ومستويات المهارة والثقافة.
11- الوصول إلى الفقراء بكلفة متدنية.
12- تطور الوظائف والمزايا في سوق قاعدة الهرم يمكن أن يكون سريعا جدا.
قاعدة الهرم.. فرصة عالمية
تملك أسواق قاعدة الهرم فرصا جذابة تكفي لكي تدفع الشركات الكبيرة إلى إجراء تغييرات في نظمها وعملياتها الداخلية لاكتساب الفرص ومصادرها في هذه الأسواق، فهي أسواق كبيرة وجذابة وكيانات قائمة بذاتها.
ويمكن تطوير العديد من الابتكارات المحلية وطرحها في هذه الأسواق، ويمكن تحويلها أيضا إلى ابتكارات عالمية، خاصة أن بعض الابتكارات مصدرها قاعدة الهرم ويمكن تطبيقها في الأسواق المتقدمة.
فقد طورت شركة هندوستان أنظمة تغليف تناسب الظروف القاسية وأغراض النقل والتخزين في الهند، ثم انتشرت هذه المنتجات في أفريقيا وآسيا، وتحقق الشركة اليوم أرباحا سنوية تبلغ 150 مليون دولار.
وكان للنجاح الذي حققه مصرف غرامين في بنغلاديش في الخدمات التمويلية الصغيرة "بنوك الفقراء" أساسا لانتشار هذا النوع من الأعمال حول العالم باعتبارها عمليات تجارية مربحة.
وأمكن في الهند إنتاج أنواع من الأدوية المتقدمة بأسعار يقدر عليها الفقراء وبمزايا ربحية أيضا، ويقوم مستشفى أرافيند للعيون الذي بدأ في الهند بتقديم خدمات في أفريقيا وكمبوديا وفيتنام، وتقوم فلسفته على تقديم إمكانيات فنية متقدمة وبجودة عالية وتكلفة منخفضة، ويحقق في الوقت نفسه أرباحا كبيرة.
وتحتاج الشركات التي تعمل في قاعدة الهرم إلى أن تتعلم كيفية التعايش مع أنواع عدة من العلاقات التي تربطها بعدد كبير من المؤسسات.
ففي حالة تسويق الملح المعالج باليود مثلا، أدركت شركة هندوستان أن جهودها ستؤثر على صانعي السياسة العامة وعلى المسؤولين في القطاع الصحي وعلى المنظمات غير الحكومية التي تنشط في المجتمعات المحلية، وكان عليها أن تتعامل مع جداول أعمال مختلفة بطريقة تعاونية.
ويمكن تصور السوق الاقتصادي وفق خريطة من الشركات الكبرى ومتعددة الجنسيات والتعاونيات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والمؤسسات غير القانونية.
وتحتاج هذه البيئة من العمل إلى تنظيم شبكة تعايش وتكامل بينها، وهو نظام من العمل والعلاقات ليس مؤسسيا بالضرورة ولكنه قائم على ثقافة التزام بالعمل والإنجاز والجودة والأداء والواجبات المشتركة والعلاقات التعاقدية.
وقد استطاعت شركة ITC في الهند تقديم خدمات في جميع أنحاء البلاد للمزارعين لمعرفة الأسعار بواسطة الإنترنت، وهي بذلك حصلت على أرباح كبيرة وفي الوقت نفسه ساعدت المزارعين على التخلص من استغلال الوسطاء والاستغفال والابتزاز الذي كانوا يخضعون له بسبب عدم قدرتهم على الإحاطة بالخيارات الممكنة لتسويق منتجاتهم."
من شأن التوسع في العمل التجاري والمعرفي بين الفقراء تحقيق تحولات اجتماعية وثقافية تخلص الفقراء من الضعف، وتنمي الانتماء بينهم والمشاركة والإحاطة بخيارات عدة لإسماع أصواتهم وللحصول على خدمات أفضل"
التنمية ومكافحة الفساد
يستطيع القطاع الخاص أن يكون جزءا أساسيا من مشروعات التنمية ومكافحة الفقر، كما يمكن أن يكون عنصرا أساسيا في مكافحة الفساد.
