Saturday, July 26, 2008

أزمة الديمقراطية

أزمة الديمقراطية


كتاب : أزمة الديمقراطية
تأليف :عاطف الغمري
الناشر:نهضة مصر
الصفحات:211 صفحة من القطع الصغير

مؤلف هذا الكتاب هو عاطف الغمري عضو المجلس الأعلى للثقافة بمصر ومحاضر بكلية الإعلام جامعة القاهرة عمل نائبا لرئيس تحرير جريدة الأهرام المصرية ثم تم تعيينه مديرا لمكتب الأهرام في لندن ثم مديرا لمكتب الأهرام في الولايات المتحدة حتى تم تعيينه في منصبه الحالي كعضو بالمجلس المصري للشؤون الخارجية.
يتناول المؤلف في كتابه واحدة من المسائل والقضايا المصيرية التي تهم ويختص بها العالم أجمع وإن كانت تكتسب قدرا أكبر من الأهمية في وطننا العربي نظرا للشك الذي يحيط بمدى شرعية بعض الأنظمة العربية الحاكمة وفقدان البعض الآخر هذه الشرعية وعلاقة تلك الأنظمة القهرية في معظم الحالات بشعوبها.ويشير إلى أن هذه القضية، الديمقراطية، غالبا ما يتم التذرع بها من قبل القوى الدولية التي يشير الكتاب إلى أنها قوى إمبريالية جاءت بمشاريعها التوسعية راكبة عربة علقت عليها لافتة عريضة كبيرة كتب عليها «باسم الديمقراطية» فأصبح كل ما تجنيه شعوبنا العربية من خراب ودمار لبعضها وحصار وتجويع للبعض الآخر وتخويف وتطميع للبعض الآخر هو نتيجة مباشرة لإهمال قضية تم إهمالها منذ أن حصلت أول دولة عربية على استقلالها التام.
في إطار التأصيل لموضوعه يتناول المؤلف بداية التجربة الديمقراطية المصرية خلال القرن التاسع عشر والتي بدأت عام 1881 بصدور مرسوم يدعو لانتخابات جديدة جرت في شهر نوفمبر من نفس العام تحقيقا لمطالب أحمد عرابي وحركته الوطنية.
حيث وصفت هذه الانتخابات من معظم المؤرخين بأنها تمت في جو من الحرية والنزاهة الكاملتين، ثم عمل المجلس الذي أتت به تلك الانتخابات على إجراء تعديلات على الدستور نصت على أن يكون للمجلس الحق في الاشتراك في صياغة القوانين ومناقشة سبل تطبيقها وحقه في إبداء رأيه بالموافقة أو الرفض على مشروعات القوانين المقترحة وأن تكون موافقته شرط سريان مفعول أي اتفاقية أو معاهدة تبرمها الحكومة.
غير أنه رغم هذه المؤشرات التي بدت إيجابية في ذلك الوقت يشير المؤلف إلى انتكاس هذه التجربة بعد ذلك بهزيمة ثورة عرابي وإخضاع مصر للاحتلال البريطاني عام 1882 .
حيث قام الاحتلال بمساندة الحكم المطلق وسلطة الخديوي وأجهض التجربة الديمقراطية، واستعان الخديوي بأفكار سلطة الاحتلال التي صاغها اللورد «ديفرين» السفير البريطاني في اسطنبول والتي كان من بينها تسريح الجيش المصري وعدم العودة للنظام النيابي بزعم أن بيئة هذه المنطقة لا تصلح أصلا لتنبت فيها الحرية.
ثم ينتقل بنا عاطف الغمري إلى حقبة لاحقة في تاريخ مصر هي فترة ثورة يوليو 1952 متحدثا عن حال الديمقراطية خلال هذه الفترة قائلاً: «إنه عندما ينفرد تيار سياسي واحد بالحكم فإنه يصادر حرية التعبير ويحكم على أصحاب الفكر المتنور والمستقل ومن يملكون القدرة على تقديم رؤية أو تصور أو اجتهاد بالنفي داخل وطنهم.
حيث ينظر دائما إلى أصحاب الرأي المخالف على أنهم عناصر غير مرغوب فيها ولأن الدولة ليست هي الحاكم ومعاونيه أو حتى المؤسسات التي تتكون منها الدولة إنما هي فعالية الفئات الاجتماعية التي تقوم بتشغيل هذه المؤسسات، فإنه يتم الحجر على حق التعبير من قبل الأفراد.
وعندما يتهاون الحاكم أو النظام إزاء أي سلوك خاطئ أو مخالف للقانون فإنه يحرض ـ وإن كان دون قصد ـ قطاعات من المجتمع على الانعزال والركون إلى حالة من اللامبالاة يأسا من أي إصلاح، وبالتالي فإن هذا المنهج من الحاكم يبطل فعالية المجتمع وفئاته، ويوقف نموها.
في حين أنها في المجتمعات المتقدمة هي الشجرة التي يتغذى عليها الحكم، ويتزود بصائب القرار.وفي نفس سياق حديثه عن حال الديمقراطية خلال فترة ما بعد ثورة يوليو 1952 يقوم الغمري بطرح سؤال افتراضي وهو «ماذا لو أن عبد الناصر لم يعارض الديمقراطية؟» ثم يحاول الإجابة عن هذا التساؤل قائلاً:
