Saturday, July 26, 2008

الاقتصاد العالمي المرحلة التالية

الاقتصاد العالمي المرحلة التالية


إسم الكتاب: الاقتصاد العالمي المرحلة التالية
تأليف: كينشي اوهمي

يبحث الكتاب في مرحلة ما بعد العولمة، ويحدد متطلبات النجاح على صعيد الشركات والدول والأفراد، ويوضح سبب انهيار نظريات الاقتصاد السابقة، ويلقي الضوء على عالم جديد تقوده "الدول الإقليمية" والبرامج الاقتصادية الجديدة وليس الدول التقليدية أو علوم الاقتصاد التقليدية ويقدم رؤى إزاء تأثيرات أحوال جديدة غير مسبوقة ومراكز العمل المستقبلية ومراكز النمو الجغرافية، ونشوء مجتمعات الإنترنت، ودور القادة في عالم بلا حدود.
عالم جديد ومتحول
تحاول دول وشركات عدة اليوم التكيف مع الاقتصاد العالمي باعتباره واقعا يزداد قوة وانتشارا، وبدأت دول مثل فنلندا وأيرلندا برامج تعليمية لتأهيل مجتمعاتها مع متطلبات هذا الاقتصاد.
وقد أتاحت دول مثل الهند والولايات المتحدة للولايات والحكومات المحلية فرص العمل والانفتاح على الاقتصاد العالمي مستقلة عن الحكم المركزي وقد ساعدت فرص اختراق الحدود تقنيا وتقدم وسائل الاتصالات والمواصلات على تداخل الاقتصادات واعتمادها على بعضها.
لقد بدأ العالم يشهد تحولات كبرى وراديكالية منذ منتصف الثمانينيات، مثل تحولات الاتحاد السوفياتي (البيروسترويكا والغلاسنوست) وثورة الحاسوب والاتصالات، ونشأ تبعا لذلك اقتصاد جديد مختلف عن السابق بدرجة كبيرة.
وقد واجهت الولايات المتحدة في تلك الفترة تحديات كبيرة بسبب العجز الكبير في ميزانيتها، إلى درجة أن مفكرا مثل بول كنيدي تنبأ بإفلاسها منتصف التسعينيات ولكن بيل كلينتون قاد في أوائل التسعينيات سياسة اقتصادية جديدة مكنت الولايات المتحدة من التكيف بسرعة مع التحولات، واستيعابها بل وقيادتها أيضا.
وبدأت شركة ميكروسوفت التي أسسها بيل غيتس تحول العالم والاقتصاد والتعليم والثقافة، وكانت أنظمة النشر والتوزيع التي أنتجتها الشركة أساسا في التقدم العلمي والاقتصادي الجديد، وتسيطر أيضا على الأسواق وأحرزت الصين تقدما اقتصاديا غير من وجهة العالم ومركزه، وتحولت الصين من بلد فقير إلى سابع اقتصاد في العالم، وربما تحتل في العام القادم المرتبة الخامسة.
أين ستذهب النظريات الاقتصادية التي نظمت الاقتصاد العالمي طوال القرون الماضية، عندما كانت الخدمات قطاعا ضئيلا في الاقتصاد لا يكاد يذكر، وعندما كان الثراء يعتمد على الذهب والفضة، وعندما دخلت العملة الورقية في القرن التاسع عشر اعتبرها كثيرون سرقة ترعاها الدولة؟
يبدو أن معظم الدول مدمنة على ممارسة السياسات الاقتصادية القديمة، فمازالت اليابان على سبيل المثال تقدم إعانات كبيرة لمزارعي الأرز، ولكن مازال الأرز الياباني غالي الثمن بعشر أضعاف الأرز الأسترالي.
ولم تفد حماية قطاع الزراعة، وكان المستفيد الوحيد من الدعم هو شركات البناء والمقاولون والموظفون في حين أن المزارعين يتناقصون، ولم يعد يعمل في الزراعة سوى كبار السن.
ورغم توقف الإعانات لمزارعي التوت فإن صناعة الحرير اليابانية مزدهرة جدا، وضخت الحكومة اليابانية عام 2003 أكثر من مائتي مليار دولار لأجل دعم الدولار وتخفيض الين، ولكن بقي الدولار ضعيفا وظل الين قويا.
" وكان المستفيد الوحيد هو الخزينة الأميركية، وأما دافع الضريبة والاحتياطي الياباني فقد تعرضا لإرهاق شديد، وقد وقعت الحكومة اليابانية في هذا الفخ لأنها كانت تتخذ قراراتها بناء على بديهيات علوم الاقتصاد القديمة ومن خلال الذهنية الاقتصادية للدولة القومية لتصدير الصناعات، وليس منح المستهلك فرصة الاستمتاع بالين القوي.