وقد استطاعت الشركات الكبرى، على سبيل المثال، إنتاج أنظمة إدارية ومالية تساعد الحكومات والإدارات والمواطنين على الحصول على الخدمات المطلوبة بسرعة ودون تكلفة إضافية أو حاجة للرشوة.
ومن شأن تطبيق هذه الأنظمة الإدارية والمعلوماتية أن تفيد الشركات المنتجة والمواطنين الفقراء والحكومات المحلية والمركزية أيضا، واستطاعت الخدمات التجارية السريعة باستخدام البطاقات الإلكترونية الحد بنسبة كبيرة من الفساد والهدر، مثل دفع الفواتير، والحجز للنقل في القطارات والباصات والطائرات ومشاهدة المباريات والأفلام، وتجديد الرخص وإدارة المعاملات الحكومية والتجارية.
وهناك قائمة طويلة جدا من الأعمال والخدمات التي كانت تؤديها الحكومات والشركات، وأمكن اختصارها أو أداؤها بسهولة فائقة.
ومن شأن التوسع في العمل التجاري والمعرفي بين الفقراء تحقيق تحولات اجتماعية وثقافية تخلصهم من الضعف، وتنمي الانتماء والمشاركة، والإحاطة بخيارات عدة لإسماع أصواتهم وللحصول على خدمات أفضل وتسويق خدماتهم ومنتجاتهم.
وتتقدم بهم هذه الحالة إلى مستويات اجتماعية وديمقراطية تعزز الحكم الرشيد والجودة في الإدارة والخدمة، وترتقي أيضا بمستوى أعمالهم وسلعهم، وتطور حالة التنافس في الأسواق والأعمال، وهي حالة اجتماعية واقتصادية سرعان ما تنعكس اقتصاديا ومعيشيا وإنتاجيا على الأفراد والمجتمعات.
ومن الإنجازات الملموسة التي يمكن ملاحظتها اليوم بسبب انتشار اقتصاد المعرفة في أسواق الفقراء، إزالة الحواجز التي تعيق الاتصال.
ويقوم على ذلك نشوء فرص وخيارات كثيرة أمام الفقراء للعمل والتواصل والحصول على الخدمات وتسويقها، وارتقاء مستهلكي قاعدة الهرم، وتطور خبراتهم ومعرفتهم بالسلع والخدمات، ونشوء فرص للتقييم والاختيار والتطوير في السلع والخدمات، والحصول على المعرفة وتداوله.
فيمكن الحصول على استشارات ومراجعات ومراقبة فنية اليوم في الزراعة والإنتاج والطب والصناعة والإدارة بلا حواجز ولا اعتبار للمسافات وبتكلفة قليلة، وأمكن مشاركة فئات كثيرة في العملية الاقتصادية والإنتاجية كالنساء والعائلات وسكان المناطق البعيدة المعزولة وكبار السن وذوي التحديات الحركية.
وباختصار فإن مكافحة الفقر بمشروعات استثمارية وتجارية تقوم على ست أفكار رئيسة ومبسطة:
1- قاعدة الهرم سوق كامنة وضخمة، ويمكن أن تكون محركا للنمو العالمي وللتغيير.
2- الفقراء يمكن أن يكونوا مستهلكين على أساس تجاري مربح للمنتجين والمسوقين.
3- يستطيع القطاع الخاص أن يلعب دورا هاما، ويتيح فرصا للربح المتبادل في قاعدة الهرم، ويستطيع مستهلكو قاعدة الهرم الحصول على منتجات ذات مستوى عالمي وبكلفة معقولة، وتحسين مستوى معيشتهم، ويمكن أن يحقق القطاع الخاص أرباحا مقابل ذلك.
4- تتطلب المشاركة في قاعدة الهرم إعادة التفكير في أسس تطوير المنتجات وتوصيلها.
5- المشاركة في قاعدة الهرم تساعد على إعادة التفكير في أسس تطوير المنتجات وتوصيلها، كما أنها تحتاج إلى مقاربة جديدة للابتكار.
6- يمكن أن يعمل القطاع الخاص في منظومة بيئية وثقافية ذات تأثير كبير في التنمية، وذات عوائد اقتصادية مجزية تؤدي إلى تقليل التكاليف المالية والأعباء القانونية والإدارية.
المصدر : الجزيرة نت – المرسل : رائد خالد