«إنه بعدما خرجت مجموعة الضباط الأحرار على الشعب المصري عام 1952 والتف حولها هذا الشعب وأيدها، بدأت الأخطاء بانسلاخ قيادة الثورة من وعائها الحقيقي الذي احتواها ورعاها وأنضجها، منسحبة من تعبيرها عن حركة اجتماعية كاملة تنشد نهضة جديدة لمصر فتراجعت عن أحد المبادئ الستة الرئيسية لها والتي أعلنتها للناس وهو مبدأ الديمقراطية الذي عبرت به حركة الضباط الأحرار من أول يوم لها في الحكم عن فهمها لدورها كطليعة تمثل حركة اجتماعية كاملة في مصر.
وراحت دائرة الحكم تتقلص حتى من كونها تضم مجموعة القيادة التي قامت بهذه الثورة لتتحول إلى حكم الفرد الواحد بعد رفض مفهوم التعددية وحصر الحركة المؤثرة الدافعة للحياة السياسية في تنظيم سياسي واحد يملي القرارات والتوجهات والأفكار من فوق، بدل استلهامها من تحت «أي روح الجماعة» التي هي أساس لبناء نهضة أي أمة من الأمم».
وهنا يحاول الغمري الاستدراك والخروج بنتيجة للإجابة عن تساؤله الافتراضي موضحا أن كثيرا من الأفكار السياسية إن لم يكن معظمها التي غرست في مصر وغيرها من الدول الأخرى منذ قيام ثورة 1952 مازالت ضاربة بجذورها في عمق الحياة السياسية المصرية والعربية حتى اليوم سواء كانت مقررة في الدستور «مثل نسبة الـ 50% للعمال والفلاحين والسلطات الواسعة لرئيس الجمهورية أو كميراث لعمل النظام السياسي كانفراد الحزب الواحد بالسلطة دون وجود فرص حقيقية لتداول السلطة .
أو كعرف مستقر وراسخ مثل خصيصة أهل الثقة لا أهل الخبرة في اختيار من يشغلون المناصب الحساسة وبالتالي فإن متاعب النظام السياسي المصري الحالي وغيره من الأنظمة السياسية العربية تعود جذورها إلى أخذ نظام ثورة يوليو بمفهوم تركيز السلطات بكاملها في يد رئيس الجمهورية مما أثر سلبا على القدرة على التطور والتقدم والازدهار الحياتي والإنساني.
والخلاصة أن كل تلك المتاعب التي تعانيها النظم السياسية العربية في الوقت الحالي ما كانت لتكون على هذه الدرجة من التعقيد لو أن النظام السياسي المصري وغيره من أنظمة الحكم العربية في فترة الخمسينات كانت قد أقرت بعض الأطر الديمقراطية في حكمها.ثم ينتقل بنا الغمري للحديث عن جانب آخر من الموضوع وهو دور الأحزاب السياسية في هذه الأزمة التي تعانيها معظم الدول العربية غير أنه هنا يتناول النموذج المصري.
فيستشهد بأحد المواقف التاريخية لأحد رؤساء وزراء بريطانيا الذي دخل عليه مساعده ذات يوم ووجهه منشرحاً حاملا إليه خبر ظهور بعض الخلافات وبوادر لأزمة بدأت تدب بين صفوف الحزب الأخر المعارض لحزبهم، غير أن رئيس الوزراء عندما علم الخبر بتفاصيله من مساعده تغيرت ملامح وجهه من البشاشة إلى العبوث قائلاً: «هذا نذير شؤم إن قوتنا لا نصنعها بمفردنا .
وإنما نستمد جزءا منها من قوة من يعارضوننا، فقوتهم توقظ فينا حواس الاستنفار والتأهب والتفكير الخلاق وتمنع عنا التراخي وترهل العقل، ووجودنا معا هو شرط الديمقراطية فنحن وهم عجلتان في عربة الديمقراطية، لو اختلت إحداهما لمالت العربة على جانبها واختل توازنها ودبت فينا كل أسباب الضعف».
ومن خلال هذا المثال يحاول الكاتب توضيح أهمية التعددية الحزبية وأهمية قوة الأحزاب السياسية الموجودة على الساحة لإقامة حياة سياسية ديمقراطية في إطار الفهم الصحيح للديمقراطية والقاضي بأن الديمقراطية لا يمكن أن تقوم لها قائمة إلا بشروط أهمها أن يكون هناك حزب جاء إلى الحكم بإرادة الناخبين .
وأن غيره من الأحزاب المعارضة من الممكن لها بيسر وسهولة أن تحل محله لو أنه فقد شرعية الرضا العام واتجهت إرادة الناخبين إلى اختيار الحزب الأخر ليحول أهدافها وأحلامها إلى واقع فعلي.
و كل ذلك بحسب المصدر المذكور.
المصدر: البيان الإماراتية-30-9-2006