ولكن في النموذج الاقتصادي الجديد فإنه للمرة الأولى في تاريخ الإنسانية لم يعتمد الازدهار والغنى على الثروة الموجودة، فلم يعد النموذج البريطاني القائم على الصناعة والفحم الحجري أو النموذج الأميركي القائم على الموارد الطبيعية والابتكار مصدر الثروة.
ولكن نماذج النجاح اليوم تبدو في فنلندا وأيرلندا على سبيل المثال، حيث استطاعت هاتان الدولتان قليلتا عدد السكان والنائيتان وبعد مجاعات وأوبئة مدمرة، بناء اقتصاديات مزدهرة ومتقدمة.
الاقتصاد الجديد
لقد ترسخت الأنظمة الاقتصادية عبر مسيرة الدولة الحديثة ونشأت حول الدولة كثير من السياسات والتشريعات مثل الحماية والجمارك والضرائب وتوجيه الاقتصاد والاستيراد والتصدير، ولكن الدول القومية أخرت التطور الاقتصادي، فالاقتصاد يقوم على المناطق وليس على الأمم، ففي الصين على سبيل المثال هناك تقدم اقتصادي كبير في بعض المناطق، وهناك فقر وتخلف في مناطق صينية أخرى.
وشهدت الدول القومية تحديات جديدة في عالم الاتصالات والعولمة جعلت مراقبة الحدود عملية مختلفة عما كانت في السابق، فالتجارة والاقتصاد يتحرك عبر الإنترنت والفضاء بعيدا عن السلطات، ويتبع ذلك بطبيعة الحال استقلال الاقتصاد عن الدولة والنظام السياسي.
ويمكن على سبيل المثال ملاحظة أن مدينة مثل دبي المزدهرة اقتصاديا، هي مدينة يقوم ازدهارها على منظومة من الشركات والأعمال حول العالم، وتشغل بناها مجموعة كبيرة من الموظفين والعاملين من جميع أنحاء العالم، وهذا التنوع نفسه موجود في سنغافورة ويفسر سبب نجاحها.
هذا التطور الاقتصادي يؤدي إلى تشويه محتوم للدولة القومية لصالح الإقليم، وفي الواقع فإن علم الاقتصاد والتكنولوجيا يقومان بتقوية مقياس جديد للطبيعة الجغرافية السياسية.
وتمثل الهند نموذجا دراسيا في التباينات الاقتصادية والسياسية في الدولة الواحدة، ففي مدن مثل بنغالور وحيدر أباد تجد مراكز تجارية كبيرة ومشروعات اقتصادية وتقنية متقدمة ومزدهرة، تقود وظائف الأعمال التي تتم في الخارج بهدف تقليص كلفة الإنتاج على حساب الشركات الأميركية والأوروبية.
وقد أصبحت بعض أقاليم الهند جزءا من الشركات العالمية، ومن المدهش أن إحدى الحكومات المحلية التي يسيطر عليها حزب شيوعي هي التي كانت وراء هذه التحركات.
وتقوم الحكومات الجديدة على أساس فكرة مختلفة جذريا عن سابقتها، فهي لا تتدخل في الأعمال بل تسمح لها بالقيام بواجباتها، وتقوم خدماتها الفضلى على جذب رأس المال لتفادي استعمال أموال مسددي الضرائب، واستقبال الشركات التي تقدم فرص العمل بحيث تقلل من الإعانات التي تدفعها الحكومة.
وهذا يحول من وظيفة الحكومة إلى الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص من أجل توليد الازدهار، وليس فقط إنشاء البنى التحتية، فقد قامت مشاريع واسعة النطاق تختص بالبنية التحتية الملتبسة الاستعمال واقتصرت فوائدها على تعزيز المتعهدين المحليين ومجموعات أخرى لها مصالح مميزة.
ولذلك فإن التحول إلى العصر الجديد يتطلب من الحكومات أن تتمتع بالبصيرة لتكوين نظرة بعيدة المدى تملي على كل قطاعات المجتمع كيفية تصرفها لجعل هذه النظرة حقيقة، وتبيان مدى أهميتها بالإضافة إلى إظهار ما تقدمه لهم.
وهذه ليست مهمة سهلة، فنحن نعيش اليوم في عالم غير محدود، وصلتنا بالتكنولوجيا عميقة جدا تجعلنا نعيش في متاهة.
وكل ذلك بحسب المصدر المذكور.
المصدر:جريدة الصباح-15-10-